صدرت عن دار فضاءات في عمان حديثاً مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني قصي اللبدي بعنوان \”فرد في العائلة\”، تقع في 104 صفحات من القطع المتوسط، وتضم 35 قصيدة نثر يحمل أغلبها عنواناً من كلمة واحدة، مثل: الوصية، أغنية، نون، أبي، تأهيل، عري، طريق، الحنين، انفجار، خيال، وحكر.
تتميز قصائد المجموعة بنبرتها المتفردة وموسيقاها الداخلية اللتين تمنحانها شفافية ومرونة، وتتخذ في نماذج كثيرة منها، منحى سردياً لا يكتنف صوراً واستعارات إلا بقدر مضبوط، وفي الوقت الذي تتطلبه بنية القصيدة، فجمالية النص تنبع من داخله، من تدفقه وتناغمه وفكرته، لا من اشتغالات على اللغة والصوَر تفصّل على مقاسه.
في المقابل، تخف البلاغة، إلى حد بعيد، في مجموعة اللبدي، التي قلما نعثر فيها على جمل أو مفردات زائدة عادة ما يرميها الوزن في طواحين الشعراء. وهذا يعد تميزاً في سياق قصيدة التفعيلة التي تعاني، عادةً، من ثقل إنشائيّ في اللغة والوزن وتركيبيّ في الاستعارات.
يسجّل لقصي اللبدي، في هذه المجموعة، استلهامه لأحداث وتجارب (بعضها قد لا يُعد شعرياً، وبعضها الآخر يُنظر إليه ويُعامل بوصفه مأساوياً أو ميلودرامياً) بلغة سلسلة وبروح عبثية وفكاهية قليلة الشيوع في الشعر العربي المعاصر.
وقصي اللبدي سبق أن صدرت له مجموعتان شعريتان الأولى بعنوان \”أخوة الظل\” عام 2004، وهي المجموعة الحاصلة على جائزة الشارقة للعمل الشعري الأول، والثانية بعنوان \”ليكن لي اسمكِ\”، عن بيت الشعر الفلسطيني في رام الله عام 2011.
من المجموعة، نقرأ النص التالي:
أبي
لون بذلته مضحك.
ربطة العنق (الرسم واللون، لا يُعقلان)
مناسِبة لزيارة عائلة من أقارب
موتى.
عقارب ساعته متوقفة منذ خمسين عاماً.
ولكنه لم يزل يتأمل ما حوله
صامتاً..
ويمرّر بين أصابعه التبغ، سيجارةً
بعد أخرى، كمسبحة.
كان مسترسلاً في الغناء عن الطقس،
حين صحوت،
ولم أستطع منع نفسي من الضحك:
المرء لا يرتدي بذلة ليطلّ من الذكريات!
ضحكنا،
ولم نتبادل كثيراً من الكلمات،
ولكنني اخترت فانلّةً وقميصاً بكمٍّ قصير،
له،
وخرجنا معاً.
آه..
ما زال يُضحكني رجلٌ ميت،
يرتدي بذلة ،
ويغني عن الطقس.