فؤاد سالم فنان ملتزم لم يتم إنصافه

“فؤاد سالم.. صوت الوطن والناس”، عنوان كتاب صدر عام 2021 عن دار نشر ومنشورات جلجامش، للسيد زيدان الربيعي، تجاوزت عدد صفحاته 400 صفحة، واشتمل على 14 فصلا لكنها غير متوازنة في عدد الصفحات، وربما الضرورة أوجبت ذلك، تطرق الفصل الاول الى النشأة والبداية والتألق في بغداد، حيث ولد فؤاد سالم أو فالح حسن جاسم بريج المالكي، كما هو أسمه الصريح في 25/ 11/ 1945 في حي التميمية بمنطقة الخندق في محافظة البصرة من عائلة معروفة ولها سمعة طيبة وكبيرة تمتلك اراضي واسعة، وقد توفي والده وهو في ريعان شبابه، وكان فؤاد بعمر أربع سنوات، بعدها عاش مع شقيقته من امه وابيه بأحضان عائلة عمه الحاج كاظم بريج الذي لم يقصر في تربيتهم واصبح له شقيق من امه التي حرما من حنانها بعد وفاة ابيهم وكانت في عز شبابها، وفي الحقيقة حرما من حنان الام والاب معا، كما لم يستطع حضور وفاتها منذ مغادرته العراق عام 1977 هروبا من ملاحقات النظام الدكتاتوري المستبد الذي حارب الجميع، وله تحديدا بسبب امتناعه عن التطبيل لراس النظام ولانتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي، جاء الى بغداد وتألق فيها حيث اصبح مطلوبا من قبل الكثير ين لعذوبة ونكهة صوته الجميل وجمال كلمات أغانيه التي يتأثر بها العراقيون، الذي تحس وكأن كل واحد منهم لديه قضية وهموم و أحزان بسبب فراق حبيب او شوق اليه او رحيل عزيز، ثم غادر بسبب الملاحقات الى الكويت ثم عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتي لجأ اليها الشيوعيون العراقيون بعد انفراط الجبهة الوطنية.

ويذكر الفنان فؤاد سالم، أن محاربته اشتدت بعد مشاركته في عيد الحزب الشيوعي اللبناني بأغنية مفادها (أني هم بشر ولي وجهة نظر أني هم بشر ولي قلب او نظر، قلبي يحن الشيلي وعيوني تبجي جاره يرد سواد ليلي نيرودا يرد داره ،اني انطيه عهد فرج الله او فهد اني انطيه عهد لينين او فهد، والاسماء الثلاثة معروفة، فرج الله مؤسس الحزب الشيوعي اللبناني وفهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ولينين زعيم الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وكذلك على أبو ذية مفادها (الشهيد نطالب بدمه او ثأره) وعلى اثر ذلك فتح معه تحقيق حول من هذا الشهيد فأجاب اعدمتموه عام 1963، وسئل منين تريد ثأره، قال من الذين قتلوه ومن قتله أنتم قتلتموه، ويقصد رشيد مصلح صاحب القرار 13 الذي ذبح بموجبه خمسة الاف شيوعي في يوم واحد من قبل جزاري 8 شباط الاسود عندما كان حاكما عسكريا، وبسبب تكرار استدعائه الى الامن العامة، ونتيجة للضغوطات الكبيرة التي تعرض لها من الاجهزة الامنية التابعة للنظام السابق، قرر فؤاد سالم وبعد دراسة عميقة لمستقبله مغادرة العراق لكي يحفظ حياته، وبالفعل وصل الى الكويت برا عن طريق البصرة، واستقر فيها مدة قليلة ثم توجه الى عدن، ثم الى البحرين ثم عاد مرة أخرى الى الكويت ليستقر فيها مدة طويلة، بعد ان وجد الترحاب والتقدير من الشعب الكويتي والمسؤولين فيه، وتم احتضانه من قبل العاملين في الاذاعة الكويتية وسط احترام وتقدير لم يجده في بلده كما يقول، واصبح اكثر المطربين ظهورا في التلفزيون حيث تذاع أغانيه التي منعت في العراق من قبل سلطات النظام.

وبعد ان استقر واصبح مطلوبا من العوائل الكويتية وبأعلى اجر مقداره ثلاثة الاف دينار كويتي وكانت مرحلة الكويت بالنسبة له زاهرة كما يقول، لم تستمر الأمور كما يحلو له، إذ بدأت المخابرات العراقية نشاطها بمحاربته فتارة يقال له ان سيارته ملغومه وتارة أخرى اتصالات تلفونية فيها التهديد والسب والشتم والوعيد، ومرات بث دعايات ضده لإزعاج جمهوره، الى ان وصل الحال ان أبلغته السلطات الكويتية، بضرورة مغادرة البلد حفاظا على حياته بعد أن أصبحت حياته في خطر، ولذلك غادرها تاركا الكثير من الذكريات والمواقف والانجازات. 

وكان في بداية تواجده في الكويت قد عانى الكثير بسبب حاجته الى المال الذي لم يتوفر لدية في البداية، حيث من تجور عليه سلطات بلاده وتطارده حتى خارج الوطن، يعاني الكثير اضافة الى ان الغربة هي لوحدها قاتلة وقاتلة بشكل كبير، وهي المفروضة من حكام جائرين لا يعرفون معنى الانسانية بإجرام مقيت، عاش فؤاد عاشقا للسلام ومحبا للفقراء ومحبوبا من زملائه الفنانين ،كما يتغنى بحب الجميع، وصفه الدكتور الراحل حمودي الحارثي بانه كان ذكيا ويحمل فكرا عاليا، وبعيدا عن الفن والعواطف ان المطرب فؤاد سالم دفع ثمنا كبيرا جراء نهجه السياسي الواضح والمعروف لكل العراقيين بانتمائه الى الحزب الشيوعي العراقي وتبنيه لا فكاره ودفاعه المستميت عن الحزب، حيث تعرض الى الغربة وعدم الاستقرار و كان يتنقل من بلد الى اخر، وتعرض الى محاولات الاغتيال ومن تدبير اجهزة النظام السابق، كما جرت محاولة اغتياله في دولة خليجية، أقيم فيها حفل حضره جمهور كبير، لكن اثنين من ثلاثة أفراد تراجعوا في نهاية الحفلة، وذهبوا اليه يقبلانه ويبكيان، حيث يقول الراحل فؤاد سالم استغربت من شدة بكائهما، فقالا انهما مكلفان باغتياله، لكنهما لم ينفذا، وسيطلبان اللجوء في بلد اوربي، وحذراه بأن عليه الحذر، فاذا كنا لم ننفذ، سينفذ غيرنا، وهذا ليس غريبا على نظام احترف القتل الجماعي والاغتيالات لتصفية خصومه ويشهد على ذلك مجازر 1963 و1991،

لقد كان الراحل صاحب معشر ودود ويحبه الكثير لذلك كانت علاقاته مع كل الفنانين، علاقات ود واحترام ومحبة، كما أحبه كبار الموسيقيين والملحنين والممثلين من العراقيين والعرب وله علاقات ود مع اغلب الملحنين والشعراء، ومنهم الراحل عريان السيد خلف الذي وصف فؤاد سالم بالمناضل الذي قارع الظلم، وقال عنه الراحل الشاعر كريم العراقي ان جمالية صوت فؤاد سالم لا يختلف عليها اثنان، لقد قال الكثير من الشعراء والملحنين والممثلين بل الناس جميعا التي كانت تطرب لصوته الجميل، كلاما معبرا عن الاعجاب به وبصوته وكلمات أغانيه.

لقد عاش الغربة وعانى منها كثيرا وعاني من المطاردات، حيث أصيب بمرض السكري المزمن في وقت مبكر من حياته بسبب الضغوطات الكبيرة التي كان يتعرض لها، وهذا المرض أذاه كثيرا، حتى انه اقترب من الموت في أكثر من مرة، وذات مرة اصيب بانسداد شرايين القلب وأجرى عملية جراحية في لندن تبرعت بتكاليفها امرأة فاضلة من السعودية، صادفته من غير موعد وسألته عن وضعه الصحي فشكى لها من متاعبه الصحية مع المرض، فأمرت على الفور بدفع تكاليف العملية التي أجريت في أحد مستشفيات لندن، وفي بغداد ادخل احد المستشفيات وتم علاجه مجانا من الطبيب الذي كان معجبا به كفنان. 

الفنان فؤاد سالم ملتزم وأحب وطنه وأحبه الناس، لكن الظروف السياسية وظروف المهجر كانت قاسية، الامر الذي ادى الى عدم استقراره وكانت اخرها في دمشق في سوريا حيث توفي في الساعة الثالثة بتوقيت بغداد ليلة الجمعة 20/ 12/2013 حيث سهلت السفارة العراقية لعائلته في دمشق نقل جثمان الراحل الى مطار النجف، حيث شيع بمهابة ووري الثرى في مقبرة وادي السلام في النجف، وقد رثاه الكثير من المحبين والمبدعين والفنانين، وكتبت عنه صحف عراقية وعربية، لقد عاش فؤاد سالم الغربة بكل همومها، حيث طارده النظام العراقي في الكويت مما دعاه للجوء الى سوريا التي عاش فيها مع معارضين للنظام ثم لجأ الى أمريكا التي عاش فيها لاجئا التي تركها ليعود الى دمشق التي حنت عليه، حتى بعد سقوط النظام السابق في 2003 ورحلاته الى بلاده للقاء محبيه في مشاهد احتفالية بدت عاجزة عن ايفائه حقه والعناية به بعد تدهور صحته، ومثلما رحل الجواهري والبياتي ومصطفى جمال الدين وكثيرون من شعراء العراق ومثقفيه وفنانيه في دمشق، رحل فؤاد سالم، وهو الذي كان يرتسم رحيله المأساوي على طريق الراحلين من صفوة مبدعي بلاده. 

إقرأ أيضا