تقدم رواية «الحفيدة الأمريكية» للكاتبة العراقية «إنعام كجه جي» لمحات موجزة، بين حين وآخر، يمكن من خلال جمعها استخلاص وتشكيل صورة كلّية، غير نهائية، للمرأة العراقية، ومعرفة طبيعة نظرة الرواية للنساء العراقيات بعامة. فعندما مرت المترجمة، زينة بطلة الرواية عراقية الأصل أمريكية الجنسية، مع الرتل الأمريكي ببعشيقة، من مدن الموصل، تقول: «وقفت الفتيات أمام البيوت ينظرن إلينا وهن يعدلن أوشحتهن البيض فوق رؤوسهن. تمنيت لو اعمل عنهن فيلماً اسميه حمائم ومناديل» (ص14). والحمائم والمناديل رمزان للسلام، فجسدت الفتيات العراقيات دعوة للسلام، لكنهن كنّ بمثابة مشهد خلفي صامت في فيلم سينمائي، ينظرن بتوجس، ولم يلوحن بمناديلهن البيضاء، بل استخدمنها حجاباً أمام نظرات الجنود القادمين من بعيد.
ويستمر هذا الحجاب الذي يحمي المرأة، ففي مكان آخر، وبينما كانت المترجمة تتفرج «ببلاهة السياح على الأعرابيات حاملات السلال فوق رؤوسهن، وهن يتوقفن للفرجة على موكبنا، ممسكات بأطراف عباءاتهن أمام وجوههن. وجوه تصعب قراءتها. [تتساءل] لماذا، إذن، تطفح العيون السود البارزة من شقوق العباءات بكل هذا الصدّ؟ نظرات لا تعكس ألفة ولا فرحاً» (ص48 ـ 49). وبينما كان الصد والتوجس مهيمناً على حال المرأة تجاه القوات الأمريكية، كان ثمة حزن يتسرب من نظراتها، حزن سيشكل ملمحاً بارزاً من ملامحها في هذه الرواية. حتى ان الساردة انتبهت إلى سمة الحزن في اختيار ثياب المرأة، حين أشارت إلى ان نساء العراق يتسالمن على زي موحد: ثوب أسود، وجوارب سوداء، وحتى البابوج أسود!
في صفحات لاحقة تبدأ الرواية بالإشارة لأسباب هذا الحزن الذي اصطبغت به نساء العراق، حيث كان بعضهن يتجمعن «أمام بوابة المعسكر، كل يوم منذ الصباح الباكر، للسؤال عن زوج اختفى، أو لتقديم شكوى، أو لطلب تعويض» (ص72). بينما اعتادت، في المداهمات الليلية، على صوت النساء المولولات. هذا في زمان الأمريكان، أما قبلهم، في زمن الحروب السابقة فقد «راح الرجال وجلست النساء يلطمن الصدور» (ص77). ولهذا فقد تقسّمت الحروب أحزانهن، فصرن لا يفارقن البكاء، ولا يفارقهن السواد.
من أجل ذلك لم تتردد الوالدة الأمريكية التي فقدت ولدها في العراق، في القول: «إنها تتعاطف مع أحزان الأمهات العراقيات. ترى صورهن في نشرات الأخبار يرتدين العباءات السود ويبكين أبناء قتلوا في بغداد» (ص142). كان حديثها هذا لمحرر جريدة تطفل على هدوء لوعتها، في زيارتها لقبر ولدها القتيل.
في نهاية مطاف الحفيدة، تعطي خلاصة معرفتها بالعراقيات، فتقول: «بكاء النساء هنا ليس هواية، بل طريقة حياة. رياضة يمارسنها بانتظام، فرادى وجماعات، للحفاظ على لياقتهن الروحية» (ص190). ومن المؤكد ان هذه اللياقة الروحية كانت مجرد مزحة من قبل الساردة، فأي لياقة تلك التي يمكن لها الصمود أمام هذا الخراب النفسي.
وعلى الرغم من كون «الحفيدة الأمريكية» رواية نسوية بامتياز، وقامت بتمثيل واقع المرأة على اختلاف أشكاله، إلا أننا، مع ذلك، لم نجد فيها تلك الأركان التي حُدد بها السرد النسوي؛ فهي قد تحررت من ذلك الطوق، الذي حبس بعض النصوص النسوية، وانطلقت لصناعة مركزيتها الإنسانية المتّزنة.
alidawwd@yahoo.com