بعد سبعة اشهر تقريبا على انقلاب شباط عام 1963 الاسود، وعن عمر لم يتجاوز الثانية والاربعين عاما، اعلن في الثالث والعشرين من تشرين الاول عبر إذاعة بغداد عن رحيل الفنان ناظم احمد غزال المعروف بـ\”ناظم الغزالي\” الذي لا زالت قصة موته حتى هذه اللحظة يلفها الغموض. مثير ناظم الغزالي في زوايا كثيرة من حياته، بداياته القاسية حينما عاش طفولته يتيما مع امه الكفيفة في ظروف صعبة وبعد موتها تبنته خالته، ايام دراسته، ثم ارتباطه بالزواج المثير للجدل مع نجمة الغناء العراقي آنذاك سليمة مراد التي تكبره بفارق كبير من الزمن، الى غير ذلك من التفاصيل المثيرة حول ناظم الغزالي.
الحنجرة الذهبية التي كان يتمتع بها الغزالي وجعلت منه فنانا عابرا للحدود العراقية حتى طلب منه في نهايات النصف الاول للقرن العشرين الذهاب الى فلسطين من اجل رفع معنويات الجيش العراقي والجيوش العربية الاخرى المرابطة هناك، وبعدها فتحت افاق اخرى امام الغزالي فاخذ يحط رحاله في مختلف البلدان العربية والاجنبية، وتصدح حنجرته الصافية بما جادت به قريحة كبار الشعراء العرب من العصور المختلفة، كان ينتقي تلك المقطوعات بذائقة شعرية غنائية رفيعة جدا، من ابي فراس الحمداني اختار رائعة \” أقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبي حمامَة ٌ\”، ومن إيليا أبو ماضي اختار مقطوعة \”أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي\”. اما لأحمد شوقي فقد غنّى \”شيّعت أحلامي بقلب باك\”.
ايضا فإن الغزالي غنى للمتنبي \”يا أعدل الناس\”، وانتقى لامية جعفر الحلي الطريّة \”يا قامة الرشأ المهفهف ميلي\”. اما للعباس بن الأحنف فقد غنّى \”يا أيها الرجل المعذب نفسه\”، وللبهاء زهير غنى لاميته الشهيرة \”لعَلّكَ تُصْغي ساعة ً وَأقولُ\”، كذلك الكثير من مقطوعات الادب الاندلسي وشوارد الابيات، وبعض المقطوعات التي اشتهرت اكثر من شعرائها مثل مقطوعة \”يا راهب الدير\”.
الغزالي كان غني الثقافة معبأ بالمعرفة، وهذا ما أهّله لكي يكون ايضا كاتبا في المجال الفني، حيث كان ينشر سلسلة من المقالات في مجلة \”النديم\”. تلك المقالات كانت نواة لكتابه \”طبقات العازفين والموسيقيين من سنة 1900 ـ 1962\”. لقد اخذ القدر ناظم الغزالي وهو في اوج تألقه الفني، خصوصا وانه قبل وفاته بمدة قصيرة كان قد شارك في تجربته السينمائية اليتيمة وهي فيلم \”مرحباً أيها الحب\”. بلا شك لو منح القدر ناظم الغزالي بضع سنوات اخرى لأضاف المزيد من اللوحات الفنية المتميزة التي بالإضافة لجميع ما قدمه من روائع غنائية خلال فترة قصيرة كافح فيها الفقر والفاقة وجشع اصحاب العمل وقسوة الايام. في هذه الوقفة ربما لا اضيف شيئا جديدا للقارئ فالكثير من التفاصيل حول الغزالي معروفة للجمهور، ولكنها بالدرجة الاولى تحية احترام وتقدير لهذه القامة الفنية العراقية بمناسبة مرور خمسين عاما على رحيلها.
gamalksn@hotmail.com