يوما بعد يوم نشيّع قافلة تلو الأخرى من الضحايا المدنيين، أطفالا ونساء وشيوخا، فقراء وأغنياء، كبارا وصغارا، بقّالين، عمال بناء، سائقي مركبات أجرة، مهندسين، أطباء، وغيرهم من أصحاب الشهادات، من مختلف الشرائح الاجتماعية العراقية. ولا أتحدث عن ضحايا الأجهزة الأمنية، فهؤلاء مغضوب عليهم من الجميع، وكأن قدرهم أن يموتوا بصمت دون أن يجدوا أحدا يدافع عنهم. نودع أعدادا مخيفة من الضحايا بشكل يومي، حتى أصبحت حفلات الموت وموجات الإرهاب الدموية كالنشرة الجوية حدثا يوميا روتينيا بامتياز.
لقد تقاسمنا الفشل إلى حد كبير في الحفاظ على دماء الأبرياء، تلاعبنا بمصائر الناس وتركناهم للقدر، لماذا لا نتحمل المسؤولية جميعا، ونضع النقاط على الحروف، نحن مجاملون جدا ونغلّب جانب المجاملات على المصلحة العامة. كثير منا يعرف الكثير عما يدور في الشارع العراقي من موج دموي مهول، ولكن ذلك الكثير \”وأنا منهم\” يتردد في وضع النقاط على الحروف، بذريعة أو بأخرى! ولذلك فنحن جميعا نتحمل المسؤولية عن حفلات الموت وعن جميع تداعياتها بشكل أو بآخر.
عذرا يا شهداء العراق جميعا، عذرا يا ضحايا السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، اعذروني لست أنا الشجاع الذي يشير إلى الحقيقة بكاملها، دائما أتستر بالعبارات مرة وبالأنساق مرة أخرى، من اجل التلميح من بعيد إلى القاتل الذي اعرفه تماما، واعرف كل شيء عنه واعرف لماذا يقتل، ما أدواته، وما هي الرسالة والأهداف التي يريد إيصالها حينما يحتفل يوميا فوق جثث الأبرياء، واعرف أيضا متى يتوقف عن صناعة الموت!!!.
لست شجاعا بما يكفي يا ضحايا الإرهاب، كي اعترف بكامل الحقيقة، أخاف أنا ويخاف غيري، ونضحك على أنفسنا بحفنة من الشعارات ثم نذرف الدموع، وبذلك ينتهي المشهد لنسوق قافلة أخرى من الضحايا إلى الموت. عذرا منكم وممن يلتحقون بكم، فسلسلة القوافل من الأبرياء طويلة جدا، أراها ممتدة مع بامتداد الأفق للأسف الشديد. كلما استمرت نخبتنا بهذا الأسلوب المجامل حد النخاع والمتردد في قول الحقيقة، ازدادت قوافل ضحايانا أكثر فأكثر.
gamalksn@hotmail.com