بعد الأحداث الساخنة التي شهدتها المنطقة، خلال الفترة القريبة، بدأت عملية تهدئة تظهر للواجهة، وهي أشبه بعملية “فرض السلام بالقوة”، وإنهاء النزاعات أو إيقافها لأجل غير مسمى، ولعل أبرزها نزاع حزب العمال الكردستاني (PKK) مع تركيا من جهة، ومع الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق.
ويعد الصراع التركي الكردي في الشرق الأوسط، واحدا من أكبر مشكلات المنطقة، وعلى إثره أطلقت أنقرة عمليات عسكرية كثيرة لملاحقة عناصر الحزب الكردي المعارض في كل من العراق وسوريا، ومنها العمليات الأخيرة، المتنامية منذ أكثر من عام، والتي تعد الأعنف، حيث فرضت القوات التركية سيطرتها على مناطق وقرى في دهوك شمالي العراق، فضلا عن استمرار قصفها للأراضي السورية ومعاقل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي يشكل حزب العمال الكردستاني عمودها الفقري.
وتتجلى بوادر التهدئة المفترضة، عبر زيارة رئيس “قسد” مظلوم عبدي إلى أربيل، ولقائه رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، في تطور ملحوظ وصف بـ”اللقاء التاريخي”، وبحسب تغريدة لعبدي، فإن اللقاء مع بارزاني “مصدر سعادة.. ناقشنا عملية التغيير التي تمر بها سوريا، وأكدنا بشكل مشترك أن موقف الكرد في سوريا يجب أن يكون موحدا وأن الحوار مع دمشق يجب أن يحمي حقوق الشعب الكردي سلميا.. وأكدنا أيضا أن أهمية الوحدة الكردية والاستقرار الإقليمي بشكل عام وهي مسؤوليتنا جميعا”.
ووفقا لمكتب بارزاني، فإن اللقاء مع عبدي، بحث الوضع في سوريا وآخر التطورات الأمنية والسياسية، بالإضافة إلى الإطار العام لتعامل الأطراف الكردية مع الوضع الجديد في سوريا وكيفية اتخاذ موقف مشترك للأحزاب الكردية في سوريا، والتأكيد على أن الأحزاب الكردية في سوريا يجب أن تقرر مصيرها دون أي تدخل، وبالطرق السلمية بما يضمن حقوقها في الوحدة والتضامن مع الحكام الجدد في سوريا للوصول إلى التفاهم والاتفاق”.
وساطة بارزانية
وتقول مصادر مطلعة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك تحركات تركية لإجراء مصالحة تاريخية مع حزب العمال الكردستاني، وكانت بوادرها، ما صرح به زعيم الحزب عبد الله أوجلان المحتجز في السجون التركية، والذي دعا إلى الأخوة الكردية التركية، وإنهاء الخلافات”.
وتضيف المصادر، أن “هذه المصالحة، سيلعب فيها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، دور الوساطة بين أنقرة وحزب العمال، على أمل إنهاء الصراع التاريخي بين الطرفين”، مبينة أن “البداية كانت مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي طلب زعيمها مظلوم عبدي من بارزاني التدخل لغرض إيقاف الحرب مع تركيا، والاستعداد لبدء صفحة جديدة، تتمثل بانسحاب جميع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من شمال شرق سوريا، وانخراط قوات قسد في صفوف الجيش السوري”.
يشار إلى أن مظلوم عبدي، كان أحد معاوني عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، وترعرع في جبال قنديل، المعقل الرئيسي للحزب.
وبدأت قصة تركيا مع حزب العمال، في أيار مايو من العام 1983، حيث أطلقت تركيا أول عملية عسكرية خارج حدودها لملاحقة عناصر PKK، وذلك بالاتفاق مع الحكومة العراقية آنذاك، شارك فيها آلاف الجنود الاتراك ومختلف الصنوف القتالية، ثم تواترت العمليات العسكرية الكبرى مسجلة الرقم 11 عملية حتى العام 2008، قبل أن تطلق بعدها عمليات كثيرة ومستمرة.
الديمقراطي «يؤكد»
عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبين سلام، يؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، صحة المعلومات التي أوردها المصدر، بل ويشير إلى وجود “رغبة أمريكية بإنهاء الصراع الكردي التركي في المنطقة”.
ويلفت سلام، إلى أن “زيارة مظلوم عبدي إلى أربيل، واجتماعه مع زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، هي استجابة لمطالب قسد السابقة، ورغبة إدارتها بتدخل بارزاني وإجراء وساطة مع تركيا، لإيقاف الاقتتال في مناطق شمال شرق سوريا”.
ويتابع أن “إقليم كردستان سيكون المستفيد الأكبر من عملية المصالحة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، كون هذا الصراع سبب الكثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية للإقليم، وأزمات ممتدة لسنوات، ولم يستفد الكرد من وجود حزب العمال في أي شيء”.
ويستطرد أن “نيل الحقوق لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة، وهنالك مئات الوسائل التي يمكن من خلالها المطالبة بالحقوق، التي يكفلها المجتمع الدولي”.
ويكمل القيادي في “الديمقراطي الكردستاني- البارتي” حديثه بالقول، إن “المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من الهدوء، خاصة بعد تراجع النفوذ الإيراني، فإن الولايات المتحدة، لا ترغب إطلاقا باستمرار الصراع بين الكرد وتركيا، وستضغط لإنهاء هذه المشكلة، لأنه العائق الوحيد في المنطقة حاليا”.
يشار إلى أن الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني، يرتبط بعلاقات وطيدة مع الجانب التركي، وتم اتهامه علنا من قبل أطراف كردية وعراقية، بتسهيل دخول القوات التركية للأراضي العراقية، لاسيما وأن تركيا اليوم لديها أكثر من 20 قاعدة عسكرية والآلاف من المقاتلين في العراق، بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي يتواجد في جبال وقرى الإقليم.
وتقصف القوات التركية بشكل شبه يومي تركيا عبر طائراتها ومدرعاتها، القرى الكردية في دهوك وأربيل، ويسفر هذا القصف عن سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى، كما وتحتل تركيا مساحات شاسعة من أراضي محافظة دهوك.
قسد: تركيا تعاند
ممثل الإدارة الذاتية لمناطق شمال شرق سوريا في السليمانية، فتح الله الحسيني، (المقرب من قسد) يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “اليد الكردية كانت ممدودة للسلام في سوريا ودول المنطقة، ولم تشكل قوات سوريا الديمقراطية أي خطر على الأمن القومي التركي”.
ويشير الحسيني، إلى أن “الأتراك يتحججون بتشكيل قسد خطرا على أمنهم القومي، ولكننا كنا دائما ندعو للسلم الأهلي”، كاشفا عن “وساطات أمريكية بين قسد وتركيا، بهدف إيجاد مناخ للتسوية، وإحلال السلام، بالإضافة إلى وساطات من قبل الاتحاد الوطني (الحاكم في السليمانية) والحزب الديمقراطي الكردستاني (الحاكم في أربيل) الذين يشجعان على السلام، لأننا لا نشكل خطرا على أحد، وما نريده هو السلام في كل مناطق سوريا”.
وحول موقف أنقرة، يوضح أن “تركيا ما تزال مصرة على عنادها، بالرغم من الوساطة والوفود التي تتواجد في شمال شرق سوريا، أو يزورون أنقرة، بينما كل القوى الدولية والدول العربية تتحدث عن السلام والتهدئة، إلا تركيا ماتزال تنحاز للصراع والقصف مازال متواصلا”، مضيفا أن “ترامب في فترته الجديدة، ربما يكون له الدور الأكبر بالضغط على تركيا لإحلال عملية السلام وإنهاء الصراع مع الكرد”.
يشار إلى أن مسؤولا في حزب العمال الكردستاني، صرح لوكالة رويترز يوم أمس، باستعداد حزبه إنهاء وجود عناصره في سوريا، إذا احتفظ الكرد بدور قيادي في مناطقهم، مؤكدا أن أي مبادرة تؤدي إلى حكم شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، أو يكون لهم فيها دور مهم في القيادة المشتركة، ستقود العماليين إلى الموافقة على مغادرة المنطقة.
وبحسب المسؤول، فإن حزب العمال الكردستاني سيستمر في مراقبة الوضع عن بعد إذا غادر سوريا، وسيعمل ضد القوات التركية إذا لزم الأمر، لكنه عاد ورمى الكرة بملعب ترامب، حيث أكد أن “مستقبل سوريا سيحدد بعد يوم 20 من الشهر الجاري، بمجرد تولي ترامب السلطة”.
“الضغط” يأتي بنتائج
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي لطيف ميرزا، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الضغوط الأميركية كبيرة، وخاصة على تركيا، كما أن اجتماع مسعود بارزاني مع مظلوم عبدي، هو مقدمة لإنهاء الصراع التركي الكردي، خاصة في ظل العلاقة المتميزة التي تجمع بارزاني وحزبه مع أنقرة”.
وينوه ميرزا، إلى أن “تركيا، وتحت الضغط الأمريكي ستقوم بعدة أعمال لإثبات حسن النوايا، من بينها إيقاف القصف على مناطق إقليم كردستان، ومنح الكرد بعض الحقوق والامتيازات، وربما إطلاق سراح عدد من معتقلي المعارضة الكردية التركية، وأيضا الانسحاب من مناطق شمال شرق سوريا، بشرط تواجد قوات دولية أممية على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، لمنع أي تهديد يطال أراضيها”.
ويضيف أن “هذا الأمر سيكون تمهيدا لإعلان المصالحة التاريخية بين تركيا وحزب العمال، وإنهاء أزمة عانت منها المنطقة لسنوات طويلة، وأثرت على العراق وإقليم كردستان بشكل عام”.