صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

فيديوهات بـ«اسم النجف» تعيد فتح ملف «السجون».. ما تبرير وزارة العدل؟

ينشغل العراقيون منذ يوم أمس، بمقطع يُظهر لحظات عنيفة من داخل أحد أقسام سجن التاجي في العاصمة بغداد، وسط إهانات وصفت بالطائفية على النزلاء، مما أعاد فتح ملف السجون العراقية، وما تعانيه من تنكيل وتعذيب واكتظاظ، فيما خرجت دائرة الإصلاح التابعة لوزارة العدل، اليوم السبت، لتبرر أن أغلب الفيديوهات المنتشرة لتجاوز النزلاء على بعضهم “قديمة”.

ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم، وموقوف بجرائم جنائية أو إرهابية، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يعرف بسجن “سوسة” في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق، وهو مرتبط بوزارة العدل الاتحادية.

وقال المتحدث الرسمي للوزارة، أحمد لعيبي عبد الحسين، في بيان تلقته “العالم الجديد”، إن “تلك المقاطع تعود لأحداث قديمة تم رصدها سابقا عبر كاميرات المراقبة داخل القاعات السجنية، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق النزلاء المتورطين في تلك الاعتداءات في حينها”.

وأضاف أنه “تم تحريك شكوى جزائية بحقهم لدى المحاكم المختصة، كما وتم اتخاذ إجراءات قانونية بحق العناصر التي ساهمت في إدخال هذه المواد إلى السجن”، مبينا أن “بعض الفيديوهات قديمة تعود لسنوات سابقة، وأن بعض من ممن يظهرون فيها قد شملوا بقانون العفو العام، وهم الآن مفرج عنهم”.

وأكدت الدائرة أن “توقيت نشر هذه المقاطع، يأتي عقب إلقاء القبض، قبل شهر على عصابة كانت تريد إدخال المخدرات إلى سجن التاجي، في عملية نوعية تؤكد نجاح التعاون بين إدارة السجن، والقضاء والجهات الأمنية”.

وأشارت الدائرة إلى أن “أغلب المدانين في سجن التاجي، هم من كبار تجار المخدرات، ويُرجّح أن نشر هذه المقاطع يهدف إلى إثارة الرأي العام وتشويه صورة الجهود الإصلاحية، ومحاولة التشويش على الإجراءات الأمنية المشددة التي تم اعتمادها مؤخرا لمنع إدخال الممنوعات”.

وشددت وزارة العدل على “التزامها الكامل بتطبيق القانون داخل جميع السجون العراقية، ومنع أي تجاوزات واتخاذ إجراءات صارمة بحق من يتجاوز القانون”.

وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تداولوا أمس الجمعة، مقطعا فيديويا يُظهر إقدام أحد السجناء على الاعتداء الجسدي على عدد من زملائه، وسط صرخات استغاثة من الضحايا.

ويُظهر الفيديو الذي اطلعت عليه “العالم الجديد”، السجين وهو ينهال بالضرب المبرح على مجموعة من السجناء، في مشهد أثار صدمة واستنكارا واسعا، خصوصا مع ترديده عبارة “هاي باسم النجف” أثناء الاعتداء، ما فتح باب التساؤلات حول خلفيات الحادث ودوافعه، وما إذا كان الأمر مرتبطا بتصفية حسابات داخل السجن.

وطالب ناشطون بفتح تحقيق فوري في الحادثة، وكشف ملابسات تسريب الفيديو، ومحاسبة المتورطين، سواء من السجناء أو الجهات الأمنية التي يفترض بها فرض السيطرة داخل السجون.

ورغم توجيه مجلس القضاء الأعلى في العراق، في 21 شباط فبراير الماضي، دائرة السجون، بتنفيذ “إطلاق سراح فوري” لمن يصدر له قرار الإفراج وفق قانون العفو العام، من دون الحاجة إلى اكتساب القرار الدرجة القطعية، إلا أن الآلاف لا يزالون يقبعون في السجون.

ولا تزجد إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب مائة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.

وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، وفاة نحو 50 معتقلا نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد”، مبينا أنّه ما بين يناير كانون الثاني الماضي وأغسطس آب الماضي توفّي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.

وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير، ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية خاصة تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.

يشار إلى أن “العالم الجديد” قد كشفت في تقرير سابق لها عن الانتهاكات وإدخال الممنوعات لداخل السجون، حيث وصل سعر النقال 3.5 ملايين دينار والرصيد بـ7 أضعاف، للإطلاع على التقرير أضغط هنا

وفي تموز يوليو 2023، اقرت وزارة العدل العراقية بانتشار أمراض في السجون، بسبب الاكتظاظ الكبير فيها، مبينة أنها تسعى إلى التنسيق مع وزارة الصحة لمتابعة أوضاع السجناء الصحية، وسط دعوات لإيجاد حلول للواقع المؤلم في داخل السجون.

يذكر أن وزارة العدل أعلنت في العام 2023 عن عزل أكثر من 20 موظفا في السجون نتيجة انتهاكاتهم وإدخالهم للممنوعات داخل السجون، وفيما اعتبرت أن هذا الملف يعد تحديا كبيرا لأن السجون تعاني من الاكتظاظ، وهناك تراكمات للأخطاء منذ عدة عقود، وبالتالي من الصعب معالجتها جميعا، أشارت إلى أن نسبة الاكتظاظ وصلت إلى 300 بالمئة، وأن الطاقة الاستيعابية تتجاوز الـ25 ألف سجين، وهناك أكثر من 60 ألف سجين داخل السجون ومن الصعب السيطرة على هذه الأعداد.

وبحسب سياسيين ومراقبين، أن هناك عمليات تعذيب تحصل لبعض المعتقلين لدى الجهات الأمنية لانتزاع الاعترافات منهم، مما يضطر بعضهم أحيانا إلى الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، في حين أن سجناء آخرون لا يتعرضون لذلك في حال كان لديهم علاقات مع أشخاص أو جهات متنفذة سياسيا أو اجتماعيا أو من الطبقة الثرية، كما أن هناك تمييزا في مدد أحكام السجن تختلف من سجين إلى آخر وفقا لمكانته وتأثيره السياسي والاجتماعي، ووصل الأمر إلى أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون على أحكام مخففة في حال مخالفتهم للقوانين في حين يتم تطبيق القانون بشدة على غيرهم حتى وأن ارتكبوا نفس المخالفة.

إقرأ أيضا