منذ بداية المحادثات النووية في جنيف في تشرين الأول/أكتوبر، برز في الأفق نمطان فريدان ألا وهما: (1) زخم سابق لأوانه لتواصل الدول الأوروبية مع الحكومة الإيرانية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولا سيما إيطاليا و (2) جهود يبذلها مجلس الشورى الإسلامي لضبط فحوى الاتفاق النووي من خلال التشريعات التي يمكن أن تُحدث تغييراً جذرياً في الاتفاق النهائي في حال فشلها في ضمان \”حقوق\” معينة بما فيها تحديد مستويات تخصيب اليورانيوم والمحافظة على استكمال بناء المنشآت الأساسية وعملها، من بينها تلك القائمة في فوردو ونطنز وآراك. ومؤخراً تجلت هذه الجهود من خلال تقرير صدر في الثاني من كانون الثاني/يناير حول إضافة عضوين من أعضاء البرلمان (المجلس) إلى فريق المفاوضات
روحاني: إيطاليا \”بوابة تفاعل إيران مع أوروبا\”
في الفترة 21 – 23 كانون الأول/ديسمبر، أصبحت وزيرة الخارجية الإيطالية إيما بونينو أول وزير خارجية أوروبي منذ عقد يقوم بزيارةً رسميةً إلى طهران وبحضور عشرين صحفياً. وجاءت الزيارة في أعقاب فورة من التبادلات الدبلوماسية بين البلدين شملت زيارة نائب وزيرة خارجية إيطاليا إلى إيران بعد ثلاثة أيام فقط من تولي حسن روحاني الرئاسة؛ وتوقف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تشرين الثاني/نوفمبر في روما أثناء رحلة كان يقوم بها؛ وقيام رئيس الوزراء الإيطالي السابق ووزير الخارجية السابق ماسيمو داليما بزيارة إلى طهران، قبل أسبوع فقط من وصول بونينو. كما التقى روحاني أيضاً مع رئيس الوزراء الإيطالي أنريكو ليتّا وسط هذه المناسبات وعلى هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/سبتمبر. ووفقاً للتقارير الصحفية يخطط ليتّا للقيام بزيارة مبتكرة إلى طهران في عام 2014. وقالت بونينو: \”إن إيطاليا مستعدة بكل حماس للمضي قدماً بالتطورات الإيجابية في العلاقات بين البلدين وتمهيد الطريق لتعزيز التعاون في طائفة واسعة من الأنشطة في مجالات الاقتصاد والصناعة والطاقة والسياحة والأبحاث والعلوم.\” وفي المقابل، أشاد روحاني بإيطاليا كونها \”بوابة تفاعل إيران مع أوروبا\”.
وتنبع لفتات إيطاليا جزئياً من تهميشها خلال العقد الماضي بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى في مجال المفاوضات النووية، مع العلم أنها ستشغل الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في عام 2014. وفي الواقع، عبّر ليتاً عن هذا الشعور علناً لدى لقائه مع روحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، وقد طمأنه روحاني من خلال عدم رفضه لمجموعة «دول الخمسة زائد اثنين». وفي مذكرات وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر من عام 2011 التي تخوض في تفاصيل المفاوضات النووية مع مجموعة دول الاتحاد الأوروبي الثلاث (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) بين العامين 2003 و2005 أشار فيشر إلى \”هوس\” إيطاليا بمنع \”إعطاء\” ألمانيا – التي كانت ناشطاً أساسياً في المفاوضات النووية على مدى العقد الماضي – \”أي سلطة أعلى من إيطاليا\”. وفي الواقع، أن روحاني الذي أشار في مذكراته حول المفاوضات النووية عام 2011 إلى حديث فيشر، هو على بيّنة من موقف إيطاليا المعقد وفرص الاستفادة من ذلك. وقد اعترفت بونينو شخصياً بهذه المنافسة داخل الاتحاد الأوروبي قبل زيارتها إلى طهران عندما عبرت في مؤتمر صحفي عن ارتياحها لـ \”حذو دول أخرى حذو إيطاليا\” في التواصل مع إيران ووصفت محادثات جنيف بأنها \”داعمة لحدس إيطاليا\”.
وبالإضافة إلى السعي لتجاوز التهميش الذي تشعر به، تُستوحى محاولة إيطاليا الدفع نحو التعاطي مع إيران من مبدئها المتمثل بـ \”دبلوماسية النمو\” الذي يسعى إلى تجديد \”النظام الإيطالي.\” وخارج السياق الإيراني، يتم تأكيد هذا النمط من خلال تطوع بونينو بمرفأ إيطالي لنقل السفن الأمريكية التي تحمل الأسلحة الكيميائية الآتية من سوريا. وفي مرحلة من أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة شكلت إيطاليا أكبر شريك تجاري أوروبي لإيران. وعلى مدى العقد الماضي، أبرمت شركة إيني الإيطالية المتعددة الجنسيات للنفط والغاز عدداً من العقود بمليارات الدولارات لتطوير حقل غاز \”بارس الجنوبي\” وحقل النفط \”داركوين\”.
وتنظر إيطاليا إلى مد اليد إلى إيران من الناحية الاقتصادية البحتة وليس من الناحية الإيديولوجية. ومع ذلك، توضح وثائق الحكومة الإيرانية وكتابات روحاني صراحة إستراتيجية جغرافية- سياسية تربط التواصل الأوروبي بتعطيل الأهداف الدبلوماسية الأمريكية. ويزعم روحاني أنّه بمد اليد إلى أوروبا يمكن لإيران ليس فقط أن تستحصل على المزيد من الاستثمارات الأجنبية وعلى الشرعية الدولية بل بإمكانها أيضاً أن تدق إسفيناً بين وجهات النظر الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الأمر الذي يعزل في الواقع الولايات المتحدة وتأثيرها على المسألة الإيرانية.
أعضاء البرلمان الإيراني يسعون إلى تحقيق النفوذ والهيبة، وينظرون إلى الكونغرس
في العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، صادق 100 من أصل 290 عضواً من البرلمان الإيراني – معظمهم أعضاء متشددين في \”لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية\” – على مشروع قانون بعنوان \”التزام الحكومة بحماية الحقوق النووية\”. وفي حال إقرار القانون، يتوجب على فريق المفاوضات الإيراني دمج أربعة عشر إجراءاً منفصلاً في الاتفاق النهائي. وتشمل أبرز المطالبات: (1) التطوير المستمر لمواقع التخصيب وتقنية الطرد المركزي، (2) حماية حق تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة (3) إتمام مفاعل آراك لإنتاج البلوتونيوم الذي يعمل بالماء الثقيل. ويتضمن مشروع القانون أيضاً بنداً يستهدف تحديداً مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»، ويدعو البرلمان الإيراني إلى \”الرد على أي من المؤسسات الحكومية التابعة للدول المشاركة في المفاوضات النووية التي فرضت عقوبات غير ملائمة ضد المؤسسات والشخصيات من الجمهورية الإسلامية الإيرانية\”.
وحتى مع وضع مشروع القانون هذا جانباً في النهاية، فثمة مشروع قانون آخر بعنوان \”التزام الحكومة بتخصيب اليورانيوم حتى 60 في المائة\” تم رفعه في الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر وقد جمع حتى الآن أكثر من مائتي توقيعاً – مما يعني أنه حصل على دعم أكبر بكثير من مشروع القانون السابق. وبناءً على نص مشروع القانون الأخير، فإن فرض عقوبات جديدة من قبل أي من أعضاء مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» أو في حال فشل المحادثات، فسيتطلب ذلك استئناف إيران لنشاطاتها بالكامل في فوردو ونطنز وآراك بالإضافة إلى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المائة ليتم استخدامه \”في الغواصات والسفن العابرة للمحيطات\”. ويبرر مشروع القانون ضمنياً هذا الإجراء الأخير من خلال التحدث عن الدور المحوري الذي يؤديه السفر عبر البحر في التجارة الإيرانية وفرض \”العقوبات الأمريكية والغربية\” التي تحد من فرص تزود الناقلات الإيرانية بالوقود. ولا يُعتقد أن بحوزة إيران تقنية لبناء سفن تعمل بالطاقة النووية كما أن التخصيب إلى نسبة 60 في المائة يشكل خطوةً أساسيةً للتوصل إلى نسبة اليورانيوم المستخدمة في بناء الأسلحة. وتعليقاً على مشروع القانون هذا، صرح أحد أبرز مناصريه، النائب في المجلس ورئيس \”لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية\” علاء الدين بروجردي قائلاً: \”ضَمَن الغربيون في اتفاق جنيف عدم فرض عقوبات جديدة على الأمة الإيرانية. وستُستخدم مشاريع قوانين المجلس للنشاطات النووية الجديدة كزخم إضافي (لضمان تحقيق ذلك)\”.
من ناحية أخرى، يواجه روحاني ثلاثة تهديدات من البرلمان، الذي تَوجه إليه في سبع مناسبات مختلفة منذ انتخابه – وغالباً ما يكون ذلك من باب التخفيف من حدة الخلافات. ويأتي أول هذه التهديدات من المتشددين التقليديين الذي يعارضون مد اليد للغرب ومعظمهم أعضاء من \”جبهة الصمود\” التابعة لآية الله محمد تقي مصباح يزدي؛ وينبع الثاني من أعضاء في \”لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية\” المستاؤون من إقصائهم من فريق المفاوضات على الرغم من المطالب التي رفعها هذا الفريق إلى وزارة الخارجية؛ أما التهديد الثالث فهم أعضاء البرلمان العاديين الذين يسعون إلى إعادة التأكيد على دور المجلس كفرع من فروع الحكومة يوازي السلطة التنفيذية. وهدد هؤلاء الأعضاء بدعوة وزير الخارجية ظريف للمثول أمام المجلس للمساءلة وإقصائه المحتمل – والمصطلح التقني في هذه الحالة هو \”الاستجواب\” بموجب المادة 89 من الدستور الإيراني – وذلك بسبب أعماله كمفاوض في الشؤون النووية. كما أنهم هددوا مؤخراً بجلب 12 من وزراء روحاني ليمثلوا أمام البرلمان. ولم يواجه أسلاف ظريف تهديداً مماثلاً لأنهم لم يكونوا وزراء حاصلين على موافقة المجلس أيضاً.
أما بالنسبة إلى روحاني الذي كان عضواً في البرلمان لخمس ولايات، فما زال يتمتع بدعم شخصي وهيكلي واسع داخل المؤسسة. والأهم من ذلك أنّ رئيس المجلس والمفاوض النووي السابق علي لاريجاني الذي يدعم عمل الفريق النووي، يحظى بنفوذ كبير على ماهية الإجراءات التي تطرح للنقاش. وحتى لو تم اعتماد تشريعات تتعارض مع روح المحادثات يمكن لـ \”مجلس صيانة الدستور\” أن يستخدم حق النقض؛ وتجدر الإشارة إلى أن هذا المجلس هو هيئة دينية موالية للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي، حتى هذه اللحظة، يدعم مفاوضات روحاني مع الغرب، كما أن حكم مجلس صيانة الدستور يطغي على حكم المجلس بموجب المادة 110 من الدستور كونه هيئة تخدم لصناعة السياسة وليس لسنّ القوانين.
كما أنّ خامنئي هو الذي يتحلى بالتأثير الأكبر على الساحة البرلمانية، مع أنّ أحكام المواد 77 و125 من الدستور الإيراني تمنح الأولوية للمجلس من حيث الموافقة على \”المعاهدات والبروتوكولات والعقود والاتفاقات\” الدولية، الأمر الذي يعزز التصور بأن بإمكان هذا المجلس تنظيم الاتفاق النووي، إلا أنه وخلال العقد الماضي وقبله، وفي سياق المفاوضات النووية، تجاوزت موافقة خامنئي الشخصية بصورة دائمية هذا التفويض الدستوري. وتجدر الإشارة إلى أنّه قد تم التوصّل إلى كل من \”إعلان طهران\” في عام 2003 و \”اتفاق باريس\” في عام 2004 بين إيران و مجموعة الدول الثلاث في الاتحاد الأوروبي من دون موافقة البرلمان مع تعبير بعض أعضائه عن اعتراضاتهم بشكل متكرر منذ ذلك الحين. وفي حواره الصبور نوعاً ما مع البرلمان، اعتمد روحاني على سلطة المرشد الأعلى كما كان عليه الحال في خطابه أمام المجلس في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر عندما ذكر هذه السلطة تسع مرات. وفي خطاب ألقاه مؤخراً صرّح روحاني قائلاً \”يعلن المرشد الأعلى عن أفكاره بكل وضوح وعلينا نحن (الفرع التنفيذي والمجلس) أن نحضّر خططاً لتنفيذها.\”
الخاتمة
مع تقدّم المفاوضات النووية، تواجه مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» تحدياً أساسياً في انتزاع تنازلات من إيران حول برنامجها النووي. فبالنسبة إلى صانعي السياسة الأمريكيين تتطلب هذه المهمة ضمان استمرار دعم نظام العقوبات المتعددة الأطراف إلى حين التوصل إلى اتفاق شامل ودائم. فإن شكّت إيران بضعف عزم الغرب على الاستمرار بفرض العقوبات كما هو الحال من خلال جهود إيطاليا لتجديد التجارة والاستثمار مع إيران قبل استكمال الاتفاق النووي، فقد تشعر طهران بعدم ضرورة التوصل إلى حل شامل. وعلى النقيض من ذلك، إذا كان مدّ اليد لإيران مشروطاً بحلّ كامل للمأزق النووي، فعندئذ يتعزز نفوذ مجموعة «دول الخمسة زائد واحد».
وفي هذه الأثناء، يمكن ملاحظة وجود تناقض بين استجابات إدارتي روحاني وأوباما للتطورات في الهيئات التشريعية في كل من بلديهما. فلم تعترض إدارة روحاني على مشروع القانون الإيراني الذي يقضي بالتخصيب حتى 60 في المائة في حال فشل المحادثات ولم تحذّر حتى من أنّ مثل هذا التشريع قد يضر المفاوضات. وفي الواقع، صرح نائب وزير الخارجية عباس أراكشي في التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر \”كل ما يقره البرلمان ويصبح قانوناً يكون ملزماً بالنسبة لنا.\” بيد، عبرت إدارة أوباما عن معارضتها الصارمة لمشاريع القوانين في الكونغرس الأمريكي التي تفرض عقوبات أقسى في حال فشلت المحادثات.
وأخيراً، كان الموضوع الرئيسي في إيران منذ بداية المحادثات في جنيف هو الرغبة في \”الكرامة\” واحترام \”التقدم والإنجازات\” العلمية والصناعية في إيران. إن هذه الرغبة بالسعي إلى الكرامة مع المحافظة على منطق المصلحة الذاتية منصوص عليها في شعار الحكومة الإيرانية الخاص بالمفاوضات والمؤلف من ثلاثة أجزاء: \”الكرامة والحكمة والنفعية.\” ومع استمرار المحادثات النووية، تُعتبر \”مساحة الكرامة\” الضمنية للإيرانين شرطاً مسبقاً أساسياً لسعيهم اللاحق إلى تحقيق النفعية وتقديم التنازلات.
* ستيفن ديتو هو محلل مستقل لشؤون الشرق الاوسط ومؤلف دراسة معهد واشنطن \”قراءة أفكار روحاني : الوعد والخطر للرئيس الإيراني الجديد\”.
** المصدر: The Washington Institute for Near East Policy