لا أحد يستطيع أن ينكر أو يتجاهل ما طرأ من تغير جوهري في الموقف السعودي الرسمي بخصوص التنظيمات والجماعات الاسلاموية المتشددة والمتطرفة، فقد بدا واضحا أننا أمام تحول نوعي، وإن كان متأخرا، في مسار علاقاتها مع هذه التنظيمات التي لم يكن بالإمكان أن تولد وترى النور وتتسع إلى هذا الحجم الذي باتت تهدد فيه أمن العالم بأسره، لولا أشكالا متنوعة من الدعم والرعاية كانت تأتيها من الأراضي السعودية سواء من الحكومة نفسها أو من جمعيات ومنظمات اجتماعية إسلامية عاملة على أراضيها. إلا أن العالم وجد نفسه أمام انعطافة حادة في الموقف الرسمي السعودي، انتقلت المملكة بموجبه من اليمن إلى اليسار، من موقف المتهم المتورط والشريك في الإرهاب إلى موقف آخر يشبه من يسعى جاهدا بكل ما لديه من إرادة وتصميم لكي يبعد عنه الشبهة فيغسل يديه من دماء ضحايا أبرياء، قتلوا هنا وهناك.
من الواضح أن موقف المملكة هذا تطمح من خلاله إلى أن تتبرأ من ماضٍ أسود ما عاد العالم قادرا على احتماله أو السكوت عليه، خاصة بعد أن تمكنت قوى الإرهاب من الوصول إلى ما لم تكن تتوقعه ولم تحسب له أي حساب معظم الحكومات والأجهزة الاستخبارية الغربية وذلك عندما تمكنت من التأثير في عديد من الشباب الغربي في أوربا وأميركا فنجحت بغسل أدمغتهم من كل العلوم والمعارف وقيم الثقافة الإنسانية التي كانوا قد تلقوها في مجتمعاتهم المتحضرة، ونجحت في أن تلوث عقولهم وضمائرهم بأفكار متطرفة جعلتهم يستبدلون طبيعتهم الإنسانية، وكأن حالة من الغيبوبة باتت تسكنهم ليغادروا بفعلها ما كانوا عليه من بحبوحة العيش وما كانوا ينعمون به من أمن ورفاهية تحسدهم عليها كل الشعوب العربية الإسلامية، وليندفعوا إلى الصحارى والجبال، يعيشون فيها أقسى الظروف والأحوال ليتدربوا على أغرب وأشنع أساليب القتل والانتحار، وهم على شبه قناعة بأن ذلك هو الجهاد بعينه كما فرضه الله على المسلمين!
السعودية بهذه الصحوة التي كان لابد منها، كأنها تريد أن تتبرأ من شبهة مساندة قوى الإرهاب التي ظلت لصيقة بها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي عندما أسهمت في تكوين ودعم تنظيم القاعدة في أفغانستان بدواعي مواجهة الحكم الشيوعي بزعامة بابراك كارمال المدعوم عسكريا من الاتحاد السوفيتي آنذاك. وبعد مضي أكثر من ربع قرن على تلك العلاقة التي ارتبطت بها مع التنظيمات السلفية الإرهابية نقف اليوم أمام لحظة مفارقة من عمر هذه العلاقة، اختارت فيها قيادة المملكة أن تكون بمستوى حجمها وأهميتها في العالم الإسلامي، اختارت أن تكون مع المجتمع الدولي في حربه ضد هذه التنظيمات. هي لحظة تاريخية أدركت فيها خطأ وخطيئة دعمها للجماعات والتنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة، طيلة السنين الماضية، لتبدأ اليوم مرحلة جديدة في منظومة علاقاتها، قائمة على الاصطفاف مع كل القوى – دول، ومنظمات، وهيئات دولية – تلك التي تحارب المنظمات الإرهابية الاسلاموية، مثل داعش والقاعدة والنصرة وغيرها، وتضع لأجل نجاح هذه المعركة ميزانية ضخمة تصل إلى ٥٠٠ مليار دولار. هذا اضافة إلى خدمات أخرى لوجستية داخل أراضيها للقوات الأجنبية المشاركة، إضافة إلى ما كانت قد اتخذته من قرارات قبل عام من الآن، بموجبها تم تجريم أي مواطن سعودي يدعم أو يشارك بأي عمل إرهابي خارج الأراضي السعودية.
إزاء هذا التطور الكبير في الموقف الرسمي السعودي ينبغي على الحكومات العربية التي كانت علاقاتها لا تتسم بالود مع المملكة بقدر ما كانت تتسم بالعداء، مثل العراق، أن تأخذ هذا التحول على محمل من الأهمية والجد، وأن تتفاعل معه إيجابيا بالقدر الذي يحقق ما يصبو إليه العراق من أهداف إستراتيجية تتعلق بأمنه واستقراره، ولن يكون خاسرا فيما لو ذهب في هذا المسار الذي يحظى بدعم المجتمع الدولي، بقدر ما سيكسب جوارا ومحيطا عربيا مساندا له ولنظامه الجديد.
* مروان ياسين الدليمي: كاتب عراقي