بقامتها الباسقة كنخلة، ورومانسيتها الهادرة كبحر، وملامحها الهادئة مثل حديقة زهور، وضعت أقدامها بقوة في عالم الفن، منذ أول مسرحية وأول عرض أزياء، وأول فلم سينمائي، وأول مسلسل تلفزيوني.
تألقت في سماء الدراما كنجمة، تربعت على عرش بطولة أشهر مسلسل في حينها (نادية)، في أوج عطاء فنانات منافسات، لا لجمال طلتها، وسحر ظهورها فحسب، بل لأدائها المقنع، وكارزما شخصيتها الصلبة، لكن نجوميتها سرعان ما أفلت مثل أي نيزك، وغابت عن الأضواء تماما، لتحفر لها مكانة من ذهب في ذاكرة المشاهد العراقي.
عن سر اعتزالها، وطريقة حياتها، وهواياتها، وعن مزاولتها لعشقها الأول (البيانو)، واستعدادها للعودة الى العمل الفني في أي دور يناسبها، عن هذه المواضيع وغيرها تحدثت الفنانة أمل سنان لـ”العالم الجديد”، فاتحة قلبها من منفاها الأخير في ألمانيا، في أول حوار مع صحيفة عراقية بعد ربع قرن تقريبا.
• لنبدأ من حصولك على لقب أفضل ممثلة عراقية العام 1988 عن دورك في مسلسل “نادية” الشهير.. لم تعلمي بذلك إلا بعد مرور ما يقرب من ربع قرن على هذه التجربة الرائعة، ما السبب؟
– الظروف التي مر بها العراق كانت سببا مهما، وهذا هو اعتقادي… أما اذا كانت هناك أسباب أخرى فهذا ما لا أعرفه.
• في لقاء سابق منشور على صفحتك الخاصة على الفيسبوك ذكرت أنك تعرضت الى نوع من المضايقات بعد مسلسل “نادية” الشهير، هل كانت سياسية أم فنية أم غيرها؟ وهل كان لبعض المسؤولين المتنفذين دور فيها؟
– انا لم أقل أبدا أنني تعرضت الى مضايقات بعد المسلسل، بل قلت إن المضايقات بدأت مع بداية تصوير المسلسل، وازدادت مع بداية العرض ونجاحه… وأما ما يخص القسم الثاني من سؤالك، فلم يكن لأي مسؤول أو متنفذ أي دور في الموضوع، فلو كان هناك شيء من هذا القبيل لما ترددت في قوله، لأن هدف اللقاء المفصل الذي أجريته سابقا والمنشور على صفحتي الرسمية، والذي أجبت فيه على أسئلته بكل صراحة كان الإجابة على كل تساؤلات المحبين، والتي بقيت بدون جواب بسبب مغادرتي للعراق.
• ذكرت في اللقاء أن ابتعادك عن عالم الفن كان بسبب الهجمة التي تعرضت لها من أشخاص أسميتيهم بالـ\”زمرة\” التي كانت تود الحصول على دورك في مسلسل \”نادية\”.. هل لنا أن نعرف من هذه الزمرة؟ وهل ما زالت مسيطرة على عالم الدراما اليوم؟
– إنني أجيب على أسئلة لقاء صحفي، ولست في محكمة لإبراز الأدلة وذكر أسماء المشتبه بهم.
• ألا يتناقض ذلك مع حديثك لمجلة “المرأة” عام 1989 حين أعلنت الاعتزال منذ ذلك الوقت والانصراف الى البيانو، ربما إخلاصا لهذه الآلة التي عشت معها طفولتك؟
– ليس بتناقض أبدا، لأن الأمر بدون الحاجة للتعمق في التفكير أجده واضحا، ولكن بالرغم من ذلك سأذكر السبب مرة أخرى، لكي يتوضح لك الأمر.. كان هدفي من الاعتزال هو العيش بهدوء وسلام واحترام، لأنها محيطي دائما.. لذلك (وهذا ليس بتناقض)، فضلت طي هذه الصفحة، وعدم الحديث عنها، ولقد كان حديثي لمجلة المرأة عما سأفعله بعد ذلك فقط، وهو الرجوع إلى عالم الموسيقى، (وليس بسبب إخلاصي للبيانو كما ذكرت أنت).
• من كانت تنافسك في دور نادية قبل وقوع الاختيار عليك من قبل المخرج صلاح كرم في حينها؟
– كيف لطالبة جامعية في المرحلة الثالثة، أن تجيب على سؤالك؟ أعتقد أن هذا السؤال كان يجب أن يطرح على المخرج او منتج المسلسل في حينها.
• لعلك الفنانة الوحيدة في العالم التي لم تشاهد فيلمها، بسبب موقف معين.. وهذا ما حدث لك مع الفيلم الشهير 6 على 6 من إخراج خيرية منصور وبطولة قاسم الملاك.. هل يمكن أن تشرحي لنا الموقف؟
– إن سبب انزعاجي لم يكن بسبب حصولي على دور ثانوي، بل إن المسالة كما ذكرت في لقائي السابق هي استخدام اسمي في الواجهة، وكأنني أقوم بدور بطولي في هذا الفلم، وكان هذا تمويها للمشاهد الذي توقع ما هو غير موجود في الحقيقة.. طبعا الكل أحرار في قراراتهم، ولكني لا أود أن أشارك في قرار كهذا إذا كان الأمر يتعلق بي، وكان رأيي هذا وتصرفي كرد فعل للانزعاج الذي أصابني حينها..
• وهل تجدين بعد كل هذا الوقت أن انزعاجك مبالغ فيه قليلا؟ خصوصا وأن الكثير من النجوم العالميين والعرب كما تعلمين يظهرون في أدوار ثانوية أحيانا.
– سأجيبك بسؤال أوجهه أنا، كوني أؤمن بأن طريق الصواب هو واحد، فهل تغير طريق الصواب منذ ذلك الزمن وأنا لا أعلم؟
• طولك الفارع وجمالك الطبيعي كانا سببين في دخولك عالم الأزياء.. من كان صاحب الاقتراح؟ وهل انضممت الى دار الأزياء العراقية كموظفة؟ أم كانت على سبيل الهواية؟
– بدأت العمل مع دار الأزياء العراقية تلبية لطلب منهم، وبسبب كوني طالبة جامعية، فلم أكن موظفة في الدار، إذ كنت التحق بهم للمشاركة في البروفات فقط، قبل المشاركة في العروض التي كانت تقام في العراق وخارجه.
• رغم تخرجك من قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة، فإنك لم تمثلي في مسرحية أخرى، غير التي قدمتيها للتخرج؟
– معلوماتك ليست صحيحة، ففي نهاية كل عام دراسي كان يجب على طلاب قسم المسرح المشاركة بعمل مسرحي، وهذا ما حصل، أما خارج نطاق الكلية فعملت مع المسرح الوطني العراقي، ومثلت الدور الرئيسي في مسرحية الاستشهاد والقضية في مهرجان بغداد للمسرح، وحصلت على جائزة أحسن ممثلة مسرحية واعدة.
• بعد الاحباط الذي أصابك في العراق أو المنطقة العربية عموما ألم تفكري بدخول عالم الدراما أو السينما في أوروبا، خصوصا وأنك تمتلكين الموهبة واللغة والكارزما؟
– لا لم أفكر لأني كنت قد طويت هذه الصفحة من حياتي، حتى أني لم أتابع الفن في الوطن العربي، منذ مغادرتي العراق.
• قلت في لقاء سابق، أنك مستعدة لأداء دور فني بشروط معينة.. هل أنت على استعداد لقبول أي عرض يتلاءم مع شروطك؟
– سؤالك يشبه ٢ + ٣ = ٥، هل هذا يعني ٣ +٢ = ٥؟… ونسيت إضافة ما ذكرته أنا في بداية إجابتي لذلك السؤال في ذلك لقاء سابق، وهو \”ليس في الحياة شيء اسمه ١٠٠٪\”..، وكنتيجة فإذا ما تلقيت عرضا يستحق العودة الى التمثيل (وهذا سؤال يسأله الكثير من محبي وأصدقاء صفحتي الرسمية) فإني سأعود.
• تزاولين الآن تدريس البيانو في ألمانيا.. هل هي محاولة للعودة الى جذورك الأولى، حيث عالم الطفولة الذي بزغ مع هذه الآلة التي استحوذت على عاطفة أمل سنان منذ الرابعة من عمرها؟
– تدريس البيانو ليس بأمر جديد علي، فقد كانت البداية، وأنا لا أزال طالبة في المدرسة لتلبية وإصرار أصدقاء العائلة، فكانت هواية ثم استمرت وأنا في الأكاديمية، وأصبحت تضم أشخاصا من خارج نطاق العائلة واستمرت لسنوات كمهنة بعد مغادرتي العراق، توقفت بعدها لمدة من الزمن وعدت مرة أخرى… الموسيقى كانت وستكون جزءا مهما من حياتي.
• تستمعين الموسيقى العربية والغربية، إلى أيهما تميلين أكثر؟
– أميل أكثر للموسيقى الغربية.
• هل فكرت بتقديم مقطوعات موسيقية خاصة أو ألبومات من تلحينك؟
– لقد بدأت التلحين وكتابة الأغاني قبل سنوات وقد حالفني الحظ في حينها والتقيت الملحن والمنتج التركي والانسان الرائع الراحل مليح كبار، واستمع الى ألحاني، وقررنا العمل معا.. علمني الكثير من خلال تجاربه في التلحين وأبهرني بأخلاقه وتواضعه ونبله رغم الشهرة التي يتمتع بها، ولكنه توفي رحمه الله بعد ثمانية اشهر، وقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي ولكل محبيه لأنه أخفى مرضه عن الجميع. وقد توقفت منذ يومها عن التلحين.. لي الشرف اليوم عندما أفكر بمؤلفاتي وهي جنبا الى جنب مؤلفاته في أرشيفه الخاص.
• ذكرت في اللقاء المنشور على صفحتك أيضا، أنك لو لم تكوني فنانة لكنت محامية.. بسبب ما تشعرين به من متعة في الدفاع عن حقوق المظلومين.. ألا تعتقدين أن دخول النشاط المدني وتأسيس منظمة للدفاع عن فئة أو شريحة عراقية كانت أو عامة فكرة قد تعوض الحنين الى المحاماة، خصوصا وأن المحامي يدافع عن شخص أما المنظمة فهي تدافع عن مجموعة؟
– يسعدني ويشرفني المساهمة بمشروع كهذا هدفه الدفاع عن حق أي من الكائنات ومساعدته.
• تجيدين 4 لغات هي التركية والألمانية والروسية والانكليزية، وتحسنين التعبير بها بشكل ممتاز.. هل راودتك فكرة الترجمة؟
– بالرغم من اللغات التي أجيدها، لكن عمل الترجمة ليس من الأعمال التي أود القيام بها، فليس فيها أي مجال للإبداع أو التعبير.
• ولو أن فكرة الترجمة راودتك، فبأي كاتب أو كتاب ستبدئين؟ وما اللغتان اللتان ستختارين الترجمة منها واليها؟
– لو أردت ذلك، فإن اللغات التي يمكن أن أترجم منها واليها هي العربية والتركية والإنكليزية بالدرجة الأولى.
• استعضت عن التلفزيون بالأنترنت منذ 8 سنوات كما أعلنت سابقا.. ما المواقع التي تتابعينها يوميا؟ هل هي الإخبارية أم الفنية أم..؟
– أتابع مواضيع مختلفة ومتنوعة الأدب، التاريخ، علم النفس، فلسفة، الطبيعة والكون خصوصا، بعض السياسة، وبعض الاقتصاد.. والفن بكل فروعه.
• بعد أن حسمت العيش في ألمانيا، هل أصبح الأنترنت وطنك الافتراضي الذي تلتقين فيه بجمهورك ومحبيك وأصدقائك وحتى أقاربك الذين توزعوا في بلدان العالم ربما؟
– تشبيه الإنترنيت بالوطن الافتراضي فكرة جميلة، وليست بعيدة عن واقع المغتربين الكثيرين في يومنا الحالي.
• هل تمارسين حياتك الاجتماعية من خلال اللقاء بأصدقاء ألمان أم أنك تفضلين اللقاء بأفراد الجالية العراقية والعربية أو غيرها؟ أم أنك تعيشين عزلتك الخاصة؟
– طبعا لدي حياتي الاجتماعية، التي تنطوي على معرفتي بأشخاص من مختلف الجنسيات، ففيهم عراقيون، وألمان، وأتراك، وإيطاليون، وروس.
• ماذا تنتظرين لزيارة بغداد؟ ولو جاءتك دعوة رسمية هل ستلبينها؟
– يبدو انني انتظر القسمة والقدر… إن جاءتني دعوة لا أستطيع رفضها، وسألبيها إن شاء الله.
• قلب أمل سنان هل منحته لأحد؟
– ……..
• هل لديك كلمة تقولينها لوزارة الثقافة العراقية؟
– أقول لوزارة الثقافة العراقية، إن المثقف والفنان العراقي أمانة في رقاب المسؤولين في هذه الوزارة، ومنها وجوب متابعة أحوال الفنانين من حيث وضعهم الاقتصادي والصحي ومنحهم ما يستحقونه، أسوة بكل من قدم خدمة أو واجبا لهذا البلد الجريح، والفنان هو واجهة بلد وسفيره، فهل ترضون يا سادة بفنانة قدمت الكثير للبلد وهذا الشعب العزيز كالفنانة العزيزة أمل طه لتهمل هكذا ولا يتم مساعدتها بالتكفل في علاجها بإحدى المستشفيات المتخصصة؟ وعلى حد علمي فإن هذه المطالب لا تكاد تكلف الميزانية العامة لو تم تبني دراسة متخصصة من قبل مسؤولي وزارة الثقافة، وأن لا يقتصر دور هذه الوزارة على الأمور الشكلية. واسمح لي أن أحور مقولة الشاعر الأرجنتيني الضرير الراحل خورخي لويس بورخيس عندما قال \”الشعراء أولا\”، إذ أقول \”المثقف والفنان أولا\”، ولأسباب لا تخفى على أحد.
• ما كلمتك الأخيرة لجمهورك التواق لرؤيتك من جديد؟
– أقول لجمهوري الحبيب، إن ابتعادي عنكم لم يكن بمحض إرادتي، فكما ترون.. لقد مرّ العراق الحبيب بسلسلة من الأزمات والحصار والحروب، ولم تبق عائلة عراقية على حالها، فقد انتشر العراقيون في جميع أنحاء العالم، وأتمنى أن يعود العراق الحبيب الى سابق عهده، بل وأفضل ليعود كل العراقيين إلى بلدهم سالمين مطمئنين.
أما بالنسبة لي فيسعدني بالتأكيد أن يعود بلدي الى أفضل مما كان وأتمنى أيضا أن أعود للتمثيل في دور يناسبني من أجل إسعاد جمهوري العزيز الذي لم ينسني رغم مرور أكثر من 24 سنة على مغادرتي العراق أواخر عام 1989، وأنا موجودة حاليا في صفحتي الوحيدة على الفيسبوك، أتفاعل مع الزوار من الأخوات والإخوة من محبي الفن العراقي، وفن أمل سنان.