غبتُ عن المدينة ثلاثة أيام بلياليها هربا من (الطاخ والطيخ والطاط والطيط)، أقصد الانفجارات والزحامات الخانقة والتلوث السمعي والبصري والنفسي.
في طريق العودة وعند المدخل الوحيد والضيق جدا لحارتنا الشعبية المتضخمة سياراتيا وسكانيا، وقف جندي لوحت الشمس وجهه الحنطي وأغرقت جبهته بالعرق، أحنى رأسه المثقل بالخوف ليراني جيدا، بادرني بالسلام على غير العادة، وأردف سريعا: ابشر فتحنا لكم مجسر اليرموك الأضخم في الموصل.
فغرت فمي من ثقل الخبر الذي يكبر أذني الصغيرة بعشرات المليارات ونحو 1800 يوم أنفقت كلها على مشروع طال انتظاره حد النسيان. لم اصدق ما قاله لي بالكامل لأنني اعلم أن بعض فقرات المشروع لم تكتمل بعد، مع ذلك تبسمت بوجهه وترحمت على والديه لهذه البشارة السعيدة.
اتضح فيما بعد أن ربع الخبر صحيح لان الافتتاح كان جزئيا (طريق واحد ذهابا وإيابا)، وهو الثاني بعد افتتاح المحافظ أثيل النجيفي قبيل الانتخابات الطريق عينه إلا أن القوات الأمنية أغلقته بعد يومين فقط لدواع \”أمنية\” أو ربما نكاية بالمحافظ لان الحملة الانتخابية كانت في ذروتها.
ما يهمنا هو نتائج الافتتاح الجديد الذي تزامن مع غلق منافذ أخرى لمرور الشاحنات والصهاريج في المدينة، الزحام صار الأطول وربما لم يحدث مثله من قبل، لا أريد أن أبالغ في تقدير المسافة، لذا سأكتفي بشهادة احد السائقين حين قال انه أمضى ثلاث ساعات في قطع نصف مسافة الزحام. (بس)!!
إذا كان مجسر واحد فقط يصيب المدينة بشلل نصفي، فما بال الأمراض المزمنة الأخرى التي توشك أن تعلن انتقالها إلى رحمة الله، فهنالك الفساد والكهرباء والوقود والبطالة والتلوث والتجاوز على أملاك الدولة والآفات الاجتماعية والأمراض النفسية… وهلم جرا حد قطع النفس، ولن أنسى الأمن أبو المصائب كلها.
على سبيل المثال فقط، مشكلة بسيطة كالمجسر أعلاه كفيلة بشل الحركة المرورية في احد جانبي الموصل ثاني اكبر المدن العراقية من ناحية عدد السكان بعد بغداد، والمسؤولون المحليون الذين تسلموا السلطة قبل أيام فقط لم يتململوا أو يعلقوا على الموضوع. يا جماعة السين وسوف لم تجف عن مسامعنا بعد، ألستم من أفرط بالوعود عند تشكيل الحكومة المحلية؟ أما إذا كنتم لا تدرون فالمصيبة أعظم.
وبما أننا بلد أزمات مستمرة، وبقدر تعلق الأمر بمدينة الموصل، فهذه دعوة جادة لتشكيل غرفة عمليات خدمية يرأسها محافظ نينوى أو رئيس مجلس المحافظة باشتراك جميع الدوائر الخدمية والأمنية أيضا، ترصد الأزمات، زحامات خانقة، نقص وقود، فيضانات، تلوث، أوبئة خطرة، إنقاذ معالم أثرية آيلة إلى السقوط كمنارة الحدباء.. الخ، وتصدر قرارات آنية – اكرر آنية – لحلها أو التخفيف من حدتها في اقل تقدير.
تذكير لحكومة نينوى الجديدة: عزيزتي لم ينته بعد شهر العسل، فلا تجعلينا ندعو عليك ونلعن اليوم الذي جاء بك إلينا.
نريد فتوحات ناجحة لا فتوحات خائبة.