بعد إعلان الحكومة عن توجهها لإنشاء شركة اتصالات وطنية، يكشف مصدر مسؤول بهيئة الإعلام والاتصالات عن صعوبات مالية ولوجستية “كبيرة” تعترض المشروع الذي طرح في مناسبات وحكومات مختلفة، فضلا عن عدم تلقي الهيئة لأي خطاب رسمي بهذا الخصوص حتى الآن، وفيما عزت لجنة الاتصالات النيابية تأخر إنشاء هذه الشركة إلى نفوذ شركات الهاتف النقال الحالية وعلاقاتها بشخصيات سياسية، أكد خبير بمجال الاتصالات صعوبة المضي بهذه الخطوة، متوقعا حدوث صراع بين الهيئة ووزارة الاتصالات، بفعل المردود المالي الكبير.
تحد كبير أمام رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بعد توجهه لإنشاء شركة اتصالات وطنية، ففيما أكدت هيئة الإعلام عدم وصول كتاب رسمي حتى الآن بهذا الخصوص، أشارت إلى أن الأمر بحاجة إلى أموال وإمكانيات ووقت طويل، فيما عزت لجنة نيابية متخصصة تأخر إنشاء هذه الشركة إلى العلاقة بين الشركات الحالية والشخصيات السياسية، لكن خبيرا بمجال الإتصالات كشف أن هذا التوجه سيفتح الصراع بين هيئة الإعلام وشركة تابعة لها، بسبب المردود المالي.
ويقول مصدر مسؤول في هيئة الإعلام والاتصالات، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الهيئة حتى الآن، لم تتسلم أي كتاب رسمي بخصوص قرار مجلس الوزراء حول تشكيل شركة اتصالات وطنية، وأن مسؤولي الهيئة سمعوا بهذا القرار من خلال وسائل الإعلام”.
وكان السوداني، قرر في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء أمس الأول، إطلاق الرخصة الرابعة لتأسيس شركة اتصالات وطنية تأخذ على عاتقها تحسين الخدمة وخفض أسعارها.
ويوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “الهيئة هي المسؤولة عن منح الرخص لشركات الاتصالات، وهي من تحدد الطيف الترددي، بموجب الأمر 65 لسنة 2004، فهو عمل فني وتنظيمي”، لافتا إلى “هذا الأمر يحتاج إلى بنى تحتية، وكذلك تخصيصات مالية كبيرة، إضافة إلى تخصيص فرق فنية مختصة بهذا المجال، ولذا فإن الأمر يحتاج إلى أموال وجهود كبيرة ووقت طويل”.
ويعد ملف شركات الهواتف النقالة، من الملفات الشائكة والمثيرة للجدل، إذ أقدم رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على تجديد رخص شركات الهاتف النقال في 8 تموز يوليو 2020، وسط شبهات فساد، إذ جرى التجديد لمدة 5 سنوات من دون أن توفي الشركات ما بذمتها من أموال لخزينة الدولة.
وقد سلطت “العالم الجديد” الضوء على تفاصيل هذا التجديد عبر سلسلة تقارير عديدة، ومن أبرز سلبيات قرار التجديد لهذه الشركات هو تمكينها (الشركات الرئيسية الثلاث) من السيطرة على كافة حزم الاتصال، أي احتكرتها بالكامل، وحصولها على حزم إضافية كان من المفترض أن تكون مخصصة لشركة اتصال رابعة، والتي كان من المفترض أن تذهب لشركة وطنية.
من جانبها، تُعلق رئيس لجنة الاتصالات في البرلمان زهرة البجاري، على القرار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “ما أقره مجلس الوزراء بخصوص تشكيل شركة اتصالات وطنية، أمر مهم، لاسيما أن هناك قرارا سابقا من قبل مجلس النواب بأن تكون هناك شركة وطنية للاتصالات، وتكون هذه الشركة داعمة لقطاع الاتصالات وخدمة المواطن، وهذا الأمر سيفتح المنافسة ما بين الشركات”.
وترجع البجاري تأخير تشكيل هذه الشركة طيلة السنوات الماضية، إلى “أسباب فنية وإدارية ومالية وقانونية، إضافة إلى عدم رغبة الحكومات السابقة بحسم هذا الملف، مع وجود تدخل وضغط سياسي لمنع هذا التوجه”، مشيرة إلى أن “هناك مجاملات وعلاقات بين شركات الاتصال الحالية والكثير من الشخصيات السياسية والمتنفذة، لذلك فأن السبب الرئيسي لمنع تشكيل هذا الشركة سياسي بكل تأكيد”.
وتضيف أن “العراق يملك التردد الطيفي لتشكيل الشركة الوطنية للاتصالات، وهذا الأمر من اختصاص وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات، وهي قادرة على تخطيط هذا التردد بأي لحظة”.
وتتابع رئيس لجنة الاتصالات في البرلمان، أن “تشكيل شركة اتصالات وطنية عراقية، فيه مصلحة أمنية أيضاً لمنع التجسس على المكالمات، كما له منفعة اقتصادية من خلال توفير أموال لخزينة الدولة ويصب في مصلحة المواطن من خلال تقديم انسب الأسعار مقابل الخدمات المقدمة له”.
وتختتم البجاري قولها بأن “حكومة محمد شياع السوداني، جادة بحسم مسألة تشكيل شركة وطنية للاتصالات وعدم جعل هذا الملف حديثا إعلاميا فقط، كالحكومات السابقة، خصوصاً أن السوداني طرح هذا الملف في بداية عمله، وهذا يدل انه لديه العزم على تشكيل هذه الشركة بشكل حقيقي”.
وتعد خدمات الاتصالات والإنترنت في العراق من الأسوأ في بلدان المنطقة والأعلى تكلفة أيضا، فبطاقات التعبئة أسعارها مرتفعة مقارنة بالخدمات المقدمة، إذ أن البطاقة الواحدة تستخدم لإجراء المكالمات الهاتفية والرسائل النصية وتبلغ أقل قيمة لها 5 دولارات، وتحتسب المكالمة فيها بالدقائق وليس بالثواني.
كما يعاني المواطن من ضعف جودة الاتصالات داخل المدن، بالإضافة إلى عدم وصول أغلب الرسائل النصية، ما يحتم عليه تكرار إرسالها ودفع أجرة جديدة لقاء ذلك.
بدوره، يتحدث الخبير في مجال الاتصالات والمعلومات التقنية عمار داود العيثاوي لـ”العالم الجديد”، عن أن “أبرز المعوقات التي تؤخر وتمنع تشكيل شركة وطنية للاتصالات هي قلة الخبرة العلمية والإدارية، بالإضافة إلى الفساد المالي والإداري”.
ويبين العيثاوي، أن “وزارة الاتصالات حالياً ورغم امتلاكها جيشا من المهندسين والموظفين، لكنهم مركونون، لأنها تستعين بخصوص المشاريع التابعة لها بشركات من القطاع الخاص، كون بعض مسؤوليها في الوزارة يمتلكون نسبا من تلك المشاريع، ما سبب إهمالا للكوادر العلمية وعدم تطور عناصرها في مجال عملهم الفني أو التقني”.
ويؤكد أن “تشكيل شركة وطنية للاتصالات خطوة مهمة، إذا ما أديرت بالشكل الصحيح، فهذه الشركة يمكن أن تحقق أرباحا هائلة جداً للدولة، خصوصاً إذا تم إنشاء الشركة بعيدا عن الطرق التقليدية، بحيث تكون فيها أسهم للمواطنين، أي تكون بنسبة 51 بالمئة من ملكية الشركة للدولة و49 بالمئة تكون على شكل أسهم وتباع من خلال البورصة”.
ويفيد الخبير في مجال الاتصالات والمعلومات التقنية، بأن “هناك صراعا بين الجهات المختصة حول عمل شركات الاتصالات في العراق، فشركة (سي أم سي) التابعة لهيئة الإعلام والاتصالات هي المسؤولة عن إعطاء التراخيص، ووزارة الاتصالات هي المسؤولة عن البنى التحتية، والصراع بين هذه الجهات سوف يشتد مع وجود مردودات مالية”.
ومؤخرا ألغى مجلس الوزراء، الضريبة المفروضة على بطاقات التعبئة البالغة 20 بالمئة، وجرى تنفيذ القرار في الأول من شهر كانون الأول ديسمبر الحالي.