يحكى أن رجلا متديناً اعتاد اصطحاب ولده الوحيد (شهاب) إلى جامع المحلة لصلاة الفجر وقراءة الأدعية لما لها من أجر عظيم. لا يرغب الوالد (المتدين) بخسارته، بل ان تركه كان فرضا من الاستحالة. ومما يثير الاستغراب في جامع المحلة هذا هو (المؤذن) الذي كان يغادر الجامع فور انتهائه من الأذان دون الصلاة في الأيام التي يكون فيها (شهاب) متواجدا. أثار هذا التصرف ريبة وشك الفتى، وقال في نفسه (كيف لمؤذن يدعو الناس للصلاة ولا يصلي معهم؟) فقرر أن يراقبه يوما من باب الفضول لمعرفة الأمر الذي يخفيه. وبالفعل انسحب الشاب بهدوء وظل ماشيا خلف المؤذن المتلصص في أزقة المحلة حتى وصل دار (أبو شهاب) وطرق الباب وفتحت له. اندهش الشاب مما رأى فما الذي يفعله المؤذن في دارهم التي ليس فيها سوى أمه، اقترب من الباب ووضع أذنه عليه لتنزل الصاعقة على رأسه حين سمع ضحكات أمه مع المؤذن!! ولم يستطع فعل شيء من هول الصدمة. عاد مهرولا مذعورا إلى أبيه ليخبره بما رأى وسمع، ولكنه صدم أكثر بما سمع من والده (المتدين) حين قال له (بني لا تفضحني وأنا بهذا العمر أترك الأمر إلى أن يشاء الله.. إلى أن يشاء الله يا ولدي وحتماً سينزل غضبه على الفاسقين)!! لم يستطع (شهاب) تمالك نفسه أكثر وهو يرى ذلك (المؤذن العاهر) يعبث بشرفه يوما بعد يوم، ولم يعد بإمكانه الانتظار إلى أن يشاء الله. فقرر المواجهة والثأر لشرفه المهدور وتحقق ما عزم عليه، فعثر على المؤذن مقتولا بالقرب من الجامع بعد صلاة الفجر وسط صيحات الأهالي.
عاد أبو شهاب مسرعا للبيت وهو يردد (أبشر يا بني لقد شاء الله أن ينتقم من الفاسقين)، فأجابه شهاب بكل حزم (انتقمت أنا) فيما أنت تنتظر إلى أن يشاء الله وعرضنا ينتهك كل يوم..
هذه القصة تشبه واقعنا العراقي إلى حد كبير، فالمؤذن العاهر يقترب كثيرا من تلك الأحزاب المتأسلمة التي تتاجر بمقدرات الشعب وهي تتلصص في أزقة السياسة الوضيعة و(زنت) بكل قيمنا وأعرافنا، وفي ذات الوقت تلتحف بالدين وتدعونا للصلاح كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، حتى بدأنا نشعر بأننا حطب جهنم وهم أهل الفردوس الأعلى.
وأما الوالد (المتدين المسكين المستكين) فهو قطعا يذكرني بالشعب (المتدين! المسكين!) الذي لا يملك سوى الصبر على أيامه السوداء وحقوقه المهدورة، وأما ذلك الفتى (شهاب) فأتمنى أن نكون جزءا منه.
* كاتب وأكاديمي