يوم 27 مايو 1986، في فندق الهيلتون بالعاصمة الإيرانية طهران، عقد اجتماع سري بمبادرة فردية من طرف حسن روحاني مستشار الحكومة الايرانية للعلاقات الخارجية آن ذاك ورئيس إيران الحالي، مع وفد من الكونغرس الأميركي تضمن شخصيات مرموقة من مجلس الأمن القومي الأميركي والكولونيل الأميركي الغامض أوليفير نورث.
الطلب الأميركي كان يتمثل في قيام حسن روحاني بإقناع القيادة الإيرانية بالتدخل لتحرير الرهائن الأميركيين في لبنان، وأما الطلب الذي تقدم به روحاني في مقابل قيامه بهذه المهمة فتمثل في أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية ببيع أنظمة صواريخ وأسلحة متطورة لإيران.
تفاصيل الاجتماعات التي عقدت في فندق الهيلتون بقيت سرا وطرحت مؤخرا في أحد تحقيقات الكونغرس، ونقل موقع \”نون بوست\” الاخباري العربي، عن مجلة فورين بوليسي الأميركية انها نشرت بعض هذه التفاصيل المستخرجة من محاضر هذه اللقاءات، ورغم انتهائها بالفشل فإنها أظهرت حقائق كثيرة عن شخصية حسن روحاني بالذات وعن الرؤية الإستراتيجية للعلاقات الإيرانية الأميركية التي يتبناها التيار الذي يمثله الرئيس حسن روحاني داخل إيران.
\”عبر حلنا لهذه المشكلة، نحن نقوي مكانتكم في البيت الأبيض.. وكما وعدناكم، سنفعل كل ما في وسعنا\”، يقول حسن روحاني خلال المفاوضات التي عقدت بينه وبين عدد من المسؤولين من إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريجين، حيث كان روحاني يدرك جيدا قيمة النصر الذي سيحققه ريجين عندما ينجح في إعادة الأميركيين المختطفين لدى حزب الله في لبنان آن ذاك، ويريد أن يحصل في المقابل على ما يساوي ذلك النصر في شكل طائرة شحن محملة بأسلحة وصواريخ متطورة.
\”لقد قمتم بخطوة جيدة بقدومكم إلى هنا\” يذكر روحاني، ثم يضيف \”سأفاجئ إذا لم تحصل بعض المشاكل، هناك مثل فارسي قديم يقول أن الصبر يأخذك للنصر، لأن الصبر والنصر أصدقاء قدامى، بدون صبر لن ننجح في شيء يجب أن يفهم الساسة هذا\”، وبمثل هذه العبارات نجح روحاني بإقناع الكولونيل نورث بضرورة إرسال شحنة الصواريخ إلى إيران قبل أن يتم إطلاق سراح المختطفين الأميركيين في لبنان، قبل أن يتدخل ماك فارلان مستشار الرئيس الأميركي الذي رأى في هذه المفاوضات فرصة لبدأ \”تطور سياسي جديد\”.
ماك فارلان وصل إيران بسرعة، ودخل من خلال جواز سفر مزور حتى لا يكشف أمر المفاوضات الجارية مع روحاني، وقال في رسائل أرسلها إلى إدارة رونالد ريغين أنه يعتقد أن حسن روحاني يمكن أن يمثل الطريق الأمثل لبدأ صفحة جديدة من العلاقات مع إيران، حيث قال ماك فارلان \”من خلال فحوى كلام روحاني وتعابيره ونظرته لعلاقة تعاونية مستقرة بيننا، أعتقد أننا وصلنا أخيرا إلى المسؤول الإيراني المناسب.. وهذا أمر جيد جدا\”.
وفي الوقت الذي جعل فيه ماك فارلان صفقة الأسلحة والمختطفين ثانية بين أولويته وجعل بناء علاقة جيدة مع روحاني ومع الشق \”المنفتح\” من الساسة الإيرانيين في أعلى سلم أولوياته، كان روحاني يجتهد في شرح خارطة التيارات السياسية داخل إيران وفي إقناع الأميركيين بضرورة التعامل معه وبضرورة الحفاظ على سرية هذه اللقاءات، فيقول روحاني: \”العلاقات بيننا (داخل ايران) سوداء وسيئة للغاية، الإيرانيون غاضبون جدا، ونحن كحكومة لا نريد الصدام معهم غدا، نريد البقاء في السلطة ومعالجة هذه المشاكل\”، ثم أضاف \”لا تنسوا، كثيرون من قادة إيران يصفونكم بالشيطان الأكبر\”.
ماك فارلان علق على كلام روحاني هذا في رسالة أرسلها إلى إدارته قائلا \”إنهم عاجزون على حل المشكلة الأكثر إحراجا لهم، كيف يتعاملون معنا ويبقون على قيد الحياة في إيران\”.
صفقة تبادل المختطفين مقابل الأسلحة لم تتم، ولكن لا يمكن الجزم إذا ما كانت العلاقات الأميركية بروحاني وتياره قد استمرت طيلة ال27 سنة الماضية أم لا، ولكن الأكيد هو أن الأميركيين فتحوا أبوابهم علنا لروحاني منذ انتخابه رئيسا لإيران قبل أسابيع، وكذلك في خطاب أوباما الأخير الذي أكد فيه للمرة الأولى أن أميركا لا تعارض امتلاك إيران لطاقة نووية سلمية، وكذلك في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مع ممثلي مجموعة \”5+1\”، الخميس الماضي والذي قال عنه مسؤول أميركي رفيع المستوى لوكالة الأناضول أنه كان إيجابيا وبناء، وأنه شكل مناخا مناسبا لمكالمة هاتفية جرت الجمعة بين الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ونظيره الإيراني حسن روحاني.