تبدأ المبادرة بفكرة تومض في ذهن متوقد ويقظ، تخطف في لحظة ما كما البرق، فيقبض عليها ليحولها الى فعل على الأرض. كل المبادرات تنطلق من الحلم الى لحظة التوهج الى الفعل. هكذا بدأت حركة تمرد في مصر. خمسة فقط من الشباب لا تقف وراءهم احزاب سياسية ولا كتل برلمانية ولا عشائر ولا حتى تجمعات ثقافية، شباب لا يسعى الى مناصب ولا فوز في انتخابات وكل ما بين يديه حلم وروح لا تعرف اليأس. ومضت في ذهن واحد منهم فكرة، وهي طبع استمارة اسموها تمرد يوقع عليها الناس اعتراضا على بقاء رئيس جمهورية فاشل في منصبه. كانت فكرة بسيطة ولدت في اللحظة المناسبة فتحول الخمسة الى مئات ثم الوف من المتطوعين يعرضون على الناس استمارة تمرد حتى وقع عليها في أقل من شهر اكثر من 22 مليون مصري في كل انحاء البلاد، وتحولت المبادرة الى تيار شعبي تلهث وراءه الاحزاب السياسية ويخيف الحاكمين. كل ذلك بدأ بفكرة ومضت في ذهن احدهم.
ليس عيبا ان تكون تجربتنا في العمل بين الجماهير ضئيلة ومشتتة وخائفة بعد عقود من حكم خنق المبادرة وأصاب النفوس باليأس والتصحر، وفي ظل مناخ متشنج يتطير من الكلمة ومن يرددها، لكن العيب كل العيب ان نكتفي بالإعجاب بمبادرات الآخرين، والتفرج عليها بحسرة بحجة انهم يختلفون عنا. ولأنهم مختلفون وتاريخهم لم يشهد القمع الدموي الذي شهدناه فان استنساخ التجربة سوف ينتج نسخة رديئة وحراكا قصير النفس وغير مجد، وهذا ما حدث في بعض مبادرات الحراك الجماهيري التي تناثرت على مدى السنوات القليلة الماضية ثم تلاشت بسرعة. لكن استلهام تجارب الآخرين لا تقليدها والتعلم من شجاعتهم يمكن ان يفضي الى حراك جماهيري حقيقي يخرج من اعماق هذه الأرض التي تآكلها فساد النفوس والذمم. كم نحن بحاجة الى حراك يقول للفاسدين والمفسدين نحن موجودون وعيوننا ترقبكم.