في الوقت الذي يطوي فيه العراق صفحة تنظيم داعش بشكل نهائي، حذّر قائد فرقة العباس القتالية، هيئة الحشد الشعبي بمواجهة عواقب سيئة، إذا لم تصحح مسارها وتضحّي ببعض مسؤوليها السياسيين، وتتخلّى عن توجهات بعض فصائلها الرامية للاشتراك في صراع المحاور الخارجية.
وفيما اتهم إدارة الحشد بعدم الالتزام بالأعداد والاسماء التي أضافها رئيس الوزراء، أكد معلومات نشرتها “العالم الجديد” حول تكليف رئيس الوزراء لفرقته الموالية لمرجعية النجف، بمسك المناطق الحدودية مع سوريا، مبينا رفض فرقته للمقترح بسبب عدم قدرتها. في حين أشار الى أن نشاط فرقته يلاقي باستمرار ترحيبا من كل الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، كاشفا عن مفاتحة جهات خارجية لم يسمّها لفتح قنوات اتصال مع فرقته بسبب “أدائها الوطني”، الا أنه واحهها بالرفض، على حد تعبيره.
ويقول الزيدي في مقابلة مع “العالم الجديد” إن “الحشد الشعبي إذا ما أراد الاستمرار فان عليه التضحية ببعض مسؤوليه السياسيين الذين يخالفون القانون بالجمع بين العمل العسكري والسياسي، والتخلي عن بعض التوجهات الرامية لزجه وإقحامه في صراع المحاور الخارجية، الأمر الذي سيحرج الحكومة العراقية، ويعرضها لضغوط دولية قد تجبر رئيس الوزراء على إيجاد علاج لذلك، إما عن طريق اقتراح هيكلة جديدة للحشد الشعبي أو إقرار بعض الأمور المهمة التي يراها مناسبة لمصلحة البلاد، لذلك فان الحشد الشعبي في هذه المرحلة سيكون بحاجة الى تحرك لاتخاذ قرارات جريئة بهذا الخصوص”.
وبشأن وجود مساع حكومية واقليمية لمنح فرقة العباس القتالية سيطرة أوسع على الاقضية والقصبات القريبة من الحدود الغربية، يؤكد الزيدي “وجود طلب من الحكومة العراقية بمسك الحدود مع سوريا بالاضافة الى انتشارها قرب الحدود مع السعودية، الا أن الفرقة اعتذرت عن تنفيذ هذا الواجب لانه فوق قدرتها، إذ ليس لديها إمكانية مسك هذه الحدود، كونها تمسك مساحات كبيرة أخرى، تقع ضمن مسؤولياتها في العمليات المشتركة بقيادة رئيس الوزراء، والتي تشمل أيضا مسك حدود كربلاء بدءا من معمل السمنت، وصولا الى مقتربات الحدود مع السعودية، لذا ستبقي الفرقة قوة مدرعة من الفرقة في قضاء القائم (الحدودي مع سوريا) لاسناد الجهات الامنية”.
وكان مصدر حكومي رفيع، قد كشف لـ”العالم الجديد” في 14 تشرين الثاني نوفمبر الحالي، عن مساع حكومية واقليمية لمنح فرقة العباس القتالية سيطرة أوسع على الاقضية والقصبات القريبة من الحدود الغربية في محاولة لوقف استخدامها من قبل بعض فصائل الحشد الشعبي كمحطات للعبور الى الاراضي السورية والمشاركة في الحرب السورية.
وفيما يخص موقف الحشد الشعبي من ذلك، يشير الى ان “الحشد ليس لديه مانع بخصوص تكليف فرقة العباس مهمة مسك الحدود مع سوريا، بل بالعكس هو يرحب ان تكون هناك بعض من فصائله موجودة على الحدود، لكونها مهمة جدا، لان الكل يعرف ان داعش دخل الى العراق عن طريق سوريا، لذلك ستبقى هذه الحدود مصدر قلق للبلاد”.
وتُعتبر فرقة العباس القتالية الفصيل الأبرز في الحشد الشعبي بين الفصائل الموالية للمرجعية الدينية في النجف، وأعلنت مبكرا عن تبعيتها المطلقة للحكومة العراقية منذ بداية محاربتها تنظيم داعش في حزيران 2014، حيث قامت وزارة الدفاع في 4 تموز الماضي، بضم أحد افواج الفرقة اليها.
ويقول الزيدي في هذا الصدد، إن “الفرقة جميعها تأتمر باوامر وزارة الدفاع، وليس هذا الفوج فقط، فهي ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة من ناحية الحركات عن طريق العمليات المشتركة، وأن مسؤول العمليات المشتركة هو نفسه معاون رئيس اركان الجيش، وبالنتيجة نحن نرجع الى الدفاع في برقياتنا وحركاتنا واوامرنا، وحتى الحشد الشعبي يرجع الى العمليات المشتركة ايضا، وهي التي تقوم بتحريكه، وتعطي له الاوامر، وبالتالي فان انضمام فوج منا لوزارة الدفاع جاء لتعزيز الامر اكثر”، لافتا الى ان “انضمام مقاتلين الفرقة الى الدفاع رفع عن كاهل العباء المالي”.
ويبين “للدقة أكثر فان من انضم من الفرقة الى وزارة الدفاع هم 1000 مقاتل فقط، وهو عدد أكبر من فوج لأن تعداد الفوج يبلغ 600 مقاتل، ولا يصل الى لواء كما وعدنا بذلك”، مشيرا الى أن “أولى واجبات هؤلاء المقاتلين مسك حدود كربلاء الى النخيب”.
وفي الاشارة الى رصيد الفرقة من القبول المحلي والدولي، يقول الزيدي “نحن لا نخفي عليكم ان الفرقة تحظى باجماع وطني واقليمي مع اننا دائما نصرح ليس لدينا اي علاقة مع جهة اخرى، وهذا الكلام ليس للاعلام فقط، وانما هذا هو الواقع، ونحن نرفض ارتباطنا باي شكل من اشكال العلاقة مع اي دولة”، كاشفا عن “مفاتحة كثير من الدول وبينها دول كبرى (رفض التطرق لأسمائها)، طلبت التواصل معنا، مبدية اعجابها بأداء الفرقة، ونحن رفضا رفضا قاطع اي تواصل معها، وبينا لهم بأننا جهة رسمية عراقية نرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وننفذ التوجيهات التي نكلف بها من قبل القائد العام للقوات المسلحة، ونرفض أي علاقة مع اي دولة أخرى، وقد أطلعت السيد القائد العام شخصيا على هذا الامر، وبينت له اسم الجهات التي فاتحتنا”.
ويمضي بالقول “لمسنا هذا القبول وشعرنا به من خلال التواجد في مناطق حدودية وحساسة، ورغم ذلك فاننا لم نر أي رد فعل غاضب، بل على العكس من ذلك، هناك ترحيب بوجود الفرقة، فقد تواجدنا في النخيب على مقربة من الحدود السعودية، ولم يثر اشكالا ضدنا أو ضد الحكومة العراقية، كما كنا أول قوة وصلت الى الحدود السورية خلال علميات تحرير القائم، ولم تحصل اي ردة فعل تذكر، كما أننا عملنا مرارا وتكرارا مع قوات البيشمركة وفي قواطعها ابان فترة تحرير المناطق الشمالية من قبضة داعش، ولم يظهر بيننا الا مبدأ القبول والتعاون بشكل كبير”.
ولفت قائد فرقة العباس القتالية الى أن “هذا الامر الايجابي قد يستغل من قبل البعض لصنع تفسيرات غير حميدة في محاولة للاساءة للفرقة، لكننا لا نهتم لما يقال، بل تهمنا مصلحة البلاد فقط”.
وبخصوص موقف المرجعية الدينية العليا من صراع المحاور ومن المرحلة الحالية التي يمر فيها العراق ما بعد داعش، يبين الزيدي أن “المرجعية تريد للعراق أن يحافظ على سيادته، ولا تريده أن يدخل ضمن صراع المحاور الذي تعاني منه المنطقة، وقد أكدت أكثر من مرة أنها مع انفتاح العراق على محيطه العربي والاسلامي، لكن ليس بالضرورة أن تلتقي مصالحه مع الاخرين، ومن الواجب هنا تغليب مصلحة العراق”، مبينا “نحن نهدف الى تحقيق الاكتفاء الذاتي في القرار العراقي، ونحاول أن نحافظ على استقلالية القرار فيه”.
ويردف “نسمع من البعض أنه لولا الجهة او الدولة الفلانية لما تمكن العراق من تحرير أراضيه، وهذا غير صحيح، فالعراقيون هم أصحاب الفضل على الدول الاخرى في صد الارهاب عن أراضيها، وحتى التحالف الدولي الذي كان يوفر الغطاء الجوي للعراق هو ايضا غير متفضل، بل إن العراق هو المتفضل، لأنه هو من يقاتل العدو على الأرض ويعطي دماء في سبيل الدفاع عن بلدانهم”، متمنيا أن “يكون توجه الساسة العراقيين بهذا الاتجاه، وليس العكس”.
وعن أزمة رواتب مقاتلي الحشد والاتهامات المتبادلة بين رئيس الوزراء وقيادات الهيئة، يقول الزيدي “نحن لسنا طرفا في الخلاف القائم بين رئيس الوزراء وهيئة الحشد الشعبي بخصوص رواتب المقاتلين، بل نحن ضحية لهذا الموضوع، إذ كنا قدمنا شكوى ضد الهيئة، كون فرقة العباس لم تستلم تخصيصاتها المالية، على الرغم من أن رئيس الوزراء أوعز بتسليم رواتب مقاتلينا بشكل كامل، إلا أننا نسمع نداءات من بعض القياديين في الحشد الشعبي (رفض ذكر اسمها) بأن رئيس الوزراء أضاف أعدادا أخرى حين زج بحشد الدفاع والعتبات، الأمر الذي خلق مشكلة مالية وإدارية عسيرة الحل”.
ويضيف “ناقشت مع بعض قيادات الحشد هذا الأمر، وطلبت منهم تزويدنا بالأعداد الحقيقية لنعرف أين هو تقصير رئيس الوزراء في هذا الارباك، كونه أضاف عناصر جديدة دون تغطية مالية”، لافتا الى أن “رئيس الوزراء أضاف أعدادا جديدة بالفعل الى رواتب الحشد ضمن التوازن المفترض، لكن إدارة الحشد لم تلتزم بهذه الإضافة، وأضافت أضعاف ما أضافه رئيس الوزراء، بل إنها استحدثت فصائل وألوية بعد هذا الأمر، لذا فأنا أعتقد أن إدارة الحشد تتحمل السبب الرئيس في هذه الأزمة، وقد بينت لهم هذا الأمر مباشرة”.
وبشأن النهج الذي تتبعه فرقة العباس القتالية، يؤكد قائد الفرقة “نحن نتبع أوامر الحكومة العراقية ومهتمون بما يصدر عنها وعن القوات العراقية، وليس لدينا أي ارتباط بقوات أجنبية سواء كانت أميركية أم غيرها”، منوها الى أن “القوات العراقية هي التي تقاتل الان في العراق وهي التي تحسم الامور، ولا توجد اية قوات برية في العراق تقاتل غير القوات العراقية والاجهزة الامنية، لدرجة أن هناك قوات محسوبة على العراق تقاتل في سوريا، لذلك فلسنا بحاجة لقوات اجنبية”.
ويستدرك “قيادة العمليات المشتركة تعتمد على مستشارين في التحالف الدولي، والحشد يعتمد على مستشارين ايرانيين، والطرفان يبينون انهم بحاجة ماسة الى جهود المستشارين، بينما نحن ليس لدينا مستشارون حتى نعرف فعلا هذه الجهود الها تأثر على ارض الواقع”.
وحول تواجد مقاتلين محسوبين على الحشد الشعبي داخل الاراضي السورية، يبين قائلا إن “هيئة الحشد الشعبي تكلمت كثيرا عن أن هؤلاء لا يمثلونها، وان كانوا مرتبطين ببعض الفصائل الموجودة قبل وجود الحشد الشعبي بأذرعها الممتدة في سوريا، ولها ثقل رئيسي وأساسي في الصراع الدائر هناك”، لافتا الى أن “الجهات السورية الرسمية مقصرة تجاهها وتجاه دورها حين تنكرت لهم اثناء الحديث عن بطولاتها في الانتصار على داعش”.
وبخصوص الجدل الدائر حول وادي القذف قرب المثلث الحدودي مع سوريا والأردن والمرتبط بالحدود السعودية، يوضح قائد الفرقة انه “واد يربط بين بحيرة الرزازة، ويقطع طريق الـ160 ويذهب حتى يدخل الى الحدود السعودية، وادي مهم لدواعش وهناك وتواجد لداعش في هذا المكان يحتاج الى تعزيز الامني، ولكن ليس بالحجم الاعلام”، منوها الى ان “التسليط الاعلامي بالغ في خطورته، رغم وجود مشكلة أمنية وحاولت فرقة العباس التحرك عليها، بل اننا طالبنا رسميا بالسماح لنا باجراء تمرين تعبوي في الوادي لطمأنة الناس، لكن لم تأتنا الموافقات المطلوبة، ولم يتضح لنا بشكل واضح لماذا”.