البيان الأخير، أو الردود على الاستفسارات الموقعة بثلة من المؤمنين، كما هي العادة لمقتدى الصدر بالرد على أتباعه ومناشدتهم إياه بالرجوع عن قراره بالاعتزال السياسي، تشير ومما لاشك فيه للفلتان التنظيمي للتيار الصدري وتعدد الرؤى داخله بمجموعات أغلبها مسلح وكل يعمل على ليلاه تحت خيمة ذلك التيار.
مقتدى الصدر نفسه غير واضح بشرطه للعدول عن قراره، وما أكثر القرارات والعدول عنها بالنسبة لسماحته، مع ذلك لنركز في الشرط ذاته بتشكيل لجان من داخل التيار تتولى تطهيره من العناصر المسيئة، على حد قوله. من هي هذه اللجان؟ ومن أي التشكيلات تتكون؟ ولماذا هذا الإشهار الإعلامي بإصلاح البيت الداخلي الذي مارسه ويحاول توسيعه أكثر غريمك وحليفك كتعاقب الفصول الأربعة المجلس الأعلى الإسلامي؟ لماذا أنشأت كومونات باريسية الواحدة تلو الأخرى في جسد الكيان الصدري والتي أضحت متنافسة على توسيع النفوذ، وأحيانا تتصارع فيما بينها لإثبات الوجود؟ ثم انك في صراع قوي ومباشر لا يقبل التأجيل مع عصائب أهل الحق لقضم جرف نفوذك بأكثر الأماكن تحصينا لقوتك عقائديا وتاريخيا وهم مسلحون وممولون جيدا وذوو تأثير دعائي إعلامي أكثر تطورا من أدواتك الرمزية، فالكاريزما الثورية وحدها لا تكفي لرص صفوف المقلدين والأنصار. ولديك جبهات أخرى لا تقل سخونة عن وضع الداخل. تحالفات سياسية لم تكتمل فكرتها النهائية بعد لعزل الخصوم، فالمالكي، وهو ألد أعدائك، لا يحرق ورقة دون أن يطفئ أخرى قد أشعلها مسبقا. حملكم المسؤولية في أكثر من فشل كان آخره هروب السجناء من \”أبو غريب\”!! وورقته الجديدة اليوم مغازلته للأكراد وصداقته فجأة لأبي مسرور، وكالعادة على حساب الدولة ومواردها. يكسب خصما ويطيح بآخر وسيظل قويا سياسيا على الأقل لحين الانتخابات المقبلة رغم إخفاقه المريع في شتى المجالات.
وماذا عن السلاح سماحة السيد؟ لم تقنع الجميع بكلمة واحدة عن مبررات امتلاك جيش المهدي سلاحا لاسيما بعد زوال حجة المحتل. أما الإرهاب، فلا أرى كتائبك تطارده في سهل حمرين أو الصحراء الغربية،.بل فوهات البنادق موجهة إلى رؤوسنا إن أخطأنا أو زللنا لا سامح الله بما لا يتفق مع أمرائهم وليس حتى معك.
جيش المهدي، والتيار ككل، كتلة هلامية لا أرى قائدا لها بمعنى المسيطر على كل الأمور، وها أنت أكدت ذلك بهذه الخطوة، فأي ثقل سياسي غدا سيكون للتيار ومن يتحدث باسمه؟ من هو التيار فعلا؟ الأجنحة السياسية المتصارعة بداخله والمتوجة باغتيال العكيلي مثلا؟ أم سلطة مكتب السيد الشهيد الصدر؟ أم أمراء كتائب جيش المهدي؟ أم الممهدون؟ أم لواء اليوم الموعود؟ أم من؟
لا زلت اذكر الأهزوجة التي تداولها لسان الكثيرين من أتباعك بعد صدور قرارك بتجميد جيش المهدي \”السيد جندي بجيش المهدي وسرحناه\” هؤلاء الذين قالوها كانوا مقاتلين شرسين وعرفوا معنى قوة السلاح وامتيازاته من النفوذ والمال والسلطة ولن يتركوه أبدا لأنه صنعهم من العدم. هؤلاء سيتحكمون بتشكيل اللجان التي تتولى طرد من يختلف معهم على مصلحة هنا ومغانم هناك.
إن الشلل الذي تعاني منه في عدم الانصياع وكثرة الشكاوى من الإساءات للتيار من الطارئين عليه صنعته بيدك عندما فتحت الباب، لتبني موقف مقاومة المحتل – وهو إجراء يوتوبي ذو خطورة عالية عليك وعلى البلد كله بحساب ظرف المرحلة – على مصراعيه لكل الأنقياء والعاطلين عن العمل وانتهازيي الفرص. النقي جدا أمام قعقعة السلاح وأساطين المال يحجز كرسيا في مؤخرة الركب وهو ما يحصل حقا، وأتحدث عن شباب صدريين أعرفهم شخصيا وهم يئنون ولا يسمعون.
فتحت بابا لم تستطع إغلاقه، ولا تعلم حتى الآن – كما أظن – من يدير الدفة خلفك. نصف التعرف على أعدائك بالنظر تحت عباءتك، والنصف الآخر لهزيمتهم، حسب تسان تزو، من المؤكد أنه لا يمكن أن يكون بالاعتزال ولا الإعلان عنه بهذا المنطق التبريري الدرامي في فن الحرب الماكرة.