ما إن أسقط وزير الدفاع المصري (السيسي) – ومن خلفه المؤسسة العسكرية – الرئيس الاخواني المنتخب محمد مرسي بلكمة قاضية أطاحته أرضا وأبعدته عن الكرسي، والعراقيون يتفاعلون مع الأحداث المصرية على نحو منقطع النظير، إلى درجة أن المناوشات الطائفية فيما بينهم التي كانت تحدث فيسبوكيا جزرت وكادت تختفي تماما.
التيار الأول، ينحازون تماما لمرسي، ويسمون ما جرى انقلابا، ويرددون شعارات الاخوان المسلمين ويصدقون على مضض كل ما يقولون ويهاجمون كل من يؤيد العسكر ويباركون المخالفين… ويمثل هذا التيار \”اخوان العراق\” والمتعاطفين معهم.
التيار المعاكس، (يركص بجفية) لما جرى ويمجد السيسي ويعده نسخة حديثة لعبد الناصر ويتعامى عن العنف المفرط، ويتمنى أن تهب السماء العراق (سيسيا) يخلصه من السياسيين الذين اهلكوا الحرث والنسل. انه تيار المدنيين الناقمين على الأحزاب الدينية.
أما العراق المسكين فقد شهد مؤخرا تصاعدا خطيرا للعنف، تموز شهر حصاد الحنطة والشعير خاصة في نينوى، كان هذا العام حصادا للأرواح بامتياز؛ بلغت الغلة فيه أكثر من ألف قتيل من كل الألوان والأعمار والمحافظات، بيد أن ردة الفعل الشعبية والرسمية إزاء هذه الإبادة الإنسانية لم تكن تتناسب مع حجم الكارثة. شعبيا كان لمصر خاصة بعد فض اعتصام رابعة \”الدموية\” نصيبا وافرا من التفاعل، اذ أجد أن عراقيين كثرا ارتدوا كلابية الكدعان واخذوا يكتبون بلهجة مصرية قح واضربوا عن أكل لحم الغنم وقيمر بيت شلاوي المصلاوي ليستعيضوا عنه بفول مدمس عند (فلافل بدر).
اعذروهم، فعندما أجر إلى حوار افتراضي أو واقعي، عما يدور بين المصريين أتحسس جيدا ساعتي السويسرية قبل أن أتفوه أو اكتب كلمة واحدة طمعا في الحياد لكنني افشل في كل مرة، لذا كل ما أدعو إليه أن نهتم ببلدنا ونترك الآخرين يحلون مشاكلهم بأنفسهم، حتى بت اعرف مسبقا رد المخالفين وهو الحديث النبوي الشريف: \”من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم\”، فكتبت ذات مرة: إذا كنت مهتما لأمر المسلمين في العراق، ولم اهتم لأمرهم في مصر أو أي بلد آخر، فهل أنا مسلم أم لا ؟ وما زلت أتساءل.
باختصار: إننا نحب مصر ويعنينا أمرها كثيرا لكن لا خوف عليها، ففيها مثقفون وسياسيون وناشطون مدنيون بالجملة، ومؤسسات مدنية وعسكرية قوية وراسخة. وهناك أيضا روح وطنية عالية وشعور عظيم بالمسؤولية، وهذا كفيل بإعادة بناء البلد (لن يعيد الضحايا بالطبع).
لكن الخوف كل الخوف على العراق، إذ أننا فارغون إلا من \”هواء\”!
لا دولتنا دولة، ولا جيشنا جيشا… لا المتدينون متدينين، ولا الوطنيون وطنيين، وما أبرئ نفسي.