احتل العراق مرتبة متقدمة على قائمة الدول الأكثر فسادا في الكرة الأرضية حتى كأن الناس في الآية القرآنية القائلة \”ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس\” يقصد بهم العراقيون لكثرة انتشار الفساد المالي والإداري في العراق، ولأن العراقيين وحدهم من يتحمل مسؤولية إدارة بلادهم، فهم الذين يقررون النظام الانتخابي، وهم الذين يختارون أعضاء البرلمان، فإن اختاروا السيئين ساءت دولتهم، وإن اختاروا الصالحين صلحت تبعا لذلك أحوال البلاد والعباد.
معادلة الإصلاح البسيطة هذه تبدو أكثر تعقيدا في العراق من غيره من البلدان، لأن طبيعة العقلية العراقية المبنية على النزعة الفردية والمرتابة من الكيان الجمعي، تصنع باستمرار بيئة التفرد المفضي إلى الاستبداد (طبائع الاستبداد ـ للكواكبي) وما إن يصل الفرد العراقي إلى قيادة الفريق يعمل أفراد فريقه وبشكل مذهل على توحيده (جعله أحدا) وقطعه عن بيئة الجماعة بدلا من صهر محتويات الأفراد في كيان حي يتبادل الخلايا الحية للتعاون والانسجام والانتاج الجمعي.
يمكن القول إن قدرة العراقيين على تمييز (المسؤول) بمجرد وصوله إلى سدة المسؤولية، تتجاوز قدراتهم على صنع البيئة المشتركة الكفيلة بإطلاع المسؤول على قدرات فريقه المختلفة التي يغني تنوعها بيئة العمل، وعلى إطلاع فريق العمل على خطط قائد الفريق المفضية للنجاح، ذاك أن العراقيين بشكل عام يشغلون أنفسهم ويجهدونها لإرضاء المسؤول بدلا من أرضاء نظام المؤسسة، والسبب واضح إذ ليس هناك نظم واضحة (Policies) للمؤسسات، يعرف فيها الموظف حقوقه وواجباته وما يتعين عليه فعله في الظرف الزماني والمكاني والعملي، بينما يعرف الموظف أن تملقه لهذا المدير أو المسؤول سيضمن بقاءه في المؤسسة، وأن سخط السيد المدير على أحد الموظفين أو الموظفات سيودي بهم إلى جهنم وبئس المصير.
لا عجب إذاً من سعي العراقيين إلى إرضاء أفراد معدودين في هذا الحزب أو في تلك المؤسسة التي ينضوون تحتها، لأن قانونا واضحا لم يتم إقراره بعد للأحزاب، ولا للمؤسسات، فخرق الموظف لسياسة المؤسسة لن يترتب عليه شيء أبدا، لأن معيار النجاح إرضاء رأس المؤسسة لا إرضاء سياسة المؤسسة.
ثقافة (النظام) والحدود في البيئة المتخلفة (الأعرابية) ثقافة منبوذة (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم قوم يتطهرون) لأن الأعراب (المجتمع اللامدني) أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، والعراقيون اليوم ينفرون من البيئة المدنية المبنية على الحدود والقوانين، وكأن الرغبة في الفلتان والتفلت من القوانين ولا سيما في مؤسسات الدولة هي الرغبة الأكثر طغيانا بين العراقيين.
لأجل هذا على العراقيين أن يدركوا أن تمجيد قائد الفريق (Team Leader) هي التي صنعت من صدام حسين ديكتاتورا، وهي التي صنعت خلال العشرة سنوات الماضية آلاف النماذج المشوهة لصدام، في الأحزاب وفي مؤسسات الدولة بل في المؤسسات المدنية إن وجدت هذه المؤسسات بشكلها النموذجي.
كم هي جميلة تلك الحكمة الإنكليزية القائلة \”ليس هناك (i) في (Teamwork) وتعني إشارتها أن حرف (i) ويعني (الأنا) ليست موجودة في العمل الجماعي.