سورية ولغز من المستفيد من وراء داعش

تجددت ارهاصات المساعي الأميركية لعودة هيمنتها العسكرية إلى المنطقة، المعنونة بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، وألحق بها عنوان فرعي هو \”الحرب على الدولة السورية\”، إذ تسعى واشنطن وإسرائيل وحلفاؤهما إلى جعله عنوانا رئيسا بغطاء أخلاقي يحاول مساواة العنوانين ببعضهما بعضا، فإسرائيل جزء من لعبة الإرهاب، وأميركا والغرب هم الذين ربوا هذه الثعابين، وسيلدغون منها، كما أن أميركا لم تلجأ للحرب على داعش إلا بعد أن تخطى هذا التنظيم الخطوط الحمراء بالاقتراب من النظام الكردي الخاضع لواشنطن والذي يتواجد في إقليمه الخبراء الإسرائيليون، ما دفعها للحرب عليه، وليس كما تظهر إعلامياً بالحرب على الإرهاب.

 

وإذا ما أخدنا بالحسبان العلاقة التحالفية الإستراتيجية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية، وأهدافهما المشتركة في المنطقة، فإنه بالإمكان القول إن خطر داعش الإرهابي وتكبيره يصب في خدمة أهدافهما لإبقاء المنطقة خاضعة للهيمنة الأميركية من ناحية وتصفية القضية الفلسطينية من ناحية ثانية لمصلحة المشروع الصهيوني.

 

لكي تزيد الولايات المتحدة المنطقة العربية رعباً وتعقيداً، وتنهك الجيوش فى الدول العربية، ومنها الجيش السوري، كونت أكبر تحالف فى التاريخ من أربعين دولة لمحاربة داعش، حتى لا تسدد الولايات المتحدة الفاتورة بمفردها، والتي تتكلف يوميا 8 ملايين دولار، بل تغترفها من خزائن الدول العربية، ولا يهم أميركا والغرب فى هذا التحالف الدولي سوى القيام بغارات جوية شكلية لتدمير جزء من الآلات العسكرية لداعش التي منحتها لها أميركا في أثناء التدريبات وإعداد التنظيم، فضلاً عن قيام الولايات المتحدة بقيادة حرب إعلامية شرسة باسم مكافحة الإرهاب، وهى دعاوى كاذبة، فأميركا تلعب بداعش، وتلاعب دول العالم خاصة دول المنطقة العربية وجيوشها.

 

تبث داعش الفوضى داخل أروقة العالم العربي، مما يعطي إسرائيل الفرصة لخلق علاقات دبلوماسية جديدة في الشرق الأوسط من أجل بحث الاحتياجات الأمنية المشتركة، ومن هنا فإن جميع الأطراف في الشرق الأوسط تحاول الاستفادة من أزمة \”داعش\” لصالحها بما في ذلك إسرائيل. ولما كانت تل أبيب تعي أن التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة \”داعش\” يحمل في طياته فرصة ذهبية لأطرافه من أجل تحقيق مآرب إستراتيجية تتجاوز هدفه المعلن، فقد هرع قادة الدولة العبرية للتعاون مع هذا التحالف ضد \”داعش\” وأعوانه من التنظيمات المتطرفة الإسلامية. ومن هذا المنطلق تتوخى إسرائيل تحقيق مكاسب إستراتيجية عدة على أكثر من صعيد، فمن جهة، تتطلع تل أبيب إلى تفويت الفرصة على طهران وتقويض محاولاتها للمشاركة في هذا التحالف توخياً لترميم علاقاتها مع الغرب وجيرانها العرب بما يساعدها على تقليص فجوة الثقة بينها وبينهم في شأن برنامجها النووي، إذ يتملك الإسرائيليون القلق والخوف من أن تفضي أية مشاركة إيرانية محتملة في التحالف الدولي ضد \”داعش\” إلى صرف أنظار العالم عن البرنامج النووي الإيراني الذي يعد الخطر الإستراتيجي الحقيقي على أمن العالم وأمن إسرائيل، من وجهة نظرهم، وبالتالي رفع العقوبات الدولية عن طهران كمكافأة لها على تعاونها في محاربة \”داعش\”، كما تسعى إسرائيل بالتوازي إلى تضييق الخناق على المقاومة المناهضة لها في لبنان، والتي تدعم المقاومة الفلسطينية، كحزب الله الذي تعتبره الدوائر الغربية تنظيماً إرهابياً. ومن جهة أخرى، يحاول الإسرائيليون توظيف \”الفزاعة الداعشية\”، بغية الخروج من دائرة العزلة واتهام العرب بأنهم مصدر للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم.

 

واليوم فإن إسرائيل سعيدة بهذه التطورات كونها تجند العالم لمحاربة الإرهاب التي تدعي إسرائيل أنها تعاني منه، وتأمل أن يتطور الموقف الدولي إلى درجة التعاطي مع بعض تنظيمات المقاومة باعتبارها منظمات إرهابية ينبغي محاربتها، كما أن انشغال العالم بـ\”داعش\” سيصرف النظر عن موضوع الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي، مما يعطي فرصة مواتية الآن لقيام تحالف عربي – إسرائيلي في وجه الإرهاب والعدو المشترك، وهذا يعني أن إسرائيل تطمح إلى تعزيز علاقاتها مع العالم العربي بغض النظر عن إيجاد حل للصراع، وهكذا ترى تل أبيب في تحول الموقف الدولي تجاه \”داعش\” فرصة سانحة لتجاهل ملف الصراع ومواصلة سياسة الاستيطان وتهويد الأرض الفلسطينية، واللعب على تناقضات الوضع الفلسطيني والفوضى التي تعم مناطق كثيرة في العالم العربي.

 

وانطلاقاً من ذلك لا ترى إسرائيل في داعش خطراً يهدد مصالحها، بل على العكس فإنه يشكل أكبر خدمة لمشاريعها وسياساتها التي تسعى إلى ترجمتها على الأرض، ولهذا فإنها تعمل على توظيف خطر داعش على المنطقة لأجل السعي إلى الظهور بأنها جزء من التحالف الدولي الإقليمي الذي يجري العمل على إقامته لمحاربة داعش بهدف تلميع صورتها ونفي صفة الإرهاب عنها، خاصة بعد الجرائم التي ارتكبتها أخيراً في قطاع غزة، كما تستخدم خطر داعش في الدول العربية المجاورة لفلسطين لاسيما الأردن، لتبرير الشروع في إقامة جدار عازل على طول نهر الأردن، وبالتالي تكريس الاحتلال الصهيوني الاستيطاني في منطقة غور الأردن في إطار أي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى الاستفادة من خطر داعش لأجل زيادة التحريض على الفتنة والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية في المنطقة.

 

كل هذه الأهداف الإسرائيلية لا تتناقض مع الأهداف الأميركية الساعية بدورها إلى توظيف خطر داعش لأجل إعادة تجميل صورة السياسة الأميركية في المنطقة، تحت عنوان محاربة الإرهاب، وبالتالي العمل تحت هذه اللافتة لاستعادة نفوذها وتعزيزه لاسيما في العراق بعد أن خرجت منه مهزومة عسكرياً وبدأت تفقد تأثيرها السياسي فيه، ولهذا رأينا كيف أن تنامي خطر داعش واكبه تحرك أميركي سياسي ودبلوماسي قبل وخلال عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لضمان مشاركة قوى وشخصيات موالية لواشنطن.

 

وضوح الرؤيا وفهم أبعاد ما يجري الآن يشكل الخطوة الأولى نحو التصدي للآثار السلبية لما تقوم به التنظيمات المسلحة التي تدعمها قوى إقليمية عربية تقف من ورائها استخبارات وقوى أجنبية تدافع عن مصالحها ومصالح الصهيونية العالمية وإسرائيل، وهذا يتطلب منا الكشف عن حقيقتها المرتبطة بالدوائر الاستخباراتية وتجريدها من أي مصداقية والتعامل معها باعتبارها إحدى الأدوات التي يستعملها أعداء الأمة لضرب مصالحنا ووحدتنا الوطنية وبالتالي التعامل معها باعتبارها عدواً للوطن ومصالحه، فهم يريدون التهام منطقتنا وتجزئتها لتحقيق أهداف وأطماع استعمارية.

 

* د. خيام الزعبي: باحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com

إقرأ أيضا