سينما الواقع

قليل هو المطبوع السينمائي عربياً! ويكاد ينعدم عراقيا لولا إصرار بعض حملة القلم المجد والمثابر. وأقله هو المطبوع المتأسس على آليات بحث علمية وأكاديمية، دون أن يخسر مقدارا مطلوبا من الإثارة. هذا ما اجتمع في كتاب \”سينما الواقع\” للناقد والباحث السينمائي كاظم مرشد السلوم. مطبوع من الواضح بأنه تأسس على مفاصل بحث أكاديمي نجح فيه السلوم وتمكن من أن يضع كتابا سينمائيا مهما على رف المطبوع السينمائي، ليس العراقي فحسب بل العربي أيضا.

أهمية مضافة لهذا الجهد البحثي الرصين أنه يتناول وبتفصيل دقيق بُنى الفيلم الوثائقي تحديدا. والأهمية تكمن هنا في أن الكثير من صانعي الفيلم الوثائقي – عراقيا على اقل تقدير – يهرولون نحو فخاخ رسم الكاتب، في هذا الكتاب، خارطة معرفية لتجاوزها، إذ ينطلق السلوم بكتابه مبتدأ بما هو أساسي وحتمي لفهم بنية الفيلم الوثائقي الأساسية، ألا وهي: فلسفة الحقيقة في الأفلام الوثائقية! وبغض النظر عن مجمل الاتفاق والاختلاف في طروحات الكاتب (في هذا الفصل تحديدا) فانه يستعرض وبمهارة معلم محب هذه الفلسفة والمتغيرات التي طرأت عليها منذ لحظة الأخوة لومير إلى شكل الفيلم الوثائقي (أو التسجيلي) المعاصر.

بعدها ينتقل الكاتب إلى \”الأنواع الفيلمية للسينما الوثائقية وأشكال تناولها للواقع\” والجملة الأخيرة هي عنوان الفصل الثاني في الكتاب. وبالفعل يمضي السلوم بنا في رحلة لم تنقصها الدقة في بيان هذه الأنواع وتأثيراتها وآليات فهمها دون أن يسقط في فخ المحاضر! بل الدرس هنا شبيه برحلة لا تخلو من متعة لغوية ومفهومية على حد سواء.

وفي فصل السمات الجمالية للفيلم الوثائقي، يبدأ بتذكير \”مدرسي\” لماهية الجمال.. وجدت أن تدوينه في مقدمة هذا الفصل ضرورة للانطلاق نحو التعامل مع جماليات الفيلم الوثائقي. والمفارقة التي يصنعها الكاتب في التفريق بين جماليات الفيلم الوثائقي المصنوع للسينما والفيلم الوثائقي المصنوع للتلفاز، هي الأهم في فهم ومن ثم الإحساس بتلك السمات الجمالية.

وقد يكون فصل التطبيقات، وهو الفصل الرابع، الحلقة الأضعف في الكتاب. والضعف هنا يكمن في الاختيارات التي توقف عندها الكاتب. بدت هذه الاختيارات غير منسجمة مع الجهد المبذول من الكاتب في تدوين خلاصات مهمة لأي مهتم بالفيلم عموما وبالوثائقي منه بشكل خاص. اختيارات الأفلام مجملها بعيد بعض الشيء عن مجمل النتاج العالمي للفيلم الوثائقي (المنتج للسينما وللتلفاز على حد سواء)، دون أن يقلل هذا من أهمية التحليل الذي مارسه الكاتب لهذه الأفلام.

\”سينما الواقع\” كتاب تأسس على بحث أكاديمي عراقي كان قد نال عنه كاظم مرشد السلوم درجة الماجستير في السينما، لتوفره لنا منشورات \”دار ميزوبوتاميا\” بالتعاون مع \”مكتبة عدنان\” رصيدا مضافا لرحلة بدأت في البحث عن ملامح تأسيسية للفيلم السينمائي العراقي روائيا كان أو وثائقيا. وبلا شك فان كتاب \”سينما الواقع\” هو ضرورة ينبغي أن تتواجد في مكتبة أي سينمائي عراقي وعربي، وتحديدا الشباب.

إقرأ أيضا