في مقال نقدي جريء ترجمته “العالم الجديد”، أطلق منتج البرامج والناقد المتخصص بالموسيقى الإيرانية التقليدية عليرضا أميني، في مقال نشرته صحيفة اعتماد الإصلاحية، دعوة ملحّة لإعادة إحياء ما أسماه بـ”التيار الطبيعي للموسيقى الإيرانية”، محذرًا من أن إقصاء صوت المرأة من الساحة الموسيقية الرسمية خلال العقود الأربعة الأخيرة شكّل كارثة فنية وثقافية تركت آثارًا عميقة على بنية الطرب الإيراني وأجيال المغنين الجدد.
نساء غيّرن ملامح الصوت الإيراني
استهل أميني مقاله باستحضار العصر الذهبي لتسجيلات الأسطوانات، حين تألقت أسماء نسائية مثل قمر الملوك وزيري وملوك ضرابي وروحانگيز. هؤلاء المطربات لم يكتفين بالغناء، بل كنّ مرجعًا ومصدر إلهام للمغنين الرجال، الذين سعوا جاهدين لمضاهاة رقة أدائهن وعمق إحساسهن.
ويضيف: “في الجيل التالي، ظهرت مطربات مثل دلکش وواصلن هذا النهج باحتراف لا يُضاهى. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الأصوات علامة فارقة يصعب تكرارها”.
إقصاء الصوت النسائي: سياسة صامتة وخسارة صاخبة
يرى أميني أن تغييب الصوت النسائي من المنصات الرسمية لم يكن له ما يبرره منطقيًا أو فنيًا، مؤكدًا أن الصوت هو في جوهره عنصر سمعي لا بصري، مستنكرًا أن تكون سياسات ثقافية متناقضة قد أدت إلى كبت هذا المكوّن الجوهري من الهوية الموسيقية الإيرانية.
واعتبر أن هذا التهميش، سواء أكان نابعًا من اعتبارات فقهية أو ثقافية، ألحق أضرارًا لا تُعوّض بمسار التكوين الفني في البلاد.
الأثر الفني: أصوات “باردة” بلا دفء ولا سحر
يشير أميني إلى أن الأصوات المعاصرة، رغم خضوعها لتدريب أكاديمي، تفتقد للحيوية والإحساس. ويفسّر ذلك بغياب النموذج النسائي من الساحة الرسمية، ما حرم الجيل الجديد من مصدر تعبيري غني، كان يُعرف قديمًا بـ”الفم الدافئ” في وصف الأصوات الجذابة.
وعند مقارنة الأعمال الحديثة بإعادة أداء أغنيات قديمة من خمسينات القرن الماضي، يلاحظ الناقد أن النجاح غالبًا ما يكون أوضح عند العودة إلى إرث الأغاني النسائية، كما حدث مع ألبوم “یاد استاد” للمطرب عليرضا افتخاري، المستند إلى ألحانٍ كُتبت أصلاً لمطربات نساء.
الأثر الاجتماعي: فقدان المرجعية للأطفال الموهوبين
لم تقتصر آثار التهميش على الفنانين فحسب، بل امتدت إلى المجتمع بأسره، بحسب أميني. ففي غياب الأصوات النسائية من الساحة الرسمية، يفقد الأطفال الموهوبون، خصوصًا الفتيات، نماذج فنية يحتذون بها، ما يُضعف إمكانية تنمية المواهب بشكل سليم.
المقارنة مع العالم: حضور نسائي في الشرق والغرب
يُقارن الكاتب الوضع في إيران مع الثقافات الأخرى، لافتًا إلى أن الصوت النسائي يحتل مكانة مقدّسة في المعابد البوذية والكنائس الغربية، بل ويؤدي دورًا محوريًا في الطقوس الدينية والمجتمعية.
ويأسف لأن الموسيقى الشعبية (البوب) وحدها سمحت ببعض الظهور النسائي عبر الباك فوكل والكليبات، بينما بقيت الموسيقى الإيرانية التقليدية أسيرة للإقصاء.
نداء للإصلاح: الصوت النسائي ضرورة وليس ترفًا
في ختام مقاله، يدعو عليرضا أميني صناع القرار الثقافي في إيران إلى تصحيح هذا المسار، مؤكدًا أن إحياء حضور الصوت النسائي ليس فقط ضرورة تربوية وتعليمية، بل شرط أساسي للحفاظ على الهوية الموسيقية الوطنية.
ورغم أن الفضاء الرقمي أتاح للنساء فرصًا للتعبير، إلا أن الكاتب يُشدد على أن الاعتراف الرسمي هو الذي يُعيد لهذا الصوت مكانته المستحقة ضمن التيار الطبيعي للموسيقى الإيرانية.
لقراءة المقال باللغة الأصلية انقر هنا