صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عاصمة التين في العراق تقترب من الهلاك

تحوّلت 5 آلاف دونم من مزارع التين في محافظة بابل، إلى نقطة صراع بين المزارعين ومديرية الموارد المائية في المحافظة، حيث هلكت هذه المساحة بشكل تام، وسط اتهامات بأن المياه قطعت عنها وتم تحويل مسارها لمزارع تابعة لـ”متنفذين”. وتعد ناحية الكفل، جنوبي الحلة مركز محافظة بابل، من أكثر مناطق المحافظة المنتجة لفاكهة التين، كما تعد الأكثر إنتاجا على مستوى العراق، وبحسب أرقام سابقة فأنها تغطي 40 بالمئة من إجمالي الإنتاج المحلي من التين. 

مزارع التين في منطقة الكفل بمحافظة بابل، والتي تمتد على مساحة 5 آلاف دونم، وتعتبر الأكثر غزارة في المحافظة، تتعرض إلى الهلاك، بفعل قطع المياه عنها، في ظل اتهامات تلاحق المسؤولين المحليين بتحويل مسار تلك المياه إلى مزارع تابعة لـ”متنفذين”، وسط شحه مياه شديدة تشهدها البلاد.

وتعد ناحية الكفل، جنوبي الحلة مركز محافظة بابل (نحو 100 كلم جنوبي بغداد)، من أكثر مناطق المحافظة المنتجة لفاكهة التين، كما تعد الأكثر إنتاجا على مستوى العراق، وبحسب أرقام سابقة فإنها تغطي 40 بالمئة من إجمالي الإنتاج المحلي من هذه الفاكهة. 

وفي ظل شح المياه، وتراجع مستوى الأنهر وتقليل نسبة الأراضي الزراعية، بدأت المشاكل تظهر حول مزارع التين، فلم تقطع عنها المياه بالكامل، ولم تشملها جميعها، إذ يشكو أصحاب المزارع في الناحية من سوء توزيع كميات المياه المخصصة لهم.

ويقول محمد القريشي (53 عاما)، صاحب إحدى مزارع التين في ناحية الكفل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “سوء توزيع المياه وعدم التزام مديرية الموارد المائية بجدول الحصص المائية تسبب بهلاك 5 آلاف دونم مزروعة بأشجار التين، مع أن هذه المزارع لا تبعد سوى كيلومترين اثنين عن نهر الفرات الذي يمر وسط الناحية”.

هلاك التين

ويوضح المزارع، أن “مئات العائلات تعتمد على زراعة التين في توفير قوتها، وليس لديها أي مورد مالي آخر، لكنها خسرت هذا المورد بسبب سياسة مديرية الموارد المائية التي أهلكت هذه المزارع”.

وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

وقد فقد العراق 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضا.

ولا يبتعد المزارع نبهان المسلماوي (59 عاما)، عن رواية القريشي، حيث يؤكد أن “أشجار التين تتطلب إنفاق ملايين الدنانير عليها، فهي لا تنتج إلا بعد مرور 10 سنوات من زراعتها، وتحتاج إلى متابعة خاصة، وبالتالي فإن انقطاع المياه عنها يعرضها للهلاك”.

ويوضح المسلماوي، الذي يمتلك 50 دونما من مزارع التين، أن “ما يجري من هلاك لهذه المزارع، يضعنا أمام خيار انتظار 10 سنوات أخرى لإحياء هذه المزارع، على عكس المحاصيل الأخرى التي تنتج بشكل سريع”، مبينا أن “سكان أربع مناطق وهي المهافيف، أبو غزالة، أبو سمادة وأبو خليل، التي تقع في أطراف ناحية الكفل هددت بالهجرة، في حال استمرت مديرية الموارد المائية بالتعامل بهذه الطريقة، وهي سوء توزيع المياه”.

ويطالب المزارع، رئيس الوزراء بـ”التدخل شخصيا لإنقاذ هذه المساحات الواسعة من مزارع التين، كونها تمثل ثروة وطنية لجميع المحافظات وليس لبابل فقط”.

وتعرض نهر الفرات لمتغيرات كثيرة، أدت إلى انخفاض مناسيبه بشكل كبير، ما تسبب بجفاف بحيرة الحبانية من جهة، وتأثيره على مناطق عديدة في الأنبار، فضلا عن عدم قدرته على تغذية الأهوار، خاصة بعد أن جرى تحويل مساره لتغذيتها بدلا من الوصول لشط العرب.

ضياع نصف الإنتاج

من جهته، يؤكد مدير زراعة بابل ثامر الخفاجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، على “ضرورة أن تأخذ الموارد المائية الأمر بنظر الاعتبار وتولي هذه المزارع الاهتمام الخاص خلال شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)”.

ويتابع الخفاجي، أن “هذين الشهرين هما الأهم في زيادة نسبة إنتاج التين”، مبينا أن “ناحية الكفل تحتل المرتبة الأولى بإنتاج التين، إذ وصلت كمية الإنتاج في العام الماضي إلى أكثر من 10 آلاف طن، بينما لا يمكن لها أن تنتج هذا العام أكثر من 6 آلاف طن فقط بسبب شح المياه”.

وكانت إيران قد غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما أدى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

الرد

مدير مديرية الموارد المائية في محافظة بابل فالح السعدي، وخلال حديث لـ”العالم الجديد”، رد على اتهامات المزارعين، حيث يبين أن “المديرية ملتزمة بالتقسيمات المائية حسب مقررات الوزارة، وليس لدينا اختلاف بين المناطق ولا يوجد تحيز”.

ويؤكد السعدي، أن “الموارد المائية تضع في أولوياتها توفير المياه لمجمعات التحلية بالدرجة الأساس، وحسابتنا تختلف عن حسابات المزارعين ممن يفكرون بمزارعهم فقط”، مضيفا أن “المزارعين يشاهدون نهر الفرات مليئا بالمياه فيتوقعون أن هذه المياه لبابل فقط، في حين أن هناك محافظات تشترك معنا بهذه الكميات ولا يمكن التجاوز عليها”.

جدير بالذكر، أن بغداد، شهد عقد مؤتمر المياه الثالث في 6 أيار مايو الماضي، بحضور تركيا وإيران، وخلال المؤتمر أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.

إقرأ أيضا