صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

فتح استيراد المحاصيل الزراعية.. قرار سلبي أم إيجابي؟

مجددا، فتحت الحكومة الاستيراد لبعض المحاصيل الزراعية، ما أعاد الحديث عن سلبيات وإيجابيات هذه الخطوة، إذ عزتها وزارة الزراعة إلى “الروزنامة الزراعية”، حيث ينتهي موسم محصول معين مثل الطماطم فتتجه للسماح باستيرادها لتخفيض سعرها وعند وفرتها محليا تغلق الاستيراد، لكن هذا الأمر قوبل برد حاد من المزارعين الذين حملوا الحكومة مسؤولية عدم تقديمها الدعم لهم، مؤكدين أن الاستيراد يؤثر على المنتج المحلي، وهو ما ذهب إليه متخصص بالاقتصاد أيضا.

فتحت الحكومة الاستيراد لبعض المحاصيل الزراعية، ما أعاد الحديث عن سلبيات وإيجابيات هذه الخطوة، ففيما عزته وزارة الزراعة إلى “الروزنامة الزراعية”، التي ينتهي معها موسم بعض المحاصيل مثل الطماطم، فتتجه للسماح باستيرادها، لتعيد منعه مرة أخرى عند وفرتها محليا، قابل ذلك رد حاد من قبل المزارعين الذين حملوا الحكومة مسؤولية عدم تقديمها الدعم لهم، مؤكدين أن الاستيراد يؤثر على المنتج المحلي، وهو ما ذهب إليه متخصص بالاقتصاد أيضا.

ويقول المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة محمد الخزاعي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الموسم الزراعي المحلي انتهى في بداية شهر نيسان، ففي هذا الوقت من كل عام ينتهي موسم عددا من الخضراوات كالطماطم التي تصبح شحيحة في الأسواق ما يضاعف من سعرها”.

وعن آلية العودة إلى الاستيراد، يوضح الخزاعي، أن “ذلك يعود للروزنامة  الزراعية واللجان المتخصصة بمتابعة الأسعار، فكلما تحرك سعر السلعة الزراعية بالارتفاع تطرح اللجان توصيات ويُخاطب مجلس الوزراء الاقتصادي لاتخاذ الإجراءات المناسبة ومنها فتح الاستيراد، ومتى ما تعود السلع إلى الأسعار الطبيعية وتوفرها محليا، يتوقف الاستيراد”.

ويشير إلى أن “المنتج المحلي في الأساس يعاني من تراجع، إضافة إلى شحة المياه، وعليه فأن الأمر مقرون بالروزنامة الزراعية التي تتولى فتح وغلق الاستيراد في وقت الفائض والشحة من أجل حماية المنتج المحلي والمستهلك المحلي، فمتى ما بدأ الموسم الزراعي في العراق وحصل فائض في الإنتاج المحلي تغلق الحدود حماية له”.

ويتابع أن “للسلع الزراعية مواسم معينة وفترات محددة من السنة في كل دول العالم، وإذا وصلت إلى الذروة تغلق الحدود ويتوقف الاستيراد ولكن حينما ينتهي الموسم الزراعي للسلعة مثل الطماطم التي تشكل سلعة أساسية وإستراتيجية للمواطن ولا يمكنه الاستغناء عنها وقد وصل سعرها اليوم إلى أكثر من 1500 دينار للكيلو غرام الواحد فيتم فتح الحدود حتى تعود الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية، فالمواطن له حق على الوزارة والمنتج المحلي له حق والمستهلك له حق في الحفاظ على الأسعار مستقرة في السوق المحلي”.

وكان وزير الزراعة، وجه أمس الأول، بفتح الاستيراد أمام عدد من المحاصيل الزراعية بعد استحصال موافقة المجلس الوزاري للاقتصاد وذلك لارتفاع أسعارها في السوق المحلية، وهي الطماطم والبطاطس والقرنابيط والشلغم والشوندر والخس.  

ومؤخرا بلغت أسعار الطماطم في السوق المحلية، نحو ألفي دينار، إلى جانب ارتفاع المحاصيل الأخرى بشكل طفيف.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في تموز يوليو من العام الماضي، خلال الحكومة السابقة، عن صدور قرار من مجلس الوزراء بإعادة العمل بالروزنامة الزراعية، من خلال تخويل وزير الزراعة بعملية فتح ومنع الاستيراد استنادا إلى وفرة وشح المنتج المحلي، استثناء من قرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة.

يذكر أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، سبق وأن وجهت العام الماضي بفتح استيراد كافة المواد الغذائية لمدة ثلاثة أشهر، وقد أوضحت وزارة الزراعة في حينها أن المحاصيل المسموح باستيرادها هي البطاطس والطماطم والخيار والباذنجان لانخفاض إنتاجها محليا، ودعت التجار إلى مراجعتها للحصول على موافقات استيراد هذه المحاصيل.

ويعاني أغلب منتجي المحاصيل الزراعية وأصحاب الدواجن من مسألة فتح الاستيراد الذي يهدد إنتاجهم، لأن المستورد يكون دائما أقل سعرا من المحلي، نظرا لارتفاع تكلفة المواد الأولية مثل الأعلاف والأسمدة والبذور.

بدوره، يبين رئيس الجمعيات الفلاحية في ديالى رعد التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “مع قدوم وزير الزراعة إلى محافظة ديالى وبحضور المحافظ تم النقاش حول دعم الفلاح لاسيما وانه تم فقدان ٤٠ بالمئة من محاصيل الفواكه والخضراوات ما اضطر الوزارة إلى فتح الاستيراد”.

ويلفت التميمي إلى أن “الاستيراد يؤثر على المنتج المحلي، ولكن ليست هناك فرصة لإعادة الزراعة من جديد لاسيما وان محافظة ديالى تعاني من الشحة المائية التي أثرت بدورها على جميع المحافظات رغم أن محافظة ديالى هي السلة الغذائية لجميع المحافظات لما تنتجه من تمور وفواكه وخضراوات، ولذلك فإن قلة المياه وشحتها لها تأثير سلبي فقد كانت الخضراوات قبل شحة المياه متوفرة في جميع فصول السنة”.

ويؤكد، أن “الحكومة إذا قدمت الدعم للفلاح لن تكون هناك حاجة للاستيراد، فبدعم الفلاح ستكون هناك فائدة للمواطن وللحكومة، فمن تضرر من الشحة المائية هو الشعب العراقي أجمع وليس الفلاح فقط، فهذه السنة الثالثة على التوالي ولا وجود لخطة صيفية بسبب الشحة”.

يشار إلى أن وزارة الزراعة أقرت سابقا في تقرير لـ”العالم الجديد”، بغياب الدعم الحكومي للمزارعين وأصحاب حقول الدواجن والأسماك، وأشرت توقف تزويدهم بالمواد الأولية بسعر مدعوم، على عكس السنوات السابقة، حيث كانت الوزارة تدعم هذه القطاعات بما تحتاجه.

ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

من جانبه، يعزو الباحث في الشأن الاقتصادي جليل اللامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، لجوء الحكومة مرة أخرى إلى فتح الاستيراد لـ”انخفاض إنتاج بعض المحاصيل محليا، بالتزامن مع حلول شهر رمضان، ما يتطلب حماية المستهلك اليومي ولمنع ارتفاع أسعار الخضراوات، لذلك سمحت الحكومة باستيراد بعض المحاصيل الزراعية مثل الطماطم والبطاطس والباذنجان والخيار، ومن المنافذ الحدودية كافة”.

ويرى اللامي أن “القرارات غير المدروسة التي تتخذها الحكومة بشأن تنظيم عملية استيراد السلع والمحاصيل الزراعية أثرت على المنتج المحلي، فبسبب فوضى تلك القرارات كانت النتائج سلبية على اقتصاد البلد”، لافتا إلى أن “الحكومة لجأت في تجارتها الخارجية إلى ما يسمى بسياسة الباب المفتوح، الأمر الذي فاقم من مشكلات الإغراق السلعي من منتجات بلدان تدعم صادراتها إلى العراق على نطاق واسع،  لكي يتم تداولها بأبخس الأثمان داخل الأسواق العراقية”.

ويضيف أن “هذا التحرر التجاري الواسع قمع الحِرَف اليدوية والزراعية والصناعية، وبالتالي فقد خسر العراق رأسمالا بشرياً ومهنياً وهندسياً وزراعيا وصناعيا وفقد خاصية تراكم خبراته، ولم تتم إضافة تراكمات زراعية أو حرفية مهمة أخرى إلا باستثناء بسيط لبعض المنتجات، ما يعني خسارة في التنمية البشرية والمنتج الوطني معاً”.

كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة. 

جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

إقرأ أيضا