صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

صراع النفوذ يهدد تشكيل حكومة كردستان..رئاستا «الإقليم» و«الوزراء» أبرزها

أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان، ومازال الطريق نحو تشكيل حكومته العاشرة مليئًا بالعقبات، في ظل استمرار التنافس على المناصب الرئيسية وتباين الرؤى بين الحزبين الحاكمين (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني)، رغم الدعوات للجوء إلى المحكمة الاتحادية بسبب تجاوز حكومة تصريف الأعمال المدة القانونية المحددة.

وخلال الشهرين الماضين، عقد الحزبان عدة جولات من المفاوضات انتهت بتشكيل لجنة مشتركة، هدفها صياغة مسودة يتم الاتفاق عليها للبرنامج الحكومي المقبل، وآلية توزيع المناصب التنفيذية لحكومة الإقليم، لكن الاتفاق لم يفض إلى أي نتائج تدفع نحو الإسراع بحسم ملف تشكيل الحكومة، بسبب الصراع حول منصبي رئاسة الإقليم ورئاسة الوزراء.

وفي الانتخابات التي جرت بتاريخ 20 تشرين الأول أكتوبر 2024، حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 39 مقعدًا، بينما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على 23 مقعدًا من أصل 100 مقعدًا في برلمان الإقليم، وبما أن تشكيل الحكومة يتطلب أغلبية 51 مقعدًا، فإن أي حزب لا يستطيع تشكيلها منفردًا، ما يفرض تحالفات سياسية معقدة قد تؤخر تشكيل الحكومة لفترة أطول.

إذ قال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إنه “لغاية الآن لا يوجد اتفاق نهائي على حسم تشكيل حكومة الإقليم، رغم أن الاجتماعات مستمرة ومتواصلة ما بين الحزبين، وخلال الاجتماعات السابقة تم الاتفاق على البرنامج الحكومي وكذلك شكل الحكومة فقط، دون حسم الاتفاق على توزيع المناصب”.
وأضاف أن “الخلاف حالياً على توزيع المناصب وكيف يكون هذا التوزيع، فنحن في الاتحاد الوطني الكردستاني مصرون على الحصول على أحد الرئاسات (رئاسة الإقليم، ورئاسة الوزراء) جزءاً من الاستحقاق الانتخابي، لكن هذا الأمر يرفضه الحزب الديمقراطي، الذي يريد الاستحواذ على الرئاسات ويبقى الوضع على ما هو عليه حالياً دون أي تغيير”.

وأضاف: “عرض على الاتحاد الوطني الكردستاني وزارات ومناصب أخرى في حكومة الإقليم مقابل التنازل عن الحصول على الرئاسات، لكن هذا الأمر رفض، والحوارات مستمرة ومتواصلة، وخلال الأيام القليلة المقبلة سيعقد اجتماع جديد للمكتب السياسي للحزبين وبمشاركة اللجان الفنية التفاوضية، لحسم الملف نهائياً”.
الجدير بالذكر أن الأيام الأخيرة شهدت اجتماعات بين المكتبين السياسيين للبارتي واليكتي لمناقشة تشكيل حكومة إقليم كردستان للدورة الانتخابية السادسة، إلا أنها لم تخرج بأي شيء يذكر حول تسمية المناصب.

وبالعودة إلى سيناريوهات تشكيل الحكومة الكردية الجديدة، حيث فرضت التطورات السياسية الإقليمية والدولية، سواء ما يتعلق بسقوط نظام الأسد وزيادة التمدد التركي، أو تسلّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة، توازناً داخلياً وخارجياً على اللاعبين المؤثرين في الساحة الكرديةـ فمن المرجح بحسب مصادر لـ”العالم الجديد”، أن تدفع تلك المتغيرات قيادة كل من الديمقراطي والوطني الكردستانيين (يمتلكان أكثر من 60 مقعداً) إلى سيناريو ليس جديداً لحسم اتفاقهما حول تقاسم السلطة في بغداد وإقليم كردستان بسلّة واحدة (رئاسة الإقليم مقابل رئاسة الجمهورية)، وهو سياق تاريخي ومتكرر بينهما على مدار العقدين الماضيين.

ويشهد إقليم كردستان أزمة سياسية مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، حيث تعثرت مفاوضات تشكيل الحكومة بين الحزبين الرئيسيين.

وتعود جذور الخلافات إلى تباين الرؤى حول تقاسم السلطة، وصلاحيات المناصب الرئيسية مثل رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان.

برغم عقد عدة اجتماعات بين اللجان التفاوضية للحزبين، إلا أن التقدم لا يزال محدودا، مما يزيد من حالة الجمود السياسي في الإقليم، وسط ترقب داخلي وضغوط خارجية لحلحلة الأزمة.

وطبقاً للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سناً جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.

وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع كانون الأول ديسمبر 2024، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.

وبحسب سياسيين، فإن واقع هذا الصراع بين الحزبين التقليديين “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخيارات المتاحة في تجاوز سقف الشروط المتبادلة، واستقطاب قوى من ساحة المعارضة التي يفرض بعضها شروطاً تعجيزية، وآخر اتخذ قراراً قطعياً بعدم المشاركة في أية حكومة يشكلها الحزبان في ظل عقبات قانونية تفرض سقوفاً زمنية في حال إبقاء جلسة البرلمان مفتوحة لحين إبرام اتفاق سياسي.

ويقف سقف المطالب المرتفع لدى كل منهما عائقاً في طريق تشكيل حكومة شراكة، فكلاهما يخوض سباقاً لاستقطاب باقي القوى الفائزة وفي مقدمهما حراك “الجيل الجديد” ويحوز 15 مقعداً، يليه “الاتحاد الإسلامي” بسبعة مقاعد ثم حزب “الموقف الوطني” بأربعة مقاعد، و”جماعة العدل” بثلاثة مقاعد، ومقعدان لحزب “جبهة الشعب”، ومقعد لكل من حركة “التغيير” و”الحزب الاشتراكي”.

ويشترط حزب بارزاني في تشكيل الحكومة الجديدة أن تكون وفق معيار “الاستحقاق الانتخابي” مع أهمية أن تكون “مؤسسات الإقليم موحدة”، في إشارة إلى الفجوة القائمة بين ادارته في أربيل مع نظيرتها في السليمانية بقيادة حزب طالباني، في حين يرفع الأخير شعار “تصحيح مسار الحكم” بهدف ما يعتبره إنهاء حال احتكار القرار من قبل الديمقراطي.

وسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة، حيث ترأس نيجيرفان بارزاني رئاسة إقليم كردستان، وابن عمه وصهره مسرور بارزاني، منصب رئاسة حكومة الإقليم، فيما حصل الاتحاد الوطني في الدورة الأخيرة على منصب رئاسة البرلمان.

وكان السياسي الكردي المستقل لطيف الشيخ، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “تشكيل حكومة الإقليم سيطول، ففي كل مرة، كان اللاعب والمؤثر الإقليمي والدولي يتدخل بصورة كبيرة، وينجح في تقريب وجهات النظر، لكن تركيا وإيران هذه المرة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، منشغلة بالأزمة السورية وتطوراتها، لذا فإن موضوع تسمية المناصب، وتشكيل حكومة الإقليم سيطول، وقد نحتاج إلى أكثر من 6 أشهر”.

إقرأ أيضا