صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عن البيئة والبرد وأشياء أخرى!

عقد في وارشو قبل أيام مؤتمر الأمم المتحدة عن المناخ. حضر المؤتمر رؤساء الدول الكبرى مع وفود رسمية تصاحبها وفود منظمات ونشطاء مجتمع مدني يعملون في بلدانهم من اجل الحفاظ على البيئة وعدم تدمير الطبيعة. المؤتمر يعتبر من أهم المؤتمرات العالمية قاطبة وذلك لما يشكل تغيير المناخ من تحدٍ للوجود الإنساني ومدى تحمل هذا الكوكب الذي نعيش عليه من تعدٍ صارخ وجهل وتدمير من طرف الإنسان. وسائل الإعلام الرسمي والشعبي في أغلب دول العالم مشغولة بقضية المناخ وكيفية ترشيد الطاقة حتى يستفيد منها اكبر عدد ممكن من الأجيال.

 العراق كان مشاركا بوفد رسمي ترأسه وزير البيئة السيد سركون لازار صليوة. ومنذ انتهاء المؤتمر وأنا أتابع الموقع الرسمي لوزارة البيئة فلم أجد فيه أي خبر عن المؤتمر وليس هناك أخبار تهم البيئة بشكل مباشر. جل ما يدور هو أخبار عن فعاليات لا علاقة لها بالموضوع. وحتى نكون في الصورة إليكم هذا الخبر أدناه الذي قصصته وألصقته نصا من موقع الوزارة:

(انتخاب وزير البيئة سركون صليو لتمثيل قارة آسيا والمحيط الهادي في المؤتمر الدبلوماسي الدولي  لإقرار اتفاقية الزئبق).

للأمانة فان موقع السيد الوزير الالكتروني جميل جدا ومليء بالأخبار المهمة والطازجة لكن هناك شيئا بسيطا وهو ان الموقع لا يتكلم عن البيئة ولكن يتكلم عن السيد الوزير سركون سالار صليوة.

مثلما ترى عزيزي المواطن كيف أن السيد وزير البيئة لا يقل شهامة وتفان عن نظرائه في الحكومة العراقية. يا بيئة يا بطيخ!

أهم شي الزئبق.

هناك رواية لم أتحقق من صحتها لكنها شائعة جدا. تقول الرواية ما معناه أن أهل العراق خذلوا احد القادة في حرب معينة إذ تعذروا بشدة الحر مرة وبقسوة البرد مرة أخرى. الذي يعنيني هنا لماذا نصدق ملايين الأساطير والقصص الملفقة التي ﻻ يسعها عقل، وﻻ نصدق هذه القصة المعقولة وإن كانت كاذبة هي الأخرى. البرد والحر يرتبطان ارتباطا وثيقا بالإيمان.

في أوكرانيا يتظاهر الناس منذ أسابيع طويلة في العاصمة كييف. يأتي المتظاهرون من مناطق بعيدة ونائية للعاصمة رغم صعوبة الطريق والأهم تكلفته المادية لأغلبية الناس. ثمن تذكرة القطار أو الباص مكلفة جدا. لكنهم ورغم السفر الطويل ومشقة الوصول إلى مكان التظاهر فإنهم يأتون بطرق مختلفة ويحاولون أن يجدوا حلوﻻ عملية لغرض الوصول الى العاصمة والتظاهر هناك أمام مقر الحكومة لذلك نظموا أنفسهم على شكل جماعات صغيرة او كبيرة لغرض تأجير أو الحصول على حافلة مجانا لنقلهم كذلك أسهم الكثير من أهالي العاصمة كييف بفتح بيوتهم لمبيت المئات من الشباب الغاضب. حتى ﻻ ننسى فان درجة الحرارة في أوكرانيا هي تحت الصفر انجماد كامل وصقيع شامل يعم البلاد لكنهم عازمون على تحقيق أهدافهم ومنها العيش الكريم وتوفير الخدمات وإيجاد فرص عمل، والأهم يحاولون إجبار الحكومة على توقيع الاتفاقية الأوربية التي تخفف الكثير من معاناة الشباب العاطل عن العمل وفتح أبواب أوربا أمامهم.

البرد لم يوقفهم. يا شلغم وراشي؟!

في العراق يحيي الشيعة هذه اﻻيام مراسم زيارة الأربعين وذلك مشيا على الأقدام. الزوار يأتون من مناطق ومدن بعيدة أطفالا وشيوخا مرضى وأصحاء نساء وشابات. الزيارة تستغرق لبعضهم أسبوعا أو اثنين أو حتى ثلاثة أسابيع. الطريق طويلة والطقس بارد جدا. في طريقهم يجد الناس ما يحتاجونه من مأكل ومشرب ومنام. الجميع يقوم بهذه الخدمة حسب ما يسمونها عن طيب خاطر وبرغبة كبيرة، بل هناك مبالغات غير معقولة تحدث للتسابق على من يستضيف الزوار في بيته ويطعمهم ويقوم على خدمتهم. الزوار مستمرون وكذلك مضيفيهم من اجل ضمان شفاعة بعد الموت. 

موجة البرد تصل إلى مواقع التواصل اﻻجتماعي خصوصا الفيسبوك. هناك كلام كثير عن البرد وعن عدم القدرة على الحركة والبقاء في البيت والتغني بجدر الشلغم والحمص وأطباق الحلويات والمعجنات والشاي وكل ما يخطر على بال العراقي من مدفئات ومهدئات وكربوهيدرات . هناك فائز كبير في هذه الموجة اقصد موجة البرد اﻻ وهو المدفأة العراقية الصنع ماركة (علاء الدين) التي احتلت الصدارة في صفحات فيسبوك بل بعضهم استخدمها كصورة بروفايل ليضفي على صفحته المزيد من الدفء. ﻻ أحد يتكلم عن التظاهرات الآن. الجو بارد حقهم.

ﻻ أريد أن أتكلم عن القصائد التي كتبت عن البرد وكيف يصف فيها الشاعر/ة قسوة البعد والفراق وكم هو أو هي بحاجة إلى لقاء يزيل الصقيع والبرد.

ﻻ يدفئني شيء الآن

البرد يتوغل في عظامي

هل لي أن أحضنك

حتى أشتعل.

أو أخرى تقول لحبيبها البعيد:

وحيدة مع البرد والعواصف

أين أنت يا شمسي؟

تعال وأشرق علي.

حقيقة قصائد ومشاعر تقطع نياط القلب يكتبها أو تكتبها الشاعرة أو الشاعر بينما إبريق الشاي وقدر الشلغم والدبس والراشي يقللان من وحشة البعد وقسوة الشتاء. 

ليس في اﻻمر من سر عندما تقرأ في تاريخ الثورات في العالم وخصوصا في بلدان العالم الثالث؛ فإنها أي الثورات قامت كلها أو أغلبها في فصل الصيف. والثورات العربية في رأيي هي انقلابات عسكرية لا ترقى إلى فعل الثورة. الثورة الحقيقية التي حدثت في العالم العربي هي انتفاضة العراقيين في آذار 1991 وثورة تونس وبقية دول الربيع العربي هذه حدثت خارج فصل الصيف لذا.. مثلما ترون الوضع لا يسر أحدا.

مفارقة؟! أليس كذل؟

إقرأ أيضا