حتى الأمطار الغزيرة التي هطلت هذا العام، لم تستطع أن تكبح موسم الجفاف الذي يمر به العراق، فبعد أن حبس الماء عن الأهوار والأنهار، جاء ليكتم الأنفاس على شلالات الموصل هذه المرة.
قطراتٌ أخيرة تسقط من شلالات الموصل كأنها دموع تبكي أم الربيعين التي اشتهرت بهذه الشلالات كمعالم سياحية أثيرة مع غاباتها وطقسها الربيعي وسهلها الأخضر.
“كانت من أجمل المدن السياحية في العراق حتى عام 2003 وكان الدخول إليها عبر بوابتين وبتذاكر رسمية وتشرف عليها بلدية الموصل وسياحة نينوى”، هكذا تستذكر الحاجة أم عبد الله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، العصر الجميل الذي عاشته منطقة الشلالات.
وتضيف أم عبد الله “كانت هذه المنطقة تمتاز بجمال طبيعتها خاصة في موسم الربيع ومعظم أهالي الموصل القدماء، لهم ذكريات جميلة فيها، فالغالبية يصطحبون مواكب الزفاف الخاصة بهم لزيارتها والوقف لأداء بعض الدبكات العربية والكردية”.
وتُغذّى شلالات الموصل بالمياه من منطقة القائم ضمن قضاء الشيخان، وبعد شحة الإطلاقات من الجارة تركيا وشحة مواسم الأمطار في الأعوام المضية، صنع إقليم كردستان بعض السدود الصغيرة للاستفادة من مياه هذه الروافد في الزراعة، ما تسبب بشحة الماء الواصل لشلالات الموصل، بحسب الخبير في الموارد المائية إياد محمد.
كخطة لإنقاذها، يقول محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “بالإمكان حفر آبار ارتوازية قرب الشلالات وتدوير المياه المتدفقة منها لتقويتها، من أجل زيادة جذب السياح إليها لاسيما أن المنطقة تمتاز بطبيعة خلابة ومناطق زراعية منبسطة وتربة غنية”.
يشار إلى أن حكومة إقليم كردستان، أنجزت سد “خنس” بمنطقة شيخان شرقي دهوك بكلفة مالية بلغت أكثر من تسعة مليارات دينار، وجرى الإعلان عنه في كانون الأول ديسمبر 2022، وتوقع الإقليم أن يكون السد مملتئ بالمياه في جميع المواسم.
إلى ذلك، يبين مدير الموارد المائية في نينوى قصي محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “شلالات الموصل، تعرضت إلى مشاكل عديدة، أبرزها إقامة إقليم كردستان سد خنس، على نهر الكومل وبطاقة خزن 7 ملايين متر مكعب، وهذا النهر هو المغذي الأول للشلالات، فمن خلاله تصل المياه لنهر الخوصر ومنها للشلالات، وهذا يضاف إلى قلة ذوبان الثلوج والأمطار”.
ويتابع محمد، أن “الشلالات مقامة على نهر الخوصر، الذي يتغذى من نهر الكومل والوديان القادمة من الشيخان وتلكيف والمناطق القريبة، لكن 80 بالمئة تأتي مياهه من قضاء تلكيف”.
ويسرد مدير الموارد المائية، قصة نهر الخوصر التاريخية: “حسب التاريخ، فأن الملك سنحاريب (ملك آشوري/ 722 سنة قبل الميلاد)، وسبب الجفاف في عصره، توجه شمالا وصول إلى منطقة خنس الحالية، وحفر ساقية سميت عمودية (وهو اسم قرية حاليا في المحافظة)، وحول جزء من مياه الكومل لوادي خوصر، ورفع بهذا مستوى المياه كما ساهم بتغذية المناطق القريبة منه، والمياه الفائضة من هذه المنطقة كانت تصب باتجاه نهر خوصر”.
ويستطرد أن “المناطق التي تقع فوق الشلالات، ما يعني قبلها، تبلغ مساحتها 350 كيلومتر، وكل المياه الفائضة منها تصب بوادي خوصر ومناه للشلالات”، مبينا أن “الشلالات انشأت في ثمانينيات القرن الماضي، وباتت منظرا طبيعيا وسياحيا، فضلا عن كونها تعمل على حصر المياه في حينها”.
ومنذ أكثر من عام، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
من جهته، يؤكد الخبير في الشؤون السياحية بهنام الموصلي، وهو مدير سياحة نينوى الأسبق، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المدينة السياحية في شلالات الموصل كانت من المعالم الجميلة في المحافظة وكانت تابعة لمديرية سياحة نينوى، ويديرها فريق من مختص من هيئة السياحة وهي معلم سياحي مهم وجميل يرتاده المصطافون من جميع محافظات العراق، بالإضافة إلى عدد كبير من السياح الأجانب والعرب”.
ويتذكر الحاج رحاب عبد الغني، بينما يطالع مجرى مائيا صغيرا أسفل الشلال، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه حضر أعمالا فنية وتصوير أفلام ومسلسلات بمنطقة شلالات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتقى بعض الفنانين المصريين والعرب مثل رشوان توفيق.
وبحسب الحاج عبد الغني “منطقة الشلالات سكنها مجموعة من الإخوان الشبك من جهة تلكيف، وسكنها التركمان في القرى من جهة طريق الشيخان، لافتا إلى أنه “بعد عام 2003 سكن بالقرب منها بعض المرحلين العرب من قضاء الشيخان”.
ويضيف أن “المنطقة تحتوي شلالا بعرض 150 مترا تتدفق منه المياه، وبعده بما يقرب من 400 متر أنشئ الجسر الحجري ثم بنيت كازينو سياحي تلاها بناء نادي الفروسية الذي مازال يتضمن مهرجانات موسمية ويرتاده عدد كبير من الناس”.
وجاءت أزمة الجفاف، نتيجة لقطع تركيا حصة العراق المائية، عبر استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
بدوره، يرى الكاتب والصحفي نصار النعيمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “منطقة شلالات الموصل السياحية تحتاج إلى إعادة إعمار من قبل وزارة الإعمار والإسكان وهيئة السياحة وبالإمكان إحالتها إلى مستثمر حقيقي يعيد مدينتها السياحية ويستثمر كل إرضها”.
ويضيف النعيمي: “قبل هذا وذاك، تحتاج إلى تفاهمات وتسهيل لدخول السياح إليها من قبل القوات الأمنية والجهة الماسكة للأرض، لأنها معلم سياحي جميل وحضاري وتاريخي له في نفوس جميع العراقيين والموصليين مكانة مهمة ينبغي أن تعود إلى سابق عهدها”.
وكانت بحيرة ساوة في محافظة المثنى، من أبرز شواهد الجفاف، حيث جفت بالكامل قبل أشهر عدة، الأمر الذي أثار فزع الرأي العام في العراق، وأكد مدير بيئة المحافظة مثنى سوادي في حينها أن هناك 3 عوامل رئيسة وراء الجفاف الذي أصاب البحيرة، منها التغير المناخي الذي أصاب العالم، والعراق من أكثر البلدان تأثرا به، وتغير الصفائح الزلزالية التي غيرت المجرى الطبيعي لها تحت الأرض، فضلا عن قيام العشرات من الفلاحين وأصحاب المصانع والمعامل بإنشاء الآبار الارتوازية التي أسرفت في استخدام المياه الجوفية، ما أسهم في انخفاض الكميات الواصلة إليها بشكل كبير جدا.