مع اني لا احب شرب القهوة ولكني سأحدثكم عن فنجان ابو الهيوة.
لا اعني هنا فنجان قهوة بل شخصاً اسمه فنجان يعمل منظفاً في البلدية.
فنجان رجل خمسيني ذو بشرة سوداء يستنكف منه الكثير من اهالي المدينة بسبب لونه وخلقته الدميمة.
حتى دأبت الكثير من النساء على تخويف اطفالهن بفنجان (تنام لو اصيحلك ابو الهيوة) وابو الهيوة كنية فنجان التي الصقت به لأنه يجيد رقصة الهيوة.
بالطبع انا اتحدث عن مدينة كل سكانها مسلمون يتسابق شيوخها مع شبابها على مسجدها الصغير.
في رمضان الكل صائم والكل يتحلى بالإيمان ويتحدث عن الفضيلة. واذا دخلت سوق المدينة لن تعثر على ستكان شاي ولو كنت مسافراً لألف فرسخ فالمطاعم والمقاهي مغلقة بأمر البلدية.
عند الفواتح والأعراس ينادى على فنجان الأسود ليخدم المعزين او المهنئين، يصب قهوة، يشيل صينية شاي، يكنس الچادر… الخ، وعند موعد الطعام لا يشاركهم طعامهم بل يقف خارج المضيف حتى ينتهي الآخرون من الأكل ليلم ما بقي بكيس ويأخذه لعياله.
ابو الهيوة كان يعاني، او لا يعاني اذ لم يسأله احد عن مشاعره، لكنه حتماً كان يشعر بالنبذ والعنصرية في التعامل.
شكله القبيح ولونه الغريب جعلا منه محط نبذ وقلة احترام من قبل اهالي المدينة \”المؤمنين\” مع العلم هو من ينظف اوساخهم ويحمل ازبالهم.
طيب ما الذي ذكرني اليومَ بفنجان ابو الهيوة؟!
انا اقول لكم ما الذي ذكرني به. لقد طُرِقَ بابي اليوم ولأول مرة منذ سنين، من؟ انه جاري الجديد عبد الرحمن وزوجته كريستينا.
عبد الرحمن شاب صومالي من ريف مقاديشو هاجر الى النرويج قبل خمس سنين، تزوج من شابة نرويجية تدعى كريستينا. الفرق بين عبد الرحمن وكريستينا كالفرق بين الليل والنهار، فهي شابة جميلة جداً زادها الحجاب فتنةً بعدما ادخلها عبدو الى الإسلام، بينما عبدو ليس اجمل من فنجان ابو الهيوة.
جاء الشابان ليلقيا التحية عليّ ويدعواني الى مشاركتهما وجبة افطار الليلة كعربون محبة.
لبيت الدعوة ودخلت بيت عبد الرحمن الصومالي لأجده يعيش كبقية خلق الله بل افضل.
كل شيء يحتاجه هذا الصومالي الأسود قد وفرته له الحكومة النرويجية.
بل لم يفتأ عبدو عن وصف سعادته في هذا البلد وما يلقاه من حميمية في التعامل من قبل الشعب النرويجي، علماً بأنه شعب لا يدين ثلثاه بدين، والثلث المتبقي يتعامل مع الدين كتعامله مع التراث.
فما الفرق اذن؟ ولماذا يشعر ابو الهيوة بالنبذ هناك بينما يشعر عبدو بالسعادة هنا؟!
هل العلّة في الدين؟ لا اظن ذلك فالإسلام يقول لا فرق بين ابيض واسود ويقول الناس سواسية كأسنان المشط؟
ام العلّة في المجتمع وثقافته التي تصف كل سيئ باللون الأسود، فترانا نقول ليومٍ وقعت فيه مصيبة (كان يوم اسود) وعندما نندب حظنا نقول (حظي اسود مصخم) لا بل جعلنا من الأسود شعاراً للحزن والمصائب حتى بات لازمةً لكل سيئ؟
انا لا ادري اين العلة لكني اليوم رأيت بعيني كريستينا الجميلة تقف اجلالاً واحتراماً لعبد الرحمن الصومالي، ورأيت انها تتعامل معه بشكل طبيعي جداً غير مشمئزةٍ من شكله، ورأيت وجه عبد الرحمن قد بدا جميلاً باسماً كلما نادته كريستينا بعربية مكسرة (تئال هابيبي).
لذا اقول لمن ينظر لفنجان وغير فنجان بنظرة دونية وهو يدعي الإيمان، اقول له تعال وتعلّم من كريستينا معنى الإيمان.. تئال هابيبي.