تفضل شروق عبد الكريم (19 عاما) السكن في بيت مشترك مع زميلاتها، على الأقسام الداخلية التي تخصصها الدولة كمساكن للطلبة، فهي كما تقول لـ”العالم الجديد”، لم تشعر بالراحة بعد أن جربت أن تقيم أسبوعاً هناك.
تضيف عبد الكريم: “لم أشعر بالراحة والاستقرار خلال تواجدي في القسم الداخلي، لأسباب نفسية أساسها عدم التوافق بيني وبين الطالبات اللاتي يشاركنني الغرفة، ولأسباب أخرى عملية، تتلخص بكوني فتاة عاملة أحب العمل والدراسة في الوقت نفسه، لتخفيف كاهل المصاريف المادية عن أهلي لأننا جميعا أنا وأخواتي طالبات سواء في المدرسة أو الجامعة”.
وتتابع الطالبة التي تدرس العلوم السياسية، أن “تقييد وقت الخروج بعد الساعة الـ4 عصرا لا يلائمني تماما بعد أن وجدت مهنة مناسبة كسكرتيرة في عيادة لطب الأسنان من الساعة من الثالثة عصرا وحتى الساعة الـ9 ليلا لذا فكرة السكن الجامعي لا تخدمني”.
وتوفر وزارة التعليم العالي مساكن خاصة للطلبة، وهي خطوة بدأت بحسب مديرية الأقسام الداخلية مع تأسيس جامعة بغداد سنة 1960 “لتيسير السكن للطلبة الدارسين في الكليات التابعة للجامعة والوافدين من عموم محافظات العراق بما يهيأ لهم الراحة والامان والجو الصحي المناسب من (منام، تدفئة، تبريد، حمامات، مطابخ، مياه شرب، أجهزة إعلام، طبابة وإسعاف فوري… وغيرها)”.
حسين سعيد (22 عاما) من محافظة الديوانية، هو الآخر يشكو من نقص الخدمات وتقييد وقت الخروج، إذ يقول لـ”العالم الجديد”، “نحن 6 أفراد نعيش في غرفة واحدة، وعلى الرغم من توافقي مع من يشاركوني السكن الجامعي، إلا أن هناك بعض المعاناة بسبب عدم توفر الكهرباء بصورة منتظمة، إضافة إلى عدم تواجد وسائل الراحة ذاتها الموجودة في البيت”.
ويشير إلى أن “أبرز التعقيدات هي تقييد أوقات الخروج من السكن فحظر الخروج يبدأ عند الساعة الـ8 مساءً، وأنا كشاب أحتاج وقتاً أكثر لقضائه خارج القسم، لذا لو أتيحت لي فرصة للإيجار لما ترددت بالإقدام على تلك الخطوة”.
بينما يجد كرار جميل (21 عاما) الذي يدرس بكلية الآداب في جامعة بغداد وهو من بابل، أن “السكن في القسم الداخلي ليس بالأمر السلبي ولا الإيجابي جدا، فالخدمات موجودة، من حيث توفر أسرّة ملائمة مع حجم وأعداد الطلبة للغرفة الواحدة، إضافة لتوفر لوازم أساسية للسكن كأجهزة السبلت صيفا وسخانات المياه شتاءً، كذلك تتوافر وسائل تعليمية مهمة أبرزها مكتبة متخصصة للقراءة والمطالعة، وملعب لكرة القدم”.
لكن جميل يؤكد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “فرصة الإيجار لو توفرت خارج القسم لأقدمت على الأمر دونما تردد للتخلص من السلبيات من وجهة نظري المتمثلة بضوابط وقوانين إدارة القسم بعدم الخروج بعد الساعة الـ8 مساءً، ومنع استخدام الأركيلة، والدفاية وغلاية الماء، لذا اعتراضي ليس على توفر الخدمات بل على تقييد الحريات، وكثرة الضوابط”.
ووفقا لمديرية الأقسام الداخلية، فإن الطالب يتم قبوله في القسم الداخلي لمدة تعادل مدة الدراسة، على أن يكون خالياً من الأمراض السارية والمعدية بموجب تقرير طبي صادر من جهة رسمية، ويكون التقديم للسكن مباشرة بعد قبول الطالب بالكلية وفق استمارة خاصة تعد من قبول الأقسام الداخلية في الجامعة وخلال مدة أسبوعين.
ويتم أيضا الأخذ بنظر الاعتبار بعد الموقع الجغرافي وتوفر وسائط النقل لسكن الطالب في محافظته عن الجامعة المقبول بها، كما يراعى إن كان الطالب من ذوي الشهداء على أن يتم إثبات ذلك بشكل رسمي، وتراعى أيضا الحالة الاقتصادية للطالب بعد التأكد بجلب ما يثبت ذلك.
من جانبها، تعاني نور صالح من ديالى، من تزاحم السكن في الغرفة الواحدة، إذ تقول لـ”العالم الجديد”، “أتعرض غالبا لمضايقات، فالثلاجة الموجودة في الغرفة لا تستوعب حجم مشترياتي الغذائية، إضافة إلى معاناتي من منع جهاز الموبايل المرفق بكاميرا بالرغم من كونه شيئا مهما”.
تستخدم صالح (20 عاما) هاتفها للعمل أيضا، وتؤكد “إضافة لكوني طالبة جامعية أعمل بمهنة خياطة الملابس النسائية أثناء العطلة الصيفية، ولدي حساب خاص على موقع إنستغرام للترويج والإعلان فحاجتي للموبايل الحديث ليست ترفا، إنما لاستمرار الترويج للبضاعة ودعم التفاعل مع المتابعين، كي لا أخسر زبائني أثناء فترة انشغالي بالدراسة، وهذا الأمر يجعلني أفكر باستئجار بيت طلابي مشترك مع زميلاتي خارج القسم”.
وعلى الرغم مما يعانيه الطلبة في الأقسام الداخلية، فهناك على الجانب الآخر الكثيرون ممن يرغبون بالإقامة في هذه المساكن، فابتهاج محمد من محافظة واسط، التي تدرس في كلية السلام الأهلية في العاصمة، تؤكد أن “قرار سكني في بيت مشترك مع زميلاتي في العاصمة بغداد جاء نظرا لعدم وجود قسم داخلي للكليات الأهلية”.
وتضيف لـ”العالم الجديد”، انه “لو وجد خيار السكن الجامعي لما ترددت لحظة في أن أقدم عليه، لأنني عانيت مع زميلاتي في إيجاد بيت مناسب للإيجار من حيث المنطقة السكنية والأسعار والسكان المحيطين، لكن وجدت المكان المناسب بعد البحث لمدة شهر وبمساعدة أهلي الذين كانوا داعمين لي بهذا القرار رغم أنه أمر لم يكن معهودا سابقا لدى أهالي المحافظات”.
ولا تشمل وزارة التعليم العالي، الطلبة الدارسين في المعاهد والجامعات الأهلية بميزة توفير سكن لهم في الأقسام الداخلية، لذا فإن أغلب طلبة الجامعات الأهلية يستأجرون شققا ومساكن على حسابهم الشخصي.
وترى الباحثة الاجتماعية نور عباس، خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، أن “الأقسام الداخلية لها سلبيات وايجابيات، فمن ناحية الكلفة المادية هي أفضل بالإضافة لتوفير الكهرباء والماء والأثاث المخصص لكل طالب وطالبة، كذلك الالتزام بالقواعد والوقت، وهذا ضروري حفاظا على أرواحهم”.
أما السلبيات، تشير عباس إلى “فقدان الخصوصية بالنسبة للطلبة، فوجود طلاب داخل الغرفة الواحدة أمر له سلبياته، ويؤثر على المستوى الدراسي، فهناك من يفضل الدراسة وآخر يحدد وقتا للنوم والراحة، وهنا يحدث تباين في خصوصياتهم، بالإضافة إلى المشاركة في الثلاجة وهي حالة سلبية، إذ يمكن أن يكون هناك اعتداء على طعام طالب من قبل زميله في السكن”.
وتعرج أيضا على أن “سلوكيات الطلبة تختلف، وأسلوب المعيشة متغير من طالب لآخر.. وهذه الأمور تدفع البعض لبشراء راحته خارج المجمع السكني للطلاب والبحث عن إيجارات خارجية، لاسيما أننا نعيش في مجتمع مدني يبحث عن الخصوصية والفردانية العالية التي لا يمكن أن يستغني عنها الشاب”.
وتعاني بعض مساكن الطلبة من قلة توافر شروط السلامة فقد تعرضت بناية الأقسام الداخلية في منطقة باب المعظم إلى حريق في حزيران 2022، كما شهدت الأقسام الداخلية التابعة لجامعة بغداد في ساحة الواثق في (9 كانون الأول يناير 2015)، نشوب حريق داخلها.