الكتاب الشعري الجديد للشاعر والروائي سليم بركات الذي صدر عن دار المدى العراقية. نصٌ شعري طويل كعادة سليم بركات في أعماله الشعرية منذُ صرخته الأولى في عالمه الشعري، ومُذ سلَّمَ مقاليدَ يقينه إلى الكلمات.
في \”شمال القلوب أو غربها (عشاق لم يحسموا أمرهم) لا وصف لأحوالٍ في الحب والهوى والغرام والشغف في هذا الكتاب \”المُخادِع\” وغير \”المُخادع\” بموضوعه. لا وصف لعشق أو لوعة، ولا تلاعب بكلمات المحبِّين في التعبير عن محنة أو إغواء أو وصْل أو صَرْم، أو مكائد \”العُزَّال\”، بل هو كتابٌ قصيدة عن العشاق بطبائع متخيَّلة، وطبائع محتملة، وطبائع إفتراضية. عشاق بحبٍّ مؤجل، وقلوب مؤجلة في \”اللعبة\” الشعرية، مع خطط كثيرة للإيقاع بهم في مفاجآت قلوبهم: لكل عاشق عشرة قلوب. تسعة مفقودة إذا عثر عليها حسمَ أمرَه عاشقاً.
قصيدة طويلة (137 صفحة) في كتابٍ \”محيِّر\” يلقي بقارئه كإلقائه بعشاقه في الحيرة، مع رضى عنهم: \”ماأحسنهم\”.
هم عشَّاق مذهلون، حائرون ومحيِّرون كالقصيدة ذاتها: \”عثروا على الحبِّ قبل العثور على قلوبهم\”، فخورون بكل شيء: بالمقايضات التي لا تنتهي، بالخيانات، بيقينهم الهاذي، باتجاهات أرواحهم، بالقطن قَلِقاً، بتجريد الليل، بالسُّحب النَّحَّاتة، بالوجدان الكلبي، بالقوارب ذات المجاذيف القمرية، بالمغيب لا يُدْحَض، بنوافير الأفلاك، بكساد الموت، بعَدِّ أنفاس الكلمات حتى المائة، باستعادة الموتى عشاقاً، بتهذيب الشفرات، بأساطير الندى. فخورون بأنهم لم يحسموا أمرهم، لهذا يردِّد الكتاب، في كل فقراته، كلمة \”ماأحسنهم\”.
هنا صفحات من أجواء هذا الديوان الجميل.
ماأَحْسَنَهم:
قلوبُهم الأقسى ـ القلوبُ العاشقةُ.
يقينُهم الأقسى ـ اليقينُ العاشق.
ماأحسَنَهم:
مذهولون عثروا على الحبِّ قبل العثور على قلوبهم. ضامرون حبًّا.
مفتونون حبًّا.
منكسرون حبًّا.
مسلوخون حبًّا.
مضطربون حبًّا.
مذعورون حبًّا.
متبلبلون حبًّا.
يائسون حبًّا.
صاعدون حبًّا.
هابطون حبًّا.
دائخون حبًّا.
نازحون حبًّا.
حفاةٌ حبًّا.
همُ البدايةُ مدهشةً مُذْ لانهايةَ مدهشةً، وهُمْ أهواءُ الومضة في خيال الكرز، وحظوظٌ لايثق بسَعْدِها التفاحُ بلِ التوت.
ذواتُهم الأباريقُ.
ذواتُهم الأقداحُ.
ذواتُهم الموائدُ منقلبةً بعد شِجارٍ بسكاكين الآلهة وسكاكين عشيقاتهم. ولَهُم أشعارٌ مُثْبتَةٌ نظْماً كالجوعِ. قلوبُهم تنتحل قلوباً أُخرَ ـ قلوبُهم التسعةُ المفقودةُ والعاشرُ الذي في اللذائذِ تنتحلُها اللذائذُ. مُرْغَمون، بالخوف من قلوبهم المفقودة، أن يحبُّوا على عَجَلٍ، ويخونوا على عجلٍ، ويُخانوا بأناةٍ كالنقش
طويلاً
على
الأَعمار.
عشَّاقٌ مؤجَّلون، استُدْرِكَتْ قلوبُهم فأعيدوا إلى المكان الخطأِ عاشقيْنَ قبل الأوانِ، خدعتُهمُ الجهاتُ اليسرى من قلوبهم؛ خدعوا قلوبَهم بجراح المائيِّيْنَ، ويزعمون أنْ لم يحبُّوا بعدُ؛ لم يجدوا نساءً يحبونهنَّ، لكنهم في حبٍّ حَمْداً للاَّحَمْدِ، عشاقٌ مؤجَّلون، قلوبُهمُ القلوبُ الأقسى، ويقينُهم اليقينُ الأقسى، وهواهُمُ الجزَّارُ متَّئدٌ، حَذِرٌ في البَتْرِ، يستوفي العقلَ بلا قَشْرٍ، والعظْمَ بلا كسرٍ، والجِلدَ سلْخاً بلا شَخْطٍ أو خَدْشٍ. وهمو العاشقون ينتظرون أعيانَهم ظهوراً في الوقتِ. لم يظهروا بعدُ عياناً. لم تكتمل قلوبهم. يَعِدون صدورَهم ببزوغ القلوب فيها. قلوبٌ تلقينٌ من أثر الأسفار على الأجساد. قلوبٌ بملاقطَ من ريحٍ؛ أجزاءٌ من غنائم القرون والأنصاب المفقودةِ الأنصافِ العُليا. بَدْءاً؛ هُمْ بَدْءاً كفَّروا العاشقينَ؛ أباحوا نَهْبَهم؛ أباحوهم للحبِّ الأقسى. جرَّدوهم من ألقاب الثأرِ العاشقِ، وأوسمة العفو العاشقِ. مَثَّلُوا بقلوبهم سَلْخاً. قلَّعوها. أورثوهم قمصانَهم، وأوْرَثوهم الشهقةَ الثالثةَ في بزرة الدُّراق، والكونَ القيدَ في معصم العاشقةِ. لامتناهياتٍ رثَّةً أورثوها؛ لامتناهياتٍ كأحذية الشحاذين، باكيةً على أكتاف لامتناهياتٍ أخرياتٍ. أورثوهم حُبًّا قسَّمَ المعاني ضروراتٍ كالأخماس، وأنْهَكَ القلوبَ بِعَدِّ السُّحبِ في الأبدية.
ماكرون هُمْ أولاءِ المنتظرون ظهورَهم في الزمن، كلٌّ بقلوبه العشرةِ ـ القلوبِ التلقين من أثر الأسفار على الأجساد.
ماكرون أولاءِ المنتظرون عودةً إلى المكان ذاته جاءوا منه بلا ذاكرةٍ؛
إلى المكان الذي لم يمنح أجسادَهم ذاكرةً؛
لم يمنحِ اللذائذَ فيهم ذاكرةً. إلى المكان، الذي لاذاكرةَ لهُ،
ولاذاكرةَ لأحدٍ فيه.
هُمْ كانوا هناك،
قَبْل أن يُذيقهم زعمُهمُ العاشقُ أنَّهم عاشقونَ بلا حبٍّ؛
خرائدُ في العشقِ بلا حبٍّ.
يَكْبُرون عاشقيْنَ بأخطائهمِ العاشقةِ.
عاشقون يـأكلون العاشقين في منعطف الكلماتِ العذبة،
وتختلس قلوبُهم جهاتِها اليسرى من جهاتها اليمنى ـ القلوبُ الضيقةُ النوافذ، المهشَّمةُ الأبواب؛ القلوبُ الآلهةُ في الزفير، والأبالسةُ في الشهيق، ذواتُ الأرقام التي لا تتَّسع لخيالِ الأرقام.