عدّ خبراء عسكريون، قرار إحالة ضابطين كبيرين إلى التقاعد، بسبب “إساءتهما” لقواعد “السلوك المهني”، إجراءً صحيحاً لردع زملائهم، فيما شددوا على وجوب أن يلتزم الضباط بالحذر من منشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، والتقيّد بالتعليمات والمحددات العسكرية حتى في أيام الإجازة.
ويقول الخبير الأمني عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تصرف وزير الداخلية بإحالة ضابطين أحدهما برتبة عميد إلى التقاعد تصرف صحيح، من أجل أن يشكل ردعا للآخرين، فما قاما به كان أمرا صادما بالنسبة لنا”.
وكان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، قد أصدر نهاية الأسبوع الماضي، أمرا بإحالة بعض ضابطين إلى التقاعد بعدما ظهورهما في مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت مسيئة للرتبة والمهنة، وفقا للفقرة الأولى من قانون إحالة رجل الشرطة إلى التقاعد لسنة 2012.
ويضيف الكناني، أن “السلوك الذي قام به أحدهما بعمل جلسة تصوير مع عائلته، وبثها عبر التواصل الاجتماعي غير صحيح أبدا، فلو كان التصوير مقتصرا على العائلة في البيت لكان أمرا طبيعيا، لكن نشر الصور بهذا الأسلوب تعتبر إهانة للمؤسسة الأمنية والعسكرية على حد سواء”.
وفي وقت سابق، انتشر مقطع فيديو لضابط برتبة عقيد وهو يتحدث بمجموعة قصص منها ترقيته وحصوله على منصب، ممتدحا الوزير وبعض الضباط، مطالبا متابعيه بشكر الوزير والدعاء له، ووجه من يشاهدون الفيديو للإعجاب بصفحة الوزير في “فيسبوك”.
كما ظهر ضابط آخر مرتديا زيه العسكري في جلسة تصوير مع زوجته، إذ انتشرت الصور على نطاق واسع، وأوضحت الزوجة بعدها في مقطع فيديوي أن الصور كانت في احتفال عائلي بمناسبة ترقيته، وهي لم تتعمّد الإساءة إلى المؤسسة العسكرية.
ويتابع العميد المتقاعد، أن “الرتبة يجب أن تحترم سواء في البيت أو العمل، وهناك سلوك وانضباط في القوانين العسكرية تحتم ذلك، فعلى سبيل المثال إذا كنت ضابطا ومرتديا الزي العسكري ليس بإمكانك أن تستقل باص الركاب العام أو تأكل في الشارع أو تجلس في مقهى”.
ويشدد على أن “ضوابط السلوك العسكري لا بد من التقيّد بها، فـالآمر يعتبر أميرا وقدوة لجنوده، فكيف يمكن أن ينفذ الجندي أمراً لضابط ذي شخصية مهزوزة أصبح مادة لتداول الأحاديث والصور”.
وعن وجود قواعد للسلوك المهني في المؤسسة العسكرية، يؤكد الكناني، أن “هذه التعليمات موجودة وتدرس في الأكاديمية العسكرية وكلية الشرطة، وقد نفذت عقوبات على أقل من هذا الفعل، فمثلا لو سقطت عصا التبختر من ضابط الصف فإنه يعاقب نفسه بنفسه”.
بدوره، يوضح الخبير الأمني عبد الكريم العبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الضابط عندما يدخل السلك العسكري والأمني تبدأ التربية العسكرية وهي التي تفرض المحددات والصفات التي يجب أن يتصف بها سواء في موقع العمل أو البيت، وهذه المحددات لا تنتهي بمجرد الخروج من الوحدة العسكرية، بل تستمر حتى في الإجازة”.
وحول ما إذا كانت العقوبات قاسية، إزاء ما فعل الضابطان، يؤكد العبيدي، أن “العقوبة تتبع نظرة صاحب الأمر كأن يكون وزير الداخلية أو الدفاع، لأنه في السابق لم تكن هناك سوشيال ميديا، ومع وجودها الآن يجب أن يتعامل الضابط معها بحذر هو وأي شخص يكون في موقع المسؤولية وعليه أن يبتعد عن كل ما يثير الشبهات والأحاديث والجدل، وحسنا فعلت بعض الدوائر عندما لم تسمح للمنتسب بنشر صورته في أي موقع للتواصل وهذه مسألة صحية وليس فيها ضرراً”.
ويرى أن “قرار الوزير كان صحيحا، فإذا خالف الضابط الأوامر والتعليمات فهذا يُسمى عصيانا، يمكن أن يواجه بالعديد من العقوبات كإحالته على التقاعد أو تنزيل الرتبة وغيرها”.
وشكلت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة مصيدة للكثير من الضباط، بعدما وقع الكثير منهم في فخ “السلوك” المهني، إذ انتشرت فيها الكثير من فيديوهات لنساء مشهورات يستقوين بعلاقاتهن مع الضباط في وزارة الداخلية وغيرهم، خلال أي مشكلة تواجههن في الشارع، ومن أشهرها اتصال إحداهن بضابط رفيع لغرض فتح نقطة تفتيش وتمرير عجلتها من بين الزحام المروري، ما أثار هذا المقطع في العام الماضي، لغطا كبيرا استدعى من المسؤول الذي ظهر اسمه في الفيديو، إصدار بيان نفي علاقته بهذه الحادثة.
قانونيا، يؤكد الخبير علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أحكام المادة (4) من قانون وزارة الداخلية رقم 20 لسنة 2016 أتاحت للوزير إحالة أي ضابط على التقاعد في حالة الإساءة لسمعة المهنة”.
ويضيف التميمي، أن “مخالفة مثل هذه تتضمن الظهور في مواقع التواصل الاجتماعي وتثير الرأي العام وتسبب جدلا، قد تعجّل من إقرار عقوبة بحق الشخص المعني، لأنها تسيء لسمعة الوزارة وضباطها”.
ويعاني العراق، تضخما ملحوظا في أعداد الضباط، ففي تقرير سابق لـ”العالم الجديد” انتقد خبراء أمنيون ضخامة وكثرة الرتب العسكرية والأمنية الحالية، كونها لا تعكس خبرات حامليها ولا تناسب المؤسسات التي يعملون فيها، وفيما أكدوا أن للترقيات العسكرية الكثيرة تبعات خطيرة لأنها لم تراع القدم العسكري، فضلا عن الآثار المالية المترتبة عليها، أشاروا إلى أن هناك ضباطا “ارتموا بأحضان الأحزاب” لنيل الرتب والمناصب.