عراقيون تركوا شققهم في سورية يعيشون كابوس (تدميرها) كل يوم وينتظرون أراضي (الهجرة)

قبل مدّة سمعتْ إيمان النقشبندي أن منزلها الذي تركته فارغا في سوريا تعرّض للقصف، وأصبح \”تراب\”، بحسب ما نقل لها أحد أصدقائها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ضغطها.

عاشت إيمان نحو 8 سنوات في سوريا، ولهجة أولادها الآن خليط بين اللهجتين البغدادية والشامية.

إلا أن إيمان سرعان ما اكتشفت أن المنزل الذي أسست كل زاوية فيه على هواها وذوقها، بخير، ولم تبلغه القنابل والهاونات التي تتقاذها المعارضة والنظام السوري، بعد.

واندلعت في سوريا منذ أكثر من عامين حركة احتجاجية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتحولت مع الزمن إلى نزاع مسلح دام، حصد نحو 70 ألف قتيل، بحسب الأمم المتحدة.

وإبان الاقتتال الطائفي الذي اندلع في العراق عام 2006، اشترى الكثير من العراقيين شققا في دمشق. كانت أسعار تلك الشقق مناسبة حينها، وإثر رغبة العراقيين بشراء مساكن لهم، بدأت حركة إعمار واسعة في سورية. لكن القانون حينها، لم يسمح للعراقيين بتملك العقارات، ما دفع الكثير منهم إلى تسجيلها باسم أصدقاء سوريين.

إيمان أيضا سجلت الشقة التي تملكها في منطقة حرستا في ريف دمشق باسم صديقتها السورية. ولم تستطع بيعها مع تفاقم الأزمة السورية واشتداد القتال بسبب انخفاض الأسعار بشكل كبير، لذا قررت الإبقاء عليها \”عسى أن تعود دمشق آمنة مثلما كانت في السابق\”، كما تؤكد لـ\”العالم الجديد\”.

وتعاني إيمان من كابوس يومي بتعرّض شقتها لقذيفة من أحد طرفي النزاع. تفيق بعد كل حلم مزعج إلى موبايلها \”لتطمئن على ما تبقى لها في أرض الله\”، تقول.

وليست إيمان وحدها من تعاني هذا القلق المزمن على مسكنها في العاصمة السورية، فهناك عراقيون كثر غيرها، تركوا \”آخر ما يملكونه دون أن يعرفوا مصيره\”، كما يقول محمد القيسي.

محمد هو الآخر ترك شقته خالية وجاء إلى بغداد وعائلته بملابسه فقط. ترك شقّة بأفخم الأثاث، وأعاد \”السوبر ماركت\” الذي استأجره إلى أصحابه بسبب الأوضاع التي اشتدت في منطقة داريا التي يسكنها.

سيطر السلفيون، كما يقول في حديث لـ\”العالم الجديد\”، على كل المنطقة قبل عام، وبات البقاء يشكل تهديدا على حياته، وخاصة بعد أن ظهرت موجة لخطف العراقيين في العاصمة علي أيدي تنظيمات سلفية للحصول على فدية مقابلهم.

لا يعرف محمّد شيئا عن شقته الآن، وجاره الذي كان يطمئنه على حالها ترك المنطقة بسبب اشتداد القصف هناك.

وجاءت سوريا في عام 2009 بالمرتبة الأولى في نسبة عدد المهاجرين العراقيين خارج البلاد، حيث بلغ عددهم في جميع محافظات سورية في السنوات العشرين الماضية بحدود مليوني شخص. وظل هذا العدد يتأرجح صعوداً ونزولاً وفقاً للحالة السياسية والأوضاع الأمنية غير المستقرة في العراق.

وإبان الاقتتال الطائفي، اعتبرت سورية معبرا أساسيا لعدد غير قليل من العراقيين إلى الدول الأوربية أو محطة يرجعون منها إلى العراق مرة أخرى بعد أن تنفذ مدخراتهم.

ولن يتوقف العراقيون إبان تلك السنوات عن شراء مساكن لهم، فالميسورون منهم اشتروا سيارات، بالرغم من أن أسعارها مرتفعة في سوريا. هذه السيارات بيع بعضها بأثمان بخسة، وبعضها الآخر تعرّض للسرقة.

وتعرّض عمر الدوري العام 2012 لحادث سرقة سيارته على طريق جديدة في ريف دمشق. لم يعرف أشكال أو انتماء الأشخاص الذين ضربوه وأخذوا سيارته منه وسط الطريق العام.

يملك أهل عمر أيضاً \”فيلا\” في منطقة خان الشيح. وهم أيضا تركوها وذهبوا إلى تركيا بعد أن هددوا في العراق بالتصفية علي أيدي ميليشيات بسبب وظيفة الطيار التي كان يمارسها والدهم في الثمانينيات والتسعينيات، فضلا عن قربهم العائلي من الرجل الثاني في حزب البعث المحظور عزّة الدوري.

وفي شهر أيار من هذا العام، حاول وزير الخارجية السوري وليد المعلم، طمأنة العراقيين عند زيارته إلى بغداد بالقول إن الوضع في بلاده جيّد ومسيطر عليه، ونقل قرار السماح بدخول السياح العراقيين بدون تأشيرة الدخول \”الفيزا\” والتي كانت تمنح مقابل 50 دولارا لإعادة إحياء السياحة في دمشق، إلا أن محاولته باءت بالفشل بإقناع العراقيين بالعودة إلى سوريا.

إيمان ومحمد لا يملكان في \”بلاد الله الواسعة\” غير شقتيهما التي اشترياها بدمشق، بعد أن ساعدهما أهاليهما في العراق وخارجه بتسديد سعرهما، وهما ينتظران الآن إيفاء وعود وزارة الهجرة والمهجرين بمنحهما قطعتي أرض سكنيتين في بغداد، إلا أن عيونهما تظل ترقب شاشات التلفاز وهما يتابعان الأوضاع خشية تعرض سكنيهما إلى قذيفة من طرفي النزاع في سورية، فيفقدان كل ما يمتلكانه.

إقرأ أيضا