إحساس عامر بالفرح انتابني وأنا أدخل مدينة الجذور\”ميسان\” التي استوى فيها عرشه على الماء، إنها رحم الولادات الأولى حيث انتقل الأنسان إلى الواقعية الجديدة حين كتب سكان أكواخ القصب ملحمة السؤال الحزين للوجود. ما أن قطعنا حدود الكوت بدأت ملامح النهوض الميساني بالتمظهر حيث الشارع العام بدا شارعاً معبداً يتناسب مع سمعة النهوض، لا وجود لمطبات تطيح بالانسيابية ولافتات الإشارة تخاطبك بطريقة حضارية؛ المسافة التي ستقطع وصولاً إلى مركز ميسان. ما أن اقتربنا من حدود المدينة انتابتني رعشة الهدم والبناء وصرت ألمس من الأتربة المتطايرة رائحة الهدم وليس رائحة العواصف الترابية، وكلما توغلنا يزداد عدد الشغيلة والآلات والأبنية الحديثة، حاولت أن أستعير من ذاكرتي المعطوبة بعض صور المدينة قبل ثلاثين عاماً وحين نجحت بكيت فرحاً وأنا أشاهد البناء، فهذه السيدة الجليلة ميسان أهملتها الدكتاتوريات والجمهوريات والملكيات وهي اليوم تنهض بسواعد أبناء أكواخ القصب. وفي المركز حيث استضافني ومجلة جسور اتحاد الأدباء بعد يومين من دخولي المدينة وزيارة موطن أجدادي في الميمونة والطويل وأم جومة والعريض وأبو عشرة وحاذيت الصحين، وكل تلك الزيارات كانت برعاية مضيف \”السيد حسن السيد داوود\” في مركز الطويل \”السلام\” وقد عرف هذا المضيف باستقباله المفتوح لكل الناس وبكرمه الوفير،عدت ممتلئا إلى المركز مكان الضيافة الرسمية لإطلاق مجلة جسور وإقامة ندوة مفتوحة وكوني من الذين لا يخفون إعجابهم، كنت كحال العراقيين أعلن إعجابي ومحبتي للرجل الذي يقود حملة البناء \”علي دواي\” محافظ ميسان الذي قرأت عنه مؤخراً في صحيفة الواشنطن بوست مقالة تشيد بحرصه على مرافقة تفاصيل البناء، ولكن عادة ما يخضع الإعجاب في السلوك الحضاري إلى المراقبة والمعالجة والنقد. من مراقبتي للأداء فهو الأحسن مقارنة ببقية المحافظات إذا استثنينا إقليم كردستان الذي تشترك معه المحافظة الجنوبية في عدم التمكن من غلق باب الفساد والعقود غير المشروعة، ويزداد الأمر ارتباكاً في ميسان حين يتعلق الأمر بالنهوض الثقافي فالحياة الحضارية ليست كونكريتاً، كما أن الديمقراطية ليست صناديق الأقتراع فقط، ومن يريد أن يبني يجب عليه أولاً رسم خطط النهوض الثقافي والذي يتبادل تفاعلاً زوايا النهوض، ولذلك قلت ناقداً في الندوة ما مؤداه: \”ليس بالبدلة الزقاء وحدها تنهض المدن\”، وهي إشارة إلى ما عرف عليه السيد المحافظ في إصراره على ارتداء بدلة العمل الزرقاء. لم أكن أقصد بأن السيد المحافظ \”يقشمرنا أو يضحك علينا\” بل قصدت التلازم في النهوض بالبنى التحتية للمحافظة المنسية، فلا بناء معماريا رصينا من غير بنية ثقافية رصينة، ولا بنية تعليمية صحيحة من غير بنية صحية صحيحة وهكذا دواليك، وما دمنا نريد المستقبل المستقر لهذه الولاية علينا أن نحول كل المسارات والطاقات الكفوءة باتجاه النقطة المخدومة \”مستقبل المحافظة\”!
في ربوع ميسان
2013-09-29 - منوعات