صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عربة واحدة في قسم الباطنية

الساعة 6 مساء!، قسم الطوارئ يكتظ بالناس، حالات متعددة، لاسيما حوادث السيارات أو الدراجات النارية، ولا ننسى كسور كرة القدم، بينما نحن الثلاثة كنا مهمومين في رجل ستيني مصاب بجلطة دماغية، تتخللها كل فترة نوبات أشبه بالهزات الارتدادية للزلازل. يبدو أن كل أمر له هزة ويترك أثرا في حياتنا. الطبيب المقيم في الطوارئ يبذل كل ما في وسعه مع معاونيه لإسعاف هذا والتأكد من أن الآخر لا يزال على قيد الحياة، واصفا لثالث غيرهما ما ينفعه من الأدوية كي يجلبها له مرافقوه من الصيدلية.
كان هناك طفل ممدد على أحد الأسرّة وحوله يتجمع ناس يحدقون به.. يبدو أنه تعرض لحادث ما. تعرف هذا من مرافقة رجل الشرطة لهم ودخول أشخاص يرتدون الملابس العربية \”ناس خيرة\” ليتم التفاوض مع أبيه على أخذ \”عطوة\” إلى حين تستقر الأمور بالصغير كي يتم تقرير الخطوة القادمة. مريضنا ما زال يعيش حالة من اللاوعي تتركها به هذه النوبة التي نخشى أن تتحول إلى جلطة دماغية بإمكانها أن تأخذه إلى الجانب الآخر بكل سهولة، وهذا ما قاله الطبيب اللبناني في المستشفى الفرنسي ببيروت عندما ذهب إلى هناك لأجل العلاج.
المستشفى الفرنسي الذي تنفتح نفس الإنسان للحياة ويشعر بالأمل بمجرد رؤية حدائقه الجميلة، هكذا وصفه لي ابن عمتي الذي كان يرافقه هناك، فيما كان الالتزام بالعمل حجر عثرة بيني وبين رؤية بيروت الجميلة. الطبيب يقضي بإبقائه تحت المراقبة 24 ساعة لأن حالته ما زالت قلقة. نصعد به إلى الطابق الثاني حيث قسم الباطنية –الرجال– ليبقى تحت هذه المراقبة في مستشفى الفيحاء العام بمحافظة البصرة.
مستشفى الفيحاء العام هكذا صار اسمه بعد 2003 حيث كان يعرف سابقا باسم \”المستشفى العسكري\” لأنه كان مخصصا لمعالجة الجيش العراقي السابق في كل حروبه المدمرة التي أرسلت الملايين من العراقيين إلى النسيان. هذا المستشفى مرّ بأعمال تطوير عديدة من 2003 وإلى هذا اليوم حيث تم صرف مبالغ كثيرة بغية جعله يبدو بمنظر جميل. يشعر من ينظر إليه ومن يدخل من أبوابه أن هناك أملا في إزاحة غبار الماضي والانطلاق إلى المستقبل، حيث تم تغليفه بالكامل واستحدثت أقسام جديدة فيه وجرى تطوير الردهات والأرضيات وإضافة مصاعد كهربائية وبناء عدة مرافق ملحقة به لكي يستوعب الأعداد الكثيرة التي تزوره للرقاد فيه إلى أن تتماثل للشفاء، والآن يتم بناء مجمع بنايات كبيرة لكي يكون مستشفى مستقلا ومتخصصا بأمراض الباطنية حصرا.
بعد كل هذه الأموال المصروفة والجهود؛ نرى أن قسم الباطنية الذي شمله التطوير والتحديث أيضا، ويرقد فيه عشرات المرضى، لا يوجد فيه إلا عربة واحدة تضطر إلى الانتظار كثيرا، والطلب من هذا المريض وحث ذاك حتى تأخذ بواسطتها مريضك إلى شعبة المفراس مثلا، أو إلى الحمام، وإلى قسم التحليلات المرضية. عربة واحدة يتيمة يتناوب عليها كل المرضى هناك للأسف بعد كل هذه الجهود.
هذه العربة المنفردة توضح لنا أننا دائما نضيع كل الجهود الكبيرة التي نبذلها بترك وإهمال التفاصيل الأخرى التي يمكن ألا نبالي بها، أو نشعر بعدم أهميتها، مع أنها قد تتسبب بضرر كبير عند تركها.
وفي حالتنا هذه فإنها قد تؤدي بالإنسان إلى الوفاة مثلا عند عدم إدراكه وأخذه إلى قسم المفراس ليتم تشخيص الإصابة بسرعة كي يكون العلاج سريعا، لكن إذا تم الانتظار حتى ترجع العربة من سفراتها الكثيرة وحتى يصل المريض الدور فانه قد يكون قضى نحبه.. وبمثل عربتنا هذه تضيع كل الجهود.
* كاتب عراقي

إقرأ أيضا