صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عجلة الاقتصاد ستدور مجددا.. أسواق السليمانية تتطلع لتوطين رواتب موظفي إقليم كردستان

يكتسب قرار المحكمة الاتحادية بتوطين رواتب موظفي إقليم كردستان، وإلزام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، بدفعها دون تأخير، أهمية كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

فقد عاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق نتيجة تأخر صرف الرواتب وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بي بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.

ويقول عضو برلمان إقليم كردستان السابق مسلم عبدالله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الإقليم عاش ظروفا صعبة، والمواطن تحمل النتائج السلبية للأخطاء الكارثية التي وقعت بها أحزاب السلطة”.

ويضيف عبدالله “منذ أكثر من تسعة أعوام والمواطن الكردي يعيش ظروفاً مأساوية ولم يهنأ بحالة من الاستقرار المالي نتيجة لصرف راتبه الشهري كل 50 أو 60 يوما، إلى جانب الادخار الإجباري والاستقطاعات المجحفة التي مورست دون وجه حق”.

ويؤكد أن “كل هذه الظروف أدت لانهيار قطاعات اقتصادية مهمة في كردستان، كما أن نسب الفقر والبطالة زادت بطريقة مخيفة جدا، وقرار المحكمة الاتحادية الأخيرة بتوطين رواتب موظفي الإقليم سيخلق حالة من الاستقرار الاقتصادي ويساهم بإنعاش حركة الأسواق مجددا”.

وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في 21 شباط فبراير الجاري، حكما بإلزام كل من رئيس مجلس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، بتوطين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام لدى المصارف الاتحادية، كما قررت المحكمة أيضا إلزام تقديم الموازنة الشهرية لموظفي الإقليم لدى وزارة المالية الاتحادية، مع إلزام مجلس وزراء الإقليم بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية.

بدوره يشير الخبير الاقتصادي والأكاديمي في جامعة السليمانية خالد حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “إقليم كردستان يعيش حالة من عدم الاستقرار نتيجة الأزمات المتوالية والخلافات المالية بين بغداد وأربيل طوال السنوات الماضية”.

ويوضح حيدر، أن “أسواق الإقليم تعاني من ركود باستثناء المواد الغذائية والحاجات الأساسية الأخرى، لكن أسواق الحاجات الكمالية وغيرها ركدت بمعدلات رهيبة، وهناك أسواق تعرضت للانهيار بالكامل”.

ويلفت إلى أن “عودة صرف رواتب الموظفين عبر (الماستر كارد) ستكون له فوائد كبيرة، فالأسواق ستنتعش، خاصة إذا تسلم المواطن الكردي راتبه شهريا دون تأخير، حيث أن المواطن الكردي فقد الثقة بحكومة الإقليم لذلك اضطر إلى تقنين مصروفاته وشراء الحاجات الأساسية التي لا غنى عنها فقط، لكن إذا استقر صرف الرواتب فالحركة الشرائية ستعود لطبيعتها وتنشط الأسواق مجددا”.

وينبه إلى أن “توطين الرواتب ستكون له فوائد أخرى، كون المصارف الاتحادية لديها امتيازات أخرى، مثل القروض وبيع السيارات بالتقسيط، وسلف الزواج والبناء وغيرها، وهذه الأمور كلها تساهم بتحريك السيولة المالية التي غابت لسنوات عن الإقليم”.

وكانت حكومة إقليم كردستان قد انتهجت في العام 2016 سياسة “التقشف والادخار الإجباري” للموظفين باستثناء القوات الأمنية، وبدأ الادخار بنسبة من 15 بالمئة من رواتب الموظفين، مع استقطاع نسبة 50 بالمئة من الراتب التقاعدي للدرجات الخاصة في عموم محافظات الإقليم، إلا أن الأمر في محافظة السليمانية والإدارات التابعة لها كان مختلفا بعد نشوب خلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والأحزاب الكردية الأخرى حيث أن صرف رواتب الموظفين بات يتأخر لعدة أشهر وصلت في بعض السنوات إلى عدم صرف الراتب لمدة سنة أو أكثر.

بدورها تشير الباحثة الاجتماعية بمحافظة السليمانية، آواز كمال، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الأزمة المالية التي مر ويمر بها إقليم كردستان أثرت بشكل كبير ومفصلي على حياة المواطنين المعيشية”.

وتبين أن “من بين أبرز نقاط الأزمة المالية ما نشهده من حالات طلاق وجرائم اجتماعية نتيجة للأزمة الاقتصادية، وسيسهم قرار المحكمة الاتحادية البات والملزم للحكومتين الاتحادية والإقليم بتوطين رواتب الموظفين، بتقليل المشاكل الأسرية بشكل كبير، وسنخرج من هذه الورطة  التي يتحمل المواطن الكردي أعباء نتائجها”.

وتنبه إلى أن “الأزمة المالية وتأخر صرف الرواتب، أدت إلى أن يضطر المواطن الكردي إلى الاقتراض من أصدقائه أو من شركات الصيرفة وغيرها، وبالتالي أصبح عاجزا عن سداد الديون، وهذا فاقم المشاكل الاجتماعية، والكثير من المواطنين اضطروا للانتحار أو الهروب خارج الإقليم”.

ويرى مواطنون في كردستان من مختلف الاختصاصات أن هذا القرار ستكون له نتائج إيجابية كبيرة على مستوى تحريك عجلة الاقتصاد وعودة الحياة لطبيعتها في مدن الإقليم.

ويقول خليل محمد (42 عاما) وهو سائق سيارة أجرة “تكسي” في السليمانية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القرار ستكون له نتائج إيجابية ليس على الموظفين فقط، وأنما على كل الكسبة في كردستان، كون الموظف عندما يستلم راتبه بشكل منتظم سيقوم بصرفه على الأشياء التي يحتاجها، وهذه السيولة المالية ستدور على الجميع، وهذا ينعش الحياة مجدد”.

ويتابع “الموظف الذي لا يمتلك سيارة سيحتاج إلى سيارة أجرة للتنقل وقضاء حاجاته، ما يعني أنه سيعود عملنا إلى ما كان عليه قبل الأزمة المالية”.

وعاش إقليم كردستان ظروفا مأساوية أدت إلى سلسلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فمعدلات الفقر والبطالة ارتفعت بنسب كبيرة، كما أن المشاكل الأسرية داخل المجتمع الكردي زادت، نتيجة للأزمات المالية التي عاشها المواطن في كردستان.

بدوره يكشف النائب السابق في اللجنة المالية بالبرلمان الاتحادي أحمد الحاج رشيد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، تفاصيل عملية توطين رواتب موظفي إقليم كردستان، مؤكدا أن بغداد ستستمرّ بإرسال مبلغ 618 مليار دينار.

ويوضح في تصريح صحفي، أن “ديوان الرقابة المالية الاتحادي وصل حاليا إلى تدقيق نصف عدد موظفي الإقليم ويحتاج لفترة زمنية لتدقيق الأعداد الأخرى”.

ويرى أن “عملية توطين الرواتب تحتاج إلى فتح فروع لمصارف اتحادية وهي مصرفي الرافدين والرشيد وتوسيع فروع المصرف العراقي للتجارة الموجود في الإقليم، ولكنه لا يستوعب الأعداد الكبيرة للموظفين والمتقاعدين”.

إقرأ أيضا