حملت مهلة الشهرين التي منحها البيت الأبيض لطهران من أجل العودة إلى المفاوضات “النووية”، تصعيدا جديدا في المنطقة وتهديدا مباشرا لحلفاء إيران من الفصائل العراقية، الأمر الذي تزامن مع زيارة خاطفة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، ما عزاها مراقبون إلى تحركات طهران الرامية للتهدئة من خلال مطالبتها الفصائل بالانصياع إلى الحكومة العراقية، فضلا عن توجيه القوى “الولائية” في الانتخابات التشريعية المرتقبة والمقرر إقامتها في تشرين الأول أكتوبر المقبل، وسط توقعات بأن تفاجئ القيادة الإيرانية الجميع، عبر عودتها إلى المفاوضات، على عكس تصريحات قياداتها.
ويقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران، وإمهالها شهرين للتفاوض بشأن اتفاق نووي جديد، يعكس تصعيدا خطيرا في التوترات الإقليمية، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران وصلت إلى مرحلة خطيرة من تخصيب اليورانيوم وهي نسبة 60 بالمئة ولم يتبقَ إلا 30 بالمئة وتكون قادرة على صناعة سلاح نووي”.
لذلك، يرى التميمي، أن “هذا النهج قد يدفع إيران لتسريع برنامجها النووي كما يدفع واشنطن إلى ممارسة مزيد من الضغط، خاصة وأن الأولى تتعرض إلى ضغط إسرائيلي كبير منذ أشهر، وهذا الواقع الجيوسياسي سيزيد من احتمالية اندلاع صراع عسكري يهدد استقرار الشرق الأوسط أجمع”، مشيرا إلى أن “العالم ينتظر الرد الإيراني، وربما يكون مفاجئا للجميع بقبول التفاوض، نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة والضغط العسكري والسياسي على إيران”.
وأمهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طهران مدة شهرين للتوصل لاتفاق نووي جديد، قبل أن ينفذ عملا عسكريا ضد منشآت إيران النووية بحسب رسالة بعث بها للمرشد الإيراني علي خامنئي، ونقلت وسائل إعلام، الأربعاء الماضي، أن ترامب بعث برسالة تهديد إلى خامنئي لم يتضح بعد ما إذا كان العد التنازلي للمهلة يبدأ من وقت تسليم الرسالة أم من لحظة بدء المفاوضات، لكن رفض إيران لمبادرة ترامب وعدم الدخول في مفاوضات قد يزيد من احتمالية تنفيذ “عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية”.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي، قد أكد أمس الأول الجمعة، بأن التهديدات الأمريكية لبلاده “لن تجدي نفعا”، مشيرا إلى أن طهران لا تحتاج إلى وكلاء في المنطقة، وأن الحوثيين في اليمن، “يتصرفون بشكل مستقل”.
ويقرأ التميمي، موضوع نفي المرشد الإيراني امتلاك إيران لوكلاء في المنطقة، بأنه تصريح يأتي في سياق التوترات المتصاعدة في المنطقة، خاصة مع استمرار العملية العسكرية ضد الحوثيين وتحييد حزب الله وعودة العمليات العسكرية في غزة وسقوط نظام بشار الأسد، حيث تواجه إيران اتهامات بدعم جماعات مسلحة في دول الشرق الأوسط، لذلك فإن خامنئي يحاول التأكيد على استقلالية إيران في سياساتها الإقليمية، وتقليل الضغوط الدولية المتعلقة بتدخلاتها أو حتى تخفيف الضغط على أذرعها في المنطقة، لأن القلق الآن من أن تكون الفصائل العراقية هي المرحلة المقبلة للاستهداف الأمريكي الإسرائيلي بعد اليمن”.
وأعلن ترامب، الأسبوع الماضي، بدء ضربات عسكرية واسعة النطاق على جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران، بسبب هجمات الجماعة على سفن الشحن في البحر الأحمر، وحذر طهران من تحميلها المسؤولية إذا لم تكبح جماحهم.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني يناير الماضي، أعاد ترامب العمل بسياسة “الضغط القصوى” التي تستهدف عزل إيران عن الاقتصاد العالمي ووقف صادراتها النفطية.
وفي فترة ولايته السابقة بين عامي 2017 و2021، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق مهم بين إيران وقوى دولية كبرى فرض قيودا صارمة على الأنشطة النووية لطهران مقابل تخفيف العقوبات، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، كسرت إيران هذه القيود وتجاوزتها بكثير، لكنها تنفي باستمرار سعيها لامتلاك أسلحة نووية.
وبخصوص زيارة قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى بغداد، يعتقد التميمي، أن للزيارة “أبعادا سياسية وعسكرية، حيث تأتي في سياق تعزيز العلاقات بين العراق وإيران، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية العراقية المقررة في تشرين الأول أكتوبر المقبل، إذ تهدف الزيارة إلى توحيد المواقف بين الفصائل المسلحة والقوى الشيعية الإطارية لضمان استقرار العملية السياسية في العراق”.
ويؤكد أن “الفترة الأخيرة شهدت الكثير من الأزمات بين القوى الشيعية، ومنها أزمة الرؤية بشأن السياسة الخارجية وقانون الحشد والخلافات بين بعض القوى السياسية وأزمة رغبة بعض القوى الإطارية تغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي، كما أن هناك أزمات بين القوى الشيعية والحكومة التي خرجت من رحم الإطار التنسيقي وغيرها من الأزمات التي بدأت تعصف بالقوى السياسية، وربما تكون الزيارة هي محاولة للضغط على القوى المتشددة الشيعية بشأن الاستماع إلى رغبة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وضرورة العودة إلى المشهد السياسي”.
وفي ما يتعلق بتهديد الفصائل العراقية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، يجد أن “التقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تفرض ضغوطا على الحكومة العراقية لحل الفصائل المسلحة أو دمجها في القوات الرسمية أو توجيه ضربات عسكرية لتلك الفصائل أو لقياداتها، مرجحا أن “تكون إيران مع استمرار التهدئة لأن قاآني أكد في تصريحات غير معلنة أنه يدعم قرارات الحكومة العراقية بشأن مستقبل هذه الفصائل، مما قد يقلل من التهديدات المحتملة ضدها”.
وينتهي التميمي، إلى أن “السبب الرئيس من زيارة قاآني هو لتعزيز التنسيق بين الفصائل المسلحة والحكومة لضمان استقرار العراق ومواجهة التحديات السياسية والأمنية المقبلة، لأن العراق يعد رئة إيران في موضوع فك الحصار الأمريكي عليها جراء العقوبات، لكن لغاية الآن فإن الولايات المتحدة تبدو مصرة على محاسبة ومحاصرة إيران”.
وأجرى قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني زيارة خاطفة غير معلنة إلى بغداد، يوم الأربعاء الماضي، وعقده اجتماعا مهما مع قيادات في الإطار التنسيقي وبحضور قادة الفصائل والحشد الشعبي الى جانب حضور السفير الإيراني في بغداد، وبحسب وسائل إعلام، فإن الاجتماع أكد على ضرورة التزام العراق بجانب الحياد وعدم التدخل في الملف السوري إلى جانب ضبط الملف الأمني ومنع أي اجتهادات خارج إطار الدولة.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، عن مصادر أمس، تحذير إسماعيل قاآني، لقادة فصائل عراقية من أن “هجمات الجيش الأمريكي ضد منشآت تابعة لجماعة الحوثي قد ترتد سريعا على بغداد”، مطالبا بعدم القيام بأي نشاط عسكري خلال هذه المرحلة الحساسة، وفي تطور متزامن قالت المصادر إن جماعة “الحوثي” أخلت مقرا استراتيجيا في أحد الأحياء الراقية وسط بغداد، وقد تغلق مقرين آخرين بعد ضغوط من “الإطار التنسيقي”.
من جهته، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “زيارة قاآني إلى بغداد تعكس تطلع طهران إلى تعزيز نفوذها العسكري والسياسي والاجتماعي في العراق، فهي تحاول بعد الهزيمة في الشرق الأوسط، وفقدان نفوذها الواسع في سوريا ولبنان، استعادة وتعزيز ما تبقى من نفود للحرس الثوري الإيراني المعرض للانهيار بفعل متغيرات الشرق الأوسط والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، لذا تستمر الاستراتيجية الإيرانية بتوثيق العلاقات مع حلفائها من الفصائل المسلحة والحشد الشعبي والالتزام بتوجيهاتها”.
كما يعتقد فيصل، بأن “زيارة قاآني إلى بغداد والاجتماع مع الفصائل المسلحة قد تضمنت تعليمات بعدم استفزاز واشنطن وإسرائيل”، لافتا إلى أن “الزيارة بحد ذاتها تمثل استفزازا لأمريكا، كونها توضح مرة أخرى أن الحكومة والأحزاب والفصائل أدوات لإيران، وهذه مشكلة خطيرة تعصف بمصداقية النظام السياسي في العراق”.
وبشأن تصريحات خامنئي، النافية لوجود وكلاء لإيران في المنطقة، يؤكد بالقول، أن “هذه هي اللعبة في الخطاب الإيراني، فإيران موغلة في نشر نفوذها في بلدان الشرق الأوسط، وقامت بدعم تأسيس حزب الله في سوريا وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن”، منوها إلى أن “تصريحات ترامب الواضحة بتوجيه الاتهام إلى إيران وتحميلها مسؤولية كل طلقة يطلقها الحوثيون أو الفصائل المسلحة على المصالح والقواعد الأمريكية، تشير إلى عدم قناعة بادعاءات إيران في عدم وجود أي علاقات مع الحوثي أو الفصائل المسلحة”.
وعن الضغوط على الحكومة العراقية بتفكيك ونزع أسلحة الفصائل، يشير إلى “ثمة تحديات كبيرة في هذا الملف، لأن نفوذ الفصائل المسلحة سياسي وليس نفوذا عسكريا فقط، عبر وجود بعض من قيادات الفصائل في الإطار التنسيقي وعبر وجود عدد من قيادات هذه الفصائل في مجلس النواب وفي حكومة السوداني، وهي متداخلة مع طبيعة النظام السياسي المتحالف مع إيران لذا لا يمكن فك الاشتباك”.
وكشفت وسائل إعلام عن مصادر مختلفة، الاثنين الماضي، عن إيصال وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى السوداني، خلال اتصال هاتفي، ووفقا للمصادر فإن “هيغسيث أبلغ السوداني، بأن أي تدخل للفصائل المسلحة العراقية، بشأن الاستهداف الأمريكي ضد الحوثيين في اليمن، سيدفع واشنطن لرد عسكري سريع ضد تلك الفصائل داخل العراق، ولذا يجب منعها من أي تدخل كما حصل سابقا في حرب لبنان وغزة”.
وأضافت المصادر، أن “وزير الدفاع الأمريكي شدد على السوداني بضرورة الإسراع بحسم ملف نزع سلاح الفصائل المسلحة والعمل على تفكيكها، وأكد أن هذا الملف محل اهتمام كبير لدى الرئيس ترامب وإدارته، فيما أكد السوداني بأن الحكومة تعمل على ذلك ولديها حوارات مع الأطراف المسلحة للوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص”.
إلى ذلك، يؤكد الباحث في الشأن السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تصعيدا عاليا بدأ يظهر مجددا في المنطقة بعد استهداف الحوثيين وإعلان ترامب بإمهال إيران للعودة إلى المفاوضات النووية، وإيران شكلت لجانا لتدرس الخيارات، وزيارة قاآني السرية إلى بغداد كانت في هذا الاتجاه، ومرجح أنه حضر لتقديم نصائح للإطار التنسيقي والفصائل المسلحة بضرورة التهدئة والالتزام بقرارات الحكومة العراقية”.
ويعتقد جودة، أن “المرحلة مقبلة خطيرة، وعلى العراق ألا ينجر إلى هذه المعارك لأنها تؤدي إلى فوضى ومشكلات اقتصادية وإنسانية، خصوصا أن الشعب متململ وينتظر صيفا لاهبا وخاليا من الغاز الإيراني، ولهذه الأسباب فإن ضبط النفس والخروج من التصعيد هي سياسة هذه المرحلة”.
ويشدد على ضرورة أن “يبقى العراق بعيدا عن التصعيد، لأن المواجهة ستكون مع دول كبرى تمتلك سلاحا متقدما جدا”، لافتا إلى أن “العراق دولة لا تستطيع تحمل أوزار أي حرب بعد أن خرج من معضلات أمنية كبيرة، وحقق مكتسبات ومساحة من الاستقرار يجب الحفاظ عليها”.