الكيان الصهيوني الوحيد في العالم الذي يعتبر نفسه خارج دائرة الحساب والعقاب الدولي، ولم تفكر أي دولة أو هيئة أممية بفرض عقوبات عليه حتى الآن, بالرغم من ارتكابه للعديد من الجرائم بحق الفلسطينيين. والكيان هو الوحيد الذي أحرق قادته لحوم البشر وهي حية وأمام الشاشات التلفزيونية العالمية والمحلية دون خوف، وبناءً عليه فإن سياسة الإسرائيليين هي قتل من يستطيعون قتله وتدميره واعتقاله من الفلسطينيين ليترك الآخرون وطنهم.
كانت عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة في مدينة الخليل إحدى الذرائع التي ساقتها إسرائيل لتصعيد عدوانها على الشعب الفلسطيني الأعزل، فمنذ اللحظة الأولى لاختفائهم أعلنت إسرائيل أنهم اختطفوا بأيدي فلسطينيين، ولم تقدّم دليلاً واحداً على هذا الاتهام، علماً بأن الفصائل الفلسطينية جميعاً عوّدت العالم على إعلان مسؤوليتها عن أية عملية تنفذها ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه متسلحة بمشروعية المقاومة.
واليوم تعاقب إسرائيل الفلسطينيين بشكل جماعي دون أي تحرك دولي لوقف هذه الانتهاكات لجميع القوانين الوضعية والشرائع السماوية، فقد شنت هجمات عنيفة على حركات المقاومة وخاصة حماس، والتي يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنها المسؤولة عن مقتل المستوطنين، فالأسلوب الذي يتبعه نتنياهو يقوم على تهميش حماس سياسياً ومدنياً.
وبالمقابل تحاول إسرائيل خلق نزاعات بين حركتي حماس وفتح بعد أن نجحت في تقسيمهما أكثر من مرة، فعدم قدرة الحركتين على التوحد يعد نجاحاً لنتنياهو الذي يرفض مشاركة حماس في السياسة الفلسطينية، ويحاول عرقلة أي طريق يجمع بين حماس ، ما يجعل محادثات السلام مستحيلة في الوقت الراهن.
وفي إطار ذلك انتقلت عربدة الكيان الصهيوني مدفوعا بحملة كراهية وغضب واسعة تشنها السلطات الإسرائيلية إلى مرحلة جديدة، فبعد عمليات إحراق أراضي الفلسطينيين ومنازلهم، تحت شعار \”الانتقام\”، تحول الإسرائيليون إلى القتل والتنكيل وحرق الأطفال، مثلما حدث في مخيم شعفاط بالقدس عندما خطف المستوطنون الشاب محمد أبو خضير واقتادوه إلى أحراش دير ياسين وعذبوه وحرقوه حتى الموت، فاستشهاد أبو خضير وما رافقه من عملية تحريض دموي على الفلسطينيين وانفلات الدعوات الإسرائيلية إلى الانتقام خلق توتراً أدى إلى قيام المتطرفين باتخاذ إجراءات انتقامية، حيث من الممكن أن تغزو إسرائيل غزة ما يتسبب في المزيد من العنف وعواقب لا يمكن التكهن بها.
فمنذ خطف الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم، قتلت حكومة إسرائيل عشرات الفلسطينيين، وجرحت مئات واعتقلت مثلهم على الشبهة، ومن دون دليل على الإطلاق، وكان بين هؤلاء أعضاء في المجلس التشريعي من حماس وحركات مماثلة، تنفيذاً لسياسة إسرائيل المعلنة أن على الرئيس محمود عباس أن يختار بين حماس والسلام. وهنا لابد من القول بأن الحكومة الإسرائيلية تسير في خطة لتدمير جهود العملية السلمية والتهدئة في غزة لتكريس الاحتلال وضرب السلطة الفلسطينية.
إذاً يبدو واضحاً أن إسرائيل تعاقب الفلسطينيين بسبب ارتكابهم جريمة المصالحة. تعاقبهم لأنهم لجؤوا للوحدة الوطنية باعتبارها الورقة الأهم التي يملكونها في مواجهة الاحتلال وسياسته العنصرية، فيما العالم بعضه صامت وبعضه يدافع عن إسرائيل أو يدعمها بالمال والسلاح والغطاء السياسي.
وفي إطار ذلك يبدو أن سياسة أوباما الضعيفة قد أغرت نتنياهو ليحاول استخدام سياسة الابتزاز، وهي سياسة إسرائيلية عنصرية بحتة يستخدمها قادة إسرائيل على اختلاف انتماءاتهم الحزبية كلما ضعف أمامهم المقابل، وسيظل هذا أسلوب إسرائيل طالما بقيت إدارة البيت الأبيض على ضعفها وعدم قدرتها على التلويح بسياسات استخدمتها من قبل وفي مواقف أصغر من هذه الموافق مع بلدان أكبر من إسرائيل.
وبالتالي أرى أن هذا العدوان لن يحقق أهدافه، ولن يؤدي إلا إلى المزيد من التمسك بحقوقنا، وأن هذه الغطرسة الإسرائيلية لن تحول دون إصرار شعبنا على تحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال، ولن تنال من صلابة وحدته، ورسوخها في مواجهة هذه الهجمة الشرسة الرامية إلى تدمير مشروعنا الوطني.
وأخيراً ربما أستطيع القول أن مشكلة الفلسطينيين مع إسرائيل هي مشكلة احتلال معتدي يمارس جرائم بشعة ولا يوجد حل لصده سوى المقاومة، وعلى العالم أن يمارس ضغوطاته ليوقف عدوانه، وبالتالي فإن حركات المقاومة لا يوجد أمامها خيار سوى الدفاع عن نفسها وأبناء شعبها أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي تصب جام غضبها على المواطنين والأطفال والنساء.
* د. خيام محمد الزعبي: كاتب وباحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، khaym1979@yahoo.com