تدور المرأة مستعرضة بتفاصيل ومفاتن جسدها التي تكون عادة “مملوءة”، فهذا ما يطلب منها أن تفعله من قبل التجار، وهم يعرضون بضاعتهم من أجل تسويقها، فبعضهم يُلبس المرأة ذهباً للإعلان عنه، ويركّز في التصوير على تفاصيل جسدها، بعد أن يجعلها ترتدي ملابس، يراها البعض “مغرية”.
بعض أصحاب الشركات، لا يركّزون على موادهم التي يريدون أن يبيعوها، بقدر ما يهتمون في عرض جسد المرأة، وبعضهم، يُظهرون المرأة وهي ترتدي ملابس “داخلية”، فتصبح التعليقات تركّز على جسد المرأة وليس المنتج المعروض.
وفي المقابل أيضاً، تعمل بعض الشركات والمطاعم على جذب وجه فتاة جميلة، وبملابس أنيقة، فيكون إعلاناً جذّاباً للمتلقين، دون أن يُحدثوا موجة هجوم، كما يحصل مع الإعلانات التي تروَّج لجسد المرأة وليس التسويق.
سيف الكاهجي، صاحب شركة تسويق، يرى خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “إظهار النساء في ملابس داخلية، يعتبر تسويقاً ناجحاً بالنسبة للشخص الذي عرض هذه البضاعة، فهو يريد أن يقول، إن بضاعته عُرِضَت على جسد حقيقي، وليس وهمي”.
ويوضح، أن “هذا النوع من التسويق، هو صحيح في المجال التجاري، لكنه يخالف ولا يتواءم مع الدين وعادات المجتمع وتقاليده”، مشيراً إلى أن “جزءا كبيرا من التسويق يتعارض مع الدين والأخلاق والعادات والأعراف والتقاليد الاجتماعية، كأن يستخدم الكذب وتسقيط المنافسين، وعرض مفاتن جسد المرأة، فضلاً عن المنافسة غير الشريفة بين الشركات”.
ويبين أن “الترويج بإخراج مفاتن الجسد من خلال التسويق، فهو يعد تسويقياً نجاحاً، ولا ينبغي أن يكون عرضه إيجابياً، وهناك شركات عالمية تستخدم أساليب ترويج سلبية حتى يحقق المنتج أكثر رواجاً”.
وعن الشركات التي تظهر امرأة بإعلانها بملابس “فاضحة”، وأخرى تعرضها بملابس أنيقة وشكل جميل، يبين الكاهجي، أن “هناك شركات تهتَّم بالانتشار والترند، مثل التي تستعرض بجسد المرأة، وبالتالي تحقق الانتشار التي تهدف إليه، وفي المقابل، هناك شركات تهتم بالسمعة الحسنة، كأن تُظهر امرأة بملابس محترمة وأنيقة، في إعلانها، وهنا تكسب اهتمام الجمهور المستهدف، لكنها لا تحقق الانتشار الذي حققته الشركة التي اعتمدت على الترند”.
يشار إلى أن وزارة الداخلية، سبق وأن اطلقت حملة للحد من المحتوى الهابط، وشملت فيها أصحاب الإعلانات التي تنطوي على مشاهد مخلة بالحياء مثل استعراض أجساد النساء والتركيز على مفاتنهن.
يذكر أن التنافس بين الأعمال التجارية بلغ ذروته في العراق، سواء على مستوى المطاعم أو محال الملابس أو الأثاث وغيرها من المهن، وذلك نظرا لكثرة هذه المحال وانتشارها بشكل كبير، وذلك بالتزامن مع إنتشار مراكز التسوق وخاصة في بغداد، بعدد يصعب إحصائه، وهذا الأمر دفع كل صاحب محل أو شركة إلى إتباع مختلف الأساليب للترويج لبضاعته.
ومن بعض جوانب الترويج، هو الإستعانة بـ”اليوتيوبرية”، وهؤلاء على أنواع منهم من يهتم بالمطاعم، وهي الأكثر انتشارا، وهناك بعض الفتيات اللواتي لديهن صفحات فيها آلاف أو ملايين المعجبين، وتتجه إلى الترويج لمحال الملابس النسائية ومواد التجميل.
رأي آخر
الهجوم اللاذع لمن يستخدم هذا النوع من الإعلانات، يكون حاضراً في أغلب المنشورات، فالعديد من مستخدمي التواصل الاجتماعي، “يوبّخون” الصفحات التي تركّز على تفاصيل جسد المرأة، ويقومون بحظرها، وفق ما يقول علي أحمد (45 عاما)، أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول أحمد لـ”العالم الجديد”: “أخشى على أبنائي من أن يشاهدوا محتويات هذه الإعلانات، فصاحبها يلجأ إلى هذه الأساليب المبتذلة من أجل تحقيق منافع شخصية له، والحصول على تفاعل يسهم بأن يصل منشوره إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين”.
ويضيف: “يجب أن تشاع ثقافة الإعلان عن المنتجات بالطرق الأفضل، والتي تواكب ما يريده المجتمع واحتياجاته، دون اللجوء إلى تعرية النساء وإلباسهن ملابس إغرائية”.
يشار إلى أن أغلب التعليقات على صفحات هذه المحال، ابتعدت عن المنتج من الملابس أو السؤال عن المقاسات والألوان أو الأسعار، بل باتت التعليقات تدور حول الفتيات والتغزل بهن، وانتظار الفيديو المقبل وماذا سترتدي فيه الفتاة.
بالمقابل، فأن أحمد وئام، مدير شركة تسويق، يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “إعلانات المجتمعات الغربية تسمح باستخدام الجنس، لكن طبيعة المجتمع العربي لا تتلاءم مع هذه الإعلانات التي تستخدمها بعض الشركات الكبرى في المجتمعات الغربية”.
ويضيف وئام أن “المجتمع عربي بدأ حاليا ينفتح على مثل هذه التفاصيل، وهناك تأثير غربي كبير على ثقافة الترويج عبر النساء أو الإيحاءات الجنسية”، موضحاً، أن “دراسة التسويق في جامعة لندن، شرحت هذا النوع من التسويق، ولكنه يُستخدم في أماكن معينة، ويصعب تطبيقه في المجتمع العراقي”.
ويؤكد: “عند التسويق، يجب أن يعمل صاحب الإعلان على ملامسة داخل المجتمع المستهدف لترويج البضاعة، ويكون من ثقافتهم وبيئتهم، وإذا كانت طريقة الترويج تنافي ثقافة المجتمع، فإنها ستضر بالشخص الذي ينشر إعلاناته بهذه الطريقة”.
وأطلعت “العالم الجديد” على العديد من محال الملابس في العاصمة بغداد، وقد اتجهوا إلى الترويج لبضاعتهم عبر الاستعانة بفتيات لإرتداء الملابس المعروضة، وخاصة ملابس النوم أو القصيرة والشفافة، بغية عرضها للزبائن، رغم أن هذه المحال تعرض أيضا الملابس الرسمية والاعتيادية.
ومن بعض المحال، هو واحد مختص ببيع الملابس الداخلية وملابس “العروس”، وهذا الاخير اتجه أيضا إلى بث مشاهد لفتيات يرتدين هذا النوع من الملابس بشكل فاضح ويستعرضن أمام الكاميرا.
استغلال النساء “جريمة”
ما يحدث في طرق التسويق هذه، تعد “جريمة”، يعاقب عليها القانون، وفقا للناشطة في مجال حقوق الإنسان، بشرى العبيدي، التي ترى أن “ضعف” تطبيق القوانين، يشجع الجاني على الاستمرار بطريقة تسويقه.
العبيدي تبين خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، أن “استغلال النساء يعد جريمة مذكورة في المادة 37 من الدستور العراقي، تلك التي تتعلق بحظر استغلال النساء والأطفال، وهي مذكورة أيضا في قوانين مكافحة الاتجار بالبشر، والعقوبات العراقي، والعمل، وما يحدث جريمة استغلال للنساء”.
وتوضح، أن “الاتفاقيات الدولية التي انضم إليها العراق، حظرت أشكال الاستغلال ضد النساء، والعراق ملزم بمكافحة هذه الظاهرة التي شاعت في المجتمع العراق”، مشددة على ضرورة “أن تتابع الحكومة والجهات المختصة، الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجريمة، ومراقبة الوسائل التي يستخدمونها”.
وتؤكد، أن “التوعية المجتمعية ضرورية جدا، في هذا المجال، فمثل هذه الأفعال تأتي من خلال أشخاص متهورين لا يدركون معنى كون هذا الفعل جريمة، وبعضهم ضعاف النفوس، يمارسون مثل هذه التصرفات، لاستحصال الأموال وتحقيق ملذات شخصية لهم”.
وتضيف، أن “المسؤول عن هذه الظاهرة، هو ضعف التطبيق في القوانين المذكورة، الذي يسمح في الإفلات من العقاب، كما أن بعض العقوبات لا تكون رادعة، وهذا السبب سيدفع إلى الاستمرار بارتكاب مثل هذه الجرائم”، مشيرةً إلى أن “التدخلات السياسية والعشائرية تكون حاضرة حين يُحاسب مرتكب هذا الفعل، وبالتالي تنفع الجاني، وتضر بالمجنى عليه”.
جدير بالذكر، أن وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت في العراق إلى الطريق الأسرع لتحقيق أي هدف، والأمر لا يقتصر على الإعلانات كما يجري في بلدان العالم، بل باتت منصة لإيصال المناشدات وتحويلها إلى قضية رأي عام، من قبل أي شخص أو موظف يتعرض لأي موقف ويطلب مساعدة الدولة.