بداية أرجو من القراء الأعزاء وهيئة تحرير (العالم الجديد) قبول اعتذاري الشديد بسبب عدم كتابتي عمودي (سيناريو) في الأسبوع الذي مضى، نعم فقد كنت أشارك اخوتي واصدقائي في اعداد الترتيبات الضرورية لعرس جميل، فيه تزف بغداد الى عشاقها وعشاق الجمال من المسرحيين العراقيين والعرب والأجانب، فعلى حد علمي، هذه لأول مرة في العراق يقام مهرجان دولي للمسرح تشارك فيه عدة فرق مسرحية من عدة دول من العالم.
ليس جديدا على العراق اقامة مهرجانات مسرحية كبيرة. لا زلت اذكر المهرجان العربي الأول للمسرح والذي أقيم في منتصف الثمانينات وقتها حضر الفنان حسين فهمي والفنان محمود ياسين لتقديم مسرحيتهما (اهلا يا بكوات) وكذلك اذكر الحضور المتميز للمسرحية الجزائرية (العيطة)، نعم فقد كان مهرجانا عربيا كبيرا لا زلنا نستذكره باحترام.
الجديد في عرسنا اليوم (مهرجان بغداد الدولي الأول للمسرح) انه أقيم ونجح في ظرف استثنائي بامتياز وألم. في مهرجان المسرح العربي الأول كان هنالك جهد دولة كامل يدعم أحلام القائمين عليه، وزارة الاعلام ووزارة الثقافة واتحاد الادباء الشباب وجهات أخرى، اليوم لا احد يقف وراء هذا المهرجان سوى مجموعة من الشباب، ولي الشرف ان أكون احدهم كعضو في اللجنة الاستشارية للمهرجان، نعم مجموعة من الشباب الحالم بعراق جديد، يعلو فيه الصراخ على خشبة المسرح، الصراخ بالجمال بدل الصراخ بالقبح من على منابر النفاق الوطني والديني الطائفي، وربما لهذا السبب، تم اختيار مسرحيتي (عربانه) التي تدين كل الأنظمة التي حكمت العراق سابقا ولاحقا، هذه الأنظمة التي لم توفر لـ (حنون) العربنجي بطل المسرحية، حياة افضل كانسان، تم اختيارها لتفتتح ليالي المهرجان، ورغم ان المنافقين همسوا في آذان القائمين على المهرجان بان نص حامد المالكي (ملغّم) وانه ينتقد السياسيين الجدد، الا ان شجاعة رئيس المهرجان الصديق الشاعر نوفل أبو رغيف مدير عام دائرة السينما والمسرح، حالت دون الوقوف بوجه العرض والذي حاول البعض منعه الى اخر لحظة مهرجانية.
وصف الكاتب العراقي الساخر وجيه عباس عمل الافتتاح (مسرحية عربانه) بانه معارضة سياسية على خشبة المسرح، ولم لا؟ دائما اقول نريد معارضة مثقفة، معارضة إنسانية متقدمة نريد معارضة تعارض بالجمال والابداع لا بالقتل والموت، نريد معارضة تقف مع الحكومة في موقف واحد وان كان بعكس الاتجاه، موقف الناقد لا الناقم، موقف الناصح، لا الفاضح، موقف الرقيب الذي يسهر من اجل راحة الشعب. الموجود الان ان كل الأحزاب تريد ان تحكم، وكلها تريد ان تعارض، قدم في الحكومة وأخرى في المعارضة ويبقى (حنون) النموذج العراقي لبو عزيزي التونسي يدفع بعربة الخضار في شوارع بغداد حتى انه يفكر بحرق نفسه لكن قلبه المتعب يتوقف ليلا اثناء نومه لينتقل الى عالم الموتى، فيقابله منكر ونكير وبدل ان يحاسبانه، يحاسبهم هو على حياته التي عاشها ضحية لجنرالات الحروب العقيمة ولسياسيي الفساد اليوم.
شكرا لمن خطط لهذا المهرجان العرس، شكرا لمن دعم، شكرا لمن شرفني باختياري انا ومجموعة كبيرة من المبدعين كعضو في اللجنة الاستشارية، شكرا لمن مهد الطريق لينطلق المهرجان فوق عربة حنون، تلك العربة التي تمثل الانسان العراقي المسحوق.
في نهاية المسرحية، ينادي حنون، مثّل الشخصية النجم (عزيز خيون) من الجنة لزوجته فضيلة والتي أدت شخصيتها المبدعة لمياء بدن، ينادي:
– فضيلة لا توقفي صرير العربة
في إشارة من حنون (الانسان العراقي) بضرورة الاستمرار في الحياة من بعده، وفي النهاية نرى تمثال حنون مكان تمثال صدام في ساحة الفردوس، نعم، فالنُصب والتماثيل للبسطاء، لا للرؤساء.
ألم اقل لكم انه عرس بغدادي؟