ما زالت الصراعات الداخلية تسيطر على قضاء سنجار في محافظة نينوى، نتيجة اختلاف تبعياتها المحلية والإقليمية، مما يؤثر على ملف عودة النازحين إليه، في الوقت الذي تتكرر فيه تصريحات المسؤولين التي يؤكدون من خلالها إنهاء ملف النازحين وغلق مخيماتهم في جميع أنحاء العراق.
ومع تقاسم ثلاث قوى سياسية ومسلحة مناطق أقليات نينوى ومن بينها سنجار، حذرت منظمة حقوقية دولية، اليوم الإثنين، من قرار غلق المخيمات في كردستان، مؤكدة أن ذلك يهدد سلامة نازحي سنجار.
يشار إلى أن إدارة مناطق سنجار وسنوني والقيروان وربيعة والقحطانية، مقسومة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والإطار التنسيقي وفصائل مسلحة مقربة من حزب العمال الكردستاني، بحسب مصادر محلية.
إذ اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان في بيان لها أطلعت عليه “العالم الجديد”، أن “توجه وزارة الهجرة والمهجرين العراقية لإغلاق مخيمات النازحين في إقليم كردستان العراق، يهدد سلامة النازحين من قضاء سنجار لكون مدينتهم ما زالت تفتقر للخدمات الأساسية.
وقالت باحثة العراق في المنظمة سارة صنبر، إن “العديد من السنجاريين يعيشون في المخيمات منذ 2014، ويستحقون العودة إلى ديارهم، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة وطوعيّة ونظراً إلى نقص الخدمات والبنية التحتية والأمان في المنطقة، فإنّ الحكومة تخاطر بمفاقمة الوضع السيئ أصلا”.
ووفقاً لمنظمة الدولية للهجرة، “ما يزال نحو 183 ألف شخص من سنجار نازحين، وهذا يشمل 85% من السكان الإيزيديين في القضاء، في الوقت الحالي، تستضيف 65% من البلدات والمدن في سنجار نصف سكانها الأصليين أو أقلّ، بينما لم تشهد 13 بلدة أيّ عودة على الإطلاق منذ 2014”.
وفي 24 كانون الثاني يناير الماضي، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين أن الموعد النهائي لإغلاق المخيمات هو 30 تموز يوليو المقبل، ولتشجيع العودة، أعلنت الوزارة أيضاً عن حزمة من المساعدات والحوافز للعائدين، منها مبلغ يدفع مرة واحدة بقيمة أربعة ملايين دينار عراقي (نحو ثلاثة آلاف دولار) لكل أسرة، وبعض الوظائف الحكومية، وفوائد الضمان الاجتماعي، وقروض للمؤسسات التجارية الصغرى بدون فوائد.
وفي 19 آذار مارس الماضي، زار وفد من مكتب رئيس الوزراء مخيم جمشكو في دهوك، وقال معلّمٌ، وهو أحد سكان المخيّم لـ”هيومن رايتس ووتش”، حضر الاجتماع مع الوفد: “حددوا ثلاثة خيارات للنازحين: العودة إلى سنجار، أو الانتقال إلى مدن أخرى خاضعة للسلطة الاتحادية، أو البقاء في إقليم كردستان لكن خارج المخيّمات، لكن على الحكومة أن تقدّم لنا تعويضات لإعادة بناء منازلنا وتوفير الخدمات قبل أن تتوقع منا العودة”.
ووجدت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته في 2023 أنّ العوائق الرئيسيّة أمام عودة السنجاريين هي تقاعس الحكومة عن تقديم تعويضات عن فقدان ممتلكاتهم وسبل عيشهم، وتأخر إعادة الإعمار، والوضع الأمني غير المستقرّ، وانعدام العدالة والمحاسبة عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحقهم.
وفي آيار مايو 2023، وجدت المنظمة ألّا أحد من سنجار حصل على تعويض مالي على خسارة ممتلكاته وسبل عيشه كما ينصّ على ذلك القانون رقم 20 لعام 2009، إذ تمت الموافقة على 3500 طلب في انتظار السداد من قبل الدائرة المالية في نينوى، حيث أنه بحلول شباط فبراير 2024، ارتفع عدد الطلبات المكتملة إلى 8300، دون أن يحصل أي شخص على أي مدفوعات، وفق ما قال لـ”هيومن رايتس ووتش” القاضي عمار محمد، وهو رئيس لجنة التعويضات في تلعفر، التي تشرف على اللجنة الفرعية للتعويضات في سنجار.
وعلى مدى الأشهر الماضية، قال العديد من المسؤولين الحكوميين لباحثة “هيومن رايتس ووتش”، إنّه “سيتمّ قريبا الإفراج عن الأموال المخصّصة لدفع تعويضات السنجاريين، وأكّد أحدهم أن ذلك سيتم “في أقرب وقت الأسبوع المقبل، وأنّ الانطلاق في مشاريع إعادة الإعمار وشيك. ولكن بعد مرور سنة، لم يحصل تقدم كبير”.
فيما، قال مسؤولان حكوميان لـ”هيومن رايتس ووتش” إنّ “التأخير في صرف التعويضات كان ناتجاً عن “مشاكل في الميزانية” حالت دون دفع الأموال المخصّصة، دون تقديم تفاصيل إضافية.
ويشكل قضاء سنجار، نقطة خلاف بين بغداد وأربيل، كونها ضمن المادة 140 من الدستور وماتعرف بالمناطق المتنازع عليهان وسبق للحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وأن وقعت اتفاقا مع حكومة أربيل سمي بـ”اتفاق سنجار”، ويقضي بطرد الجماعات الخارجة عن القانون، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني والفصائل المرتبطة به، فضلاً عن إدارة مشتركة بين الإقليم والحكومة الاتحادية للقضاء ذو الغالبية الإيزيدية.
لكن “اتفاق سنجار” لم ير النور، بسبب رفض الحشد الشعبي والفصائل الإيزيدية له، حتى خرجت تظاهرات كبيرة، تعلن رفضها تنفيذ الاتفاق، كما أبدوا رفضهم لعودة الحكومة المحلية إلى سنجار، كون الحكومة المحلية ومنها القائممقام مرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني.
وكانت “العالم الجديد”، كشفت منتصف نيسان أبريل الحالي، أن مجلس محافظة نينوى سيصوّت على تعيين رؤساء وحدات إدارية جديدة لأقضية مخمور وشيخان وناحية بعشيقة وبرطلة، تحت إدارة تابعة للإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وبابليون برئاسة ريان الكلداني وممثلي كوتا الإيزيدية والشبك، وسط إبعاد الحزب الديمقراطي الكردستاني عن المناصب المهمة، حيث تمت إقالة مدير صحة نينوى الذي ينتمي للديمقراطي، كما سيتم التصويت على إقالة مدراء الزراعة والبلديات، وقائممقام سنجار ومخمور وشيخان وجميعهم ينتمون للحزب الديمقراطي.
ووصل عدد أعضاء الإطار التنسيقي في مجلس نينوى، بحسب المصدر، إلى أكثر من 18 عضوا من مجموعة أعضاء مجلس محافظة نينوى البالغ عددهم 29 عضواً، بعد انضمام أعضاء آخرين من كتل أخرى إلى الإطار، وخاصة تحالف بابليون برئاسة ريان الكلداني.
ويعد ريان الكلداني، أحد الشخصيات المثيرة للجدل داخل المكون المسيحي، كونه أول من يشكل فصيلا مسلحا داخل الحشد الشعبي يضم مقاتلين مسيحيين، وهو ما ترفضه الكنيسة الكلدانية في العراق.
واجتاح تنظيم داعش في الثالث من آب أغسطس 2014 قضاء سنجار في محافظة نينوى، وارتكب مجازر دموية حيث قتل الآلاف من الشباب والرجال وكبار السن، فيما اختطف ما يزيد على الخمسة آلاف طفلة وشابة وامرأة، كما دمر معظم المنازل والمباني والبنى التحتية فيما قام بتفخيخ المنازل المتبقية.
ومنذ تحرير القضاء من قبضة التنظيم في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2015، عادت العديد من العوائل النازحة من مخيمات النزوح إلى مناطق سكناها إلا أن أغلبها عادت مجددا إلى المخيمات لانعدام الخدمات إلى جانب أن منازلهم كانت مهدمة بالكامل أو بشكل جزئي.