صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

صورة قلبت الطاولة.. ماذا وراء اللقاء المفاجئ بين السوداني والشرع؟

على وقع تطورات إقليمية متسارعة، جاء لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالرئيس السوري أحمد الشرع، في العاصمة القطرية الدوحة، وسط غياب الإعلان الرسمي من الجانب العراقي، وتكتم واضح على مجرياته في حينها، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام تساؤلات عدة حول سياق اللقاء وأبعاده السياسية المحتملة.

اللقاء الذي لم يسبقه تمهيد سياسي أو إعلان رسمي من الحكومة العراقية، أثار استغرابا حتى داخل الدوائر المقربة من الإطار التنسيقي، وسط أنباء عن تغييب متعمد لبعض القوى المؤثرة عن تفاصيل الزيارة، ما عزز الانطباع بأن ما جرى لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل تحرك محسوب جرى خارج الأطر التقليدية.

ويرى المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السرية التي أحاطت باللقاء لا تبدو عفوية، وقد تدل على حساسية كبيرة في مضمون النقاشات، سواء تعلق الأمر بملفات إعادة تموضع بعض القوى، أو بتفاهمات أمنية لا يمكن تمريرها عبر القنوات الرسمية دون إثارة توتر داخلي”.

ويضيف الهلالي، أن “تحفظ السوداني على إعلان تفاصيل اللقاء قد يفهم كمحاولة لكسب الوقت أو احتواء ردود الفعل داخل البيت السياسي العراقي، وربما بانتظار نضوج نتائج هذا التواصل لعرضها في سياق سياسي أوسع وأكثر قابلية للتقبل”.

ويتابع أن “اللقاء لا يعد عابرا، بل يمثل مؤشرا على تحول في منهجية إدارة العلاقة بين مراكز القوى داخل العراق، وربما يكون بداية لمرحلة جديدة تدار فيها الملفات الكبرى بصيغة أكثر براغماتية وانفتاحا، ولكن أيضا بحذر وتقدير دقيق لحساسية المرحلة المقبلة”.

ويوم أمس الأول الخميس، جرى الإعلان عن لقاء جمع السوداني بالشرع في قطر، رغم أنه عقد يوم الثلاثاء الماضي، ولم يصدر أي موقف رسمي عراقي، باستثناء مصادر حكومية، فضلا عن بيان من الرئاسة السورية حول اللقاء.

وبحسب المصادر، فقد أكد السوداني، على أن العراق يراقب عن كثب التطوّرات الحاصلة في سوريا، والتواجد العسكري للكيان الغاصب على أرضه، وجدد إيضاحَ موقف العراق الثابت والمبدئي، الداعي الى قيام عملية سياسية شاملة وحماية المكوّنات والتنوّع الاجتماعي والديني والوطني في سوريا، وحماية المقدّسات وأماكن العبادة، لكل المجموعات السكّانية التي يتشكل منها الشعب السوري الشقيق، واحترام حقوق الإنسان خصوصا بعد الأحداث التي حصلت مع الطائفة العلوية هناك”.

ولم يكن اللقاء منفصلا عن مشهد إقليمي آخذ بالتبدل، حيث ظهرت مؤشرات التقارب السعودي الإيراني، والمحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران.

وبالتزامن مع اللقاء، جرى تداول وثائق تكشف أن الشرع كان معتقلا في العراق منذ الرابع عشر من أيار مايو 2005، بموجب مذكرة صادرة عن مجلس القضاء الأعلى، وقد تم تسجيله حينها باسم وهمي هو “أمجد مظفر حسين النعيمي” في دائرة الإصلاح بسجن التاجي.

وكشفت “العالم الجديد”، خلال الشهر الماضي، أن السوداني، قام بتشكيل خلية أزمة للتعامل مع دمشق وإدارة ملف العلاقات معها، تضم شخصيات سياسية وحكومية تتمتع بصلات جيدة مع تركيا الراعية للنظام الجديد في سوريا، وهم كل من وزير الدفاع ثابت العباسي، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، ووزير الخارجية فؤاد حسين، ورئيس جهاز المخابرات حميد الشطري، فضلا عن القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق ياسين الحجيمي، وذلك لحساسية ملف سوريا والتعامل مع حكومتها الجديدة في ظل رفض أطراف داخل الإطار التنسيقي (الشيعي) لها”.

من جهته، يؤكد المحلل السياسي، رافد العطواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السوداني لم يكن قادرا على الأخذ برأي الإطار التنسيقي بشكل كامل في هذا الملف، متجها في قراره نحو بعده الرسمي لا الحزبي، رغم وجود بعض الأطراف داخل الإطار التي تدفع باتجاه إقامة علاقات مع الشرع، في مقابل أطراف أخرى ذات طابع أيديولوجي ترفض ذلك تماما”.

ويستطرد العطواني، أن “هذه الخلافات الداخلية دفعت إلى زيارة سرية إلى قطر، إلا أن تسريب صور من تلك الزيارة أحرج السوداني بشدة، وكان من الأفضل أن يعود للإطار التنسيقي لمناقشة الخطوة المقبلة”، مشددا على أن “عدم الترحيب بأحمد الشرع في هذا التوقيت قد يكلف حكومة السوداني الكثير”.

ويشير إلى أن “هناك التزامات طلبت من السوداني، تتعلق بالحفاظ على أمن الشرع في حال قدومه إلى العراق، وتهدئة الرأي العام، بالإضافة إلى مطالب اقتصادية، أبرزها إعادة تدفق الطاقة، وفتح باب التبادل التجاري بين العراق وسوريا، مع تخصيص 400 ألف برميل نفط مدعوم لحكومة الشرع، على غرار ما يقدم للأردن، وذلك ضمن اشتراطات دول خليجية”.

يشار إلى أن السوداني، كشف يوم الأربعاء، في ملتقى السليمانية، عن توجيه دعوة رسمية للشرع لحضور القمة العربية في بغداد، وأكد نصا “مرحب به في بغداد”، وذلك بعد الجدل حول دعوته طيلة الأشهر الماضية.

وخلال الشهر الماضي، زار وزير خارجية سوريا، أسعد الشيباني بغداد، والتقى الرئاسات الثلاث، بما فيها السوداني، واعتبرت الخطوة تمهيدا لزيارة الشرع، وجاءت بعد لقاءات عديدة عقدها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع الشيباني في عواصم إقليمية.

إلى ذلك، يبين الكاتب والصحفي، حمزة مصطفى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لقاء السوداني والشرع ليس بالأمر المفاجئ أو الغريب، ومثل هذه اللقاءات قد تكون غير معلنة في بدايتها، لكنها طبيعية في سياق العمل الدبلوماسي ومتطلبات المصلحة الوطنية”.

ويرى مصطفى، أن “العراق يعول كثيرا على هذه القمة، ليس فقط لأنها تعقد في بغداد، بل بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة بشكل عام، ما يستدعي تحضيرا عالي المستوى”.

ويستطرد “هناك تحفظات داخل الأوساط السياسية العراقية تجاه الرئيس السوري أحمد الشرع، إلا أن الدولة العراقية تعاملت مع الأمر بمهنية ووضوح”، مبينا أن “السوداني تحرك بدعوة من أمير قطر للتفاهم مع الجانب السوري، وهو ما أسفر عن حضور الشرع لهذا اللقاء وتوجيه دعوة رسمية له لحضور القمة”.

ويشير الكاتب والصحفي، إلى أن “مثل هذه المواقف يجب أن تفهم في سياق ديمقراطي، حيث أنه من الطبيعي وجود رأي وآخر، وأن البرلمان العراقي يمتلك الحق الكامل في مساءلة أي مسؤول حول تفاصيل اللقاء، بما يعزز الشفافية ووضوح الصورة أمام الرأي العام”.

يشار إلى أن اتصالا جرى بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مطلع نيسان أبريل الجاري، والرئيس السوري أحمد الشرع، أكد خلاله دعم العراق لـ”خيارات الشعب السوري”، إلى جانب عدد من القضايا المهمة.

إقرأ أيضا