حينما تُكتب القوانين والدساتير وصولا إلى الأنظمة الداخلية، لا يطالعها أحد، إلا إن أراد البحث عن ثغرة تصب في صالحه، ليطيح من خلالها بمنافس، أو يستخلص حقا لا تنفع معه إلا الحيلة.
ومنذ أن اختطت أنامل النخبة المختارة من سياسيينا دستورنا العتيد ونحن نعيش في لعبة حل الألغاز والأحاجي، وفي كل مرة يهرول أحد الأطراف صوب المحكمة الاتحادية وهو عاض على طرف عباءته، ليستفتيها بقراءة نص أسهم صاحب العباءة المبجلة في تنميق ديباجته؛ فإن جاء الحكم لصالحه سبّح في ثناء هذه المحكمة واستقلاليتها، وإن سارت الأمور عكس ما يتمنى، كفر ولعنَ وعبس وتولى.
كل هذا والمشكلة تتكرر، لأن الدستور والقوانين والأنظمة الداخلية لا تقرأ بشكل جيد، لا في وقت كتابتها ولا بعد ان تكون نافذة وحكما عدلا، ودائما ما توضع مواد هذه الأنظمة والقوانين والقواعد الدستورية ليست في محلها. ففي سابق العهد ظهر صدام حسين في حديث تلفزيوني طارحا نظريته بخصوص القوانين وتعريفا غير مألوف لماهية القانون، فهو اعتبر أن القانون هو الذي نكتبه بأيدينا، ونمحوه بأيدينا أيضا. يا لها من استهانة كبيرة، حين تكون القوانين بهذه السهولة تكتب، ثم نمحوها دون الرجوع إلى تداعيات إلغاء هذا القانون أو ذاك، أو تجميده.
وهذا الوضع لا ينطبق على القوانين فقط، بل حتى في وضع الأشخاص في مكانهم الحقيقي، فحين يؤتى بطبيب ليدير وزارة المالية، أو حين يؤتى بضابط ليتولى حقيبة وزارة الثقافة. يبدو أن الارتجال سيد الموقف، وأن توزيع الحقائب بهذا الشكل الذي تبدو كهدايا رجل جاء من سفر؛ محملا بما خف حمله وغلا ثمنه، وهكذا تشكلت الحكومات من أولاها إلى اخراها، فلا يلتفت الوزير إلى قانون وزارته وما هو دوره فيها، وما هي حدود صلاحيته، لينتهي الأمر بكارثة وتتكدس الملفات بيد الأصدقاء قبل الأعداء.
وكذلك هذا الوضع لا ينطبق على الحكومات وطرق تشكيلها، ففي المنظمات والاتحادات المهنية نجد العجائب، ففي الأمس فقط ظهر نقيب الصحفيين رفقة المتحدث باسم مفوضية الانتخابات، وإلى الآن لم أجد تفسيرا مقنعا لأسباب ظهوره في مؤتمر تخصصي ومن صميم واجبات مفوضية الانتخابات التي تحاول حث المواطنين على تحديث سجلاتهم الانتخابية، قد يبدو الأمر مسوغا لو انها أتت بنجوم يمتلكون شعبية كبيرة لدى الجماهير ليقولوا انهم قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية، وهذا قد يحدث في بلاد ما وراء البحر وله نتائجه الكبيرة والمؤثرة في إنجاح أي حملة.
إلا أن ظهور السيد نقيب الصحفيين وهو لا يمتلك تلك النجومية الثاقبة، بل أن الكثير من زملاء المهنة من المعترضين على وجوده في نقابة الصحفيين، حيث لم يكتف السيد اللامي بالظهور واقفا إلى جانب السيد الشريفي، بل أخذته الحمية ليصدر فرمانات وإلزامات وتوجيهات ليست من صلاحياته، وليست من صميم العمل النقابي، حين ألزم أعضاء النقابة بتحديث سجلاتهم الانتخابية، وذهب أبعد من هذا الإلزام حين جعل تحديث السجل الانتخابي مقترنا بتجديد عضوية النقابة.
ولو عدنا إلى قانون نقابة الصحفيين واطلعنا على صلاحيات \”النقيب\” لن نجد ما أطلقه السيد النقيب من مخالفات كبيرة، وتجاوز على حق الهيئة العامة التي هي توصي بالقرارات الملزمة للصحفيين، ونسى السيد النقيب ان واجبه هو متابعة تنفيذ مقررات الهيئة العامة.