مع إعلان وزارة العدل إطلاق سراح أكثر من 23 ألف معتقل بموجب قانون العفو العام، تزايدت التساؤلات بشأن تفاوت وتيرة تنفيذ القرار، وسط شكاوى تتكرر من داخل السجون حول تعقيدات إدارية وتأخير في استكمال المعاملات، غير أن السلطات الرسمية، في مقابل ذلك، أكدت أن العمل يسير وفق ما نص عليه القانون، وأن القضاء يتعامل مع كل ملف على حدة، وفق ضوابط دقيقة لا يمكن تجاوزها، خاصة في ظل كثافة الطلبات والتدقيق المطلوب في كل حالة.
وأعلنت وزارة العدل، مؤخرا، إطلاق سراح 3441 نزيلا من مختلف السجون الإصلاحية في البلاد، منذ بداية أيار مايو الحالي، ليكون المجمع الكلي منذ بدء تنفيذ القانون 23 ألفا و220 معتقلا، ضمن تطبيق قانون العفو العام، مؤكدة أن العملية جرت بالتنسيق مع الجهات القضائية المختصة.
وحول هذا الأمر، يقول النائب عبدالكريم عبطان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عددا من طلبات الشمول بالعفو العام، رفضت من قبل اللجان المختصة، خصوصا تلك المرتبطة بقضايا المخبر السري، والمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب”.
ويضيف عبطان، أنه “تقدمت بطلب رسمي لرئيس مجلس القضاء الأعلى بضرورة تسلم المحاكم لهذه الطلبات، والبدء بإجراءات الفحص والتدقيق، تمهيدا لإعادة المحاكمة وإصدار الأحكام المناسبة لاحقا”، مبينا أن “مديرية شؤون العشائر في وزارة الداخلية، تفرض إجراءات روتينية وإضافية تتعلق بتوقيع المضبطة العشائرية الخاصة بالتنازل، من بينها اشتراط حضور المدعي بالحق الشخصي، ما ساهم في تعقيد مسار المعاملات وإبطاء تنفيذ القانون”.
وكانت مصادر مطلعة، كشفت الشهر الحالي، أن هناك تعاملا انتقائيا مع تطبيق قانون العفو العام، وذلك من خلال تغليب الاعتبارات السياسية والطائفية، على معايير العدالة والمساواة أمام القانون، وأن الكثير من المحكومين في قضايا جنائية، مثل الفساد المالي والمخدرات، المشاجرات وجرائم القتل والثأر العشائرية، تم إخراجهم بعد تنازل المشتكي أو تسوية أوضاعهم بدفع الأموال أو عبر تدخلات عشائرية وسياسية.
وبحسب المصادر، فإن مجرد رفع ملف المحكوم إلى القضاء وصل إلى 200 ألف دولار، وأن السجون تحولت إلى ميدان لتصفية الحسابات، فيما لا يزال الآلاف من السجناء الذين أدينوا وفق مبدأ المخبر السري قابعين في زنازينهم.
ويشترط قانون العفو العام، إلى جانب التعليمات الصادرة لتنفيذه، وجود مضبطة عشائرية رسمية، موقعة من شيوخ عشائر معترف بهم ومسجلين لدى وزارة الداخلية، تتضمن إثبات دفع الدية من قبل الجاني، وتوثيق تنازل ذوي المجنى عليه عن حقهم الشخصي، وتعد هذه المضبطة وثيقة أساسية تعتمدها المحاكم للنظر في طلبات الشمول بالعفو، خاصة في الجرائم التي تتطلب تسوية اجتماعية إلى جانب الإجراءات القضائية.
وكان مدير مديرية شؤون العشائر في وزارة الداخلية، اللواء سلمان الحسناوي، أكد في تصريح صحفي، أن اعتماد المضبطة العشائرية في ملفات العفو العام يخضع لضوابط محددة، أُقرت بموجب لجنة رسمية شكلها الوزير، وتشمل ثلاثة شروط أساسية، وهي توقيع شيخي الطرفين (الجاني والمجنى عليه) على المضبطة، والأمر الثاني وجود خمسة شهود، اثنان منهم مثبتون رسميا في سجلات وزارة الداخلية، وثلاثة معروفون في الوسط العشائري، والأمر الثالث هو التأكد من أن ذوي المجنى عليه قد استلموا الفصل العشائري (الدية) بالكامل.
ويبلغ عدد السجون في عموم العراق 30 سجنا تابعا لوزارة العدل، وتضم قرابة 60 ألف نزيل بين محكومين وموقوفين على خلفية جرائم جنائية أو إرهابية، ويضم هذا العدد نحو 1500 امرأة، إلى جانب 1500 سجين من الجنسيات العربية، كما يضاف إلى هذه السجون سجن اتحادي آخر يقع في محافظة السليمانية، ويعرف باسم “سجن سوسة”، ويخضع لإدارة وزارة العدل الاتحادية رغم موقعه داخل إقليم كردستان.
من جانبه، يوضح النائب محمد الزيادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بعض المتقدمين بطلبات الشمول بالعفو العام يعتقدون أن استبعادهم يعود إلى شبهات أو تقديرات شخصية، ما يدفعهم إلى تقديم اعتراضات أو مقترحات، إلا أن الواقع هو أن القضاء يتعامل مع نصوص قانونية واضحة لا تحتمل الاجتهاد”.
ويتابع الزيادي، أن “الطلبات الخاصة بإعادة النظر في القضايا تعالج وفق الإجراءات القانونية المنصوص عليها، ولا يملك القضاء صلاحية تجاوز ما شرع من قبل مجلس النواب”، مؤكدا أن السلطة القضائية “ملتزمة بتطبيق القوانين الصادرة والمنشورة في الجريدة الرسمية، وعلى رأسها قانون العفو العام”.
ويشدد على أن “ما تقوم به المحاكم حاليا هو جهد إجرائي وقانوني دقيق، يتعامل مع أعداد كبيرة من الطلبات ولا يمكن حسمها دفعة واحدة”، مشيرا إلى أن “لا أحد فوق القانون، وجميع المؤسسات ملزمة بما يقرره مجلس النواب، بما في ذلك السلطة القضائية”.
ويبدو أن تطبيق قانون العفو العام يواجه مشكلات إجرائية وتعقيدات في بعض المفاصل المعنية، وهو ما دفع مجلس النواب إلى التحرك لمعرفة الخلل ومتابعة آليات التنفيذ، وفي هذا الإطار، كان رئيس البرلمان محمود المشهداني، قد أعلن مؤخرا، تشكيل لجنة نيابية خاصة برئاسته لمتابعة إجراءات تنفيذ القانون.
وبدأت المحاكم العراقية منذ شباط فبراير الماضي، بتنفيذ قانون العفو العام في مختلف المحافظات، من خلال استقبال طلبات إعادة المحاكمة أو الشمول بالعفو وفق الضوابط القانونية، فيما قالت مصادر نيابية إن القانون من المتوقع أن يشمل نحو 57 ألف معتقل، من المتهمين بقضايا جنائية أو مشمولة بنصوص العفو.
إلى ذلك، يبين الخبير القانوني وليد الشبيبي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القضاء العراقي يتمتع بالسلطة الحصرية في النظر بطلبات الشمول بقانون العفو العام، وهو الجهة الوحيدة المخولة بقبول تلك الطلبات أو ردها، استنادا إلى النصوص القانونية النافذة، وأي قرار يصدر بهذا الشأن يبنى على تقييم قضائي مستقل لا يخضع للتأثيرات الخارجية”.
ويشير الشبيبي، إلى أن “التعديل الأخير لقانون العفو العام وضع مسارا قانونيا واضحا للاستفادة من أحكامه، سواء خلال مرحلة التحقيق أو أثناء المحاكمة، حيث تقدم الطلبات عبر محكمة الموضوع أو الاستئناف بحسب موقع الدعوى، وهو مسار يضمن الانضباط القانوني ويمنع أي اجتهاد خارج النص”.
وأطلق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، في 14 شباط فبراير الماضي، تنبيها بشأن المشمولين بقانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب مؤخرا، محذرا من احتمالية عودة بعض المفرج عنهم إلى الإجرام، أو عدم الانسجام الطبيعي مع المجتمع، إذا لم يتم تطبيق برامج معينة لهم قبل إطلاق سراحهم.