قانون إصلاح البنى التحتية.. مصالح العراقيين التي لا بواكي لها

بينما يتخبط العراقي في دمائه الغزيرة التي تهرق يوميا في مسلسل الإبادة الذي تقوم به العصابات الإرهابية، تحاول الحكومة لفت الأنظار بعيدا عن عجزها التام وفشلها المفضوح في مواجهة هذه الكارثة الوطنية، بل وأكثر من ذلك لا مبالاتها إزاءها حتى صار التعامل معها وكأنها ضرب من الأمور العامة التي تشهدها الحياة اليومية في العراق، فكان أن تم طرح ما يسمى بقانون إعمار البنى التحتية للتصويت في مجلس النواب كي يلقى رفضا قاطعا تعددت أسبابه ولكنه في الخاتمة وسواء كانت النوايا التي دفعت أصحاب الرفض سيئة أم حسنة خدمة للشعب العراقي ولمصلحته العليا، وقد حفظ ولو جزءا من موارده من أن تمتد إليها يد المصادرة والفساد فتنهبها أسوة بما تم نهبه في ظل حالة الفرهود السائدة في العراق الجديد.

ومع أن الغالب في مواقف الرفض للقانون المقترح لم يكن المصلحة الوطنية العامة إذ تراوحت بين محاولة إفشال خطط الحكومة لتسجيل إنجاز دعائي باسمها قبيل \”الانتخابات\” القادمة، وبين المساومة على تمرير القانون بربطه بحزمة من القوانين الأخرى وحسب مصالح الكتل النيابية وغاياتها وأهدافها كقانون العفو العام وقانون النفط وغيرها من القوانين المؤجلة التي تخضع لمساومات الطبقة السياسية العراقية وصراعاتها المحتدمة ومصالحها الخاصة المتضاربة. إن هذه المواقف عابرة ومؤقتة ومرتبطة بنتائج المساومات والصراعات الجارية وما عداها لم نسمع من نائب أو سياسي نقدا حقيقيا للقانون ولغاياته البعيدة والقريبة، ولا تحذيرا من المضار المحتملة التي يلحقها بالاقتصاد الوطني أو بالاستقلال الاقتصادي والسياسي أو بمصالح الطبقات الشعبية الفقيرة فيه.

وإن كانت الحكومة تجيد دائما أمام جمهورها على الأقل إخراج الأمور وكأنها تتوقف على إجراءات تتخذها الأطراف السياسية المناوئة لها، من أجل عرقلة ما تسعى الى تحقيقه وتجد من يصدقها في أجواء الاستقطاب السائدة وخاصة الطائفي منها، فتلقي بذلك عن عاتقها مسؤولية التقصير وانعدام الكفاءة والمؤهلات والقدرات وتعزوها الى دسائس ومؤامرات الخصوم، فإن الخطير هذه المرة أنها استطاعت أن توحي بأن دوافع مواقف الآخرين من قانون البنى التحتية طائفية، وأن من يعارضون القانون إنما يريدون حرمان الشيعة خاصة من فوائد هذا القانون، وتقرن هذه الدعاوى بما يغذي الأحلام الشعبية بالقضاء على الفقر والحرمان من خلال الحديث عن آلاف المدارس والمستشفيات والأهم منها المساكن، التي سوف تقوم في خدمة المواطنين والتي يستفيد منها الشيعة باعتبارهم يشكلون الغالبية في تركيبة السكان، والخطير في الأمر هنا أنه يراد تمرير هذا القانون تحت غطاء هذا الدخان الطائفي الكثيف أو توظيفه في حالة الفشل في إعادة حشد الجمهور ورص صفوفه عشية \”الانتخابات\” القادمة، فتعوض وسائل الاستقطاب الناجحة هذه عن تقديم قائمة بمنجزات حقيقية قدمتها الحكومة كما أنها تعفيها من عرض برامج مستقبلية تتعهد بها.

وفي ظل هذا الصخب العارم لن يتوقف كثيرون ليسألوا: وأين كانت الحكومة خلال عشر سنوات منذ انهيار نظام آل المجيد أو ثمان سنوات من عمر الحكومة الحالية عن تقديم أي إنجاز حقيقي خاصة للطبقات الفقيرة والمسحوقة، والتي يتنامى تواجدها حول المدن كسياج من بيوت الصفيح التي لا تليق بحياة الإنسان وكرامته، في وقت تتنامى فيه طبقة أصحاب الملايين من ذوي النعمة المحدثة، ويكبر سجل فضائح الفساد التي تطال في معظمها وجوها بارزة في الحكومة ومجلس النواب والطبقة السياسية التي تصدرت العمل السياسي في البلاد طيلة عقد من الزمن، والتصريح بآلاف المنشآت والمساكن التي تعد بها الحكومة مواطنيها إنما هو استمرار لمسلسل \”ســ\” الذي اقترن بمسلك هذه الحكومة الفاشلة ورئيسها منذ تأسيسها والى يومنا هذا، من دون إنجازات حقيقية على الأرض تعالج مشاكل المواطنين وتسد احتياجاتهم.

لقد جرى تقديم القانون تحت عنوان تمويهي يدغدغ أحلام العراقيين بالرفاه هو قانون إعمار البنى التحتية، وقد أردف القانون بوعود يحتاج تنفيذها الى سنوات، وليست هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها هذه الحكومة الى مثل هذا العنوان التمويهي، فقد قدمت من قبل الاتفاقية الأمنية مع أميركا تحت عنوان \”انسحاب القوات الأميركية\” مع أن العنوان الأخير لم يعتمد أميركيا لا في وثيقة رسمية ولا في تصريح لمسؤول بل ولا حتى في مقالة صحافية، وقدمت عقودها مع الشركات الاحتكارية العالمية في مجال النفط تحت عنوان مزور هو \”عقود الخدمة للإنتاج والتطوير\” مع أن هذه العقود لا تمت بصلة الى عقود الخدمة التي دأب العراق سابقا على إبرامها مع الشركات العالمية للاستفادة من خبراتها وخدماتها. إن العنوان التمويهي يعني أن الحكومة تريد أن تحقق مكاسب سياسية بوعود قد تكون وهمية أو على الأقل غير قابلة للتحقيق في المدى القريب. كما أن هذا العنوان التمويهي يخفي وراءه كل السلبيات التي يراد تغطيتها بالقانون وستر عيوبه الواضحة حيث يرمي الى تخويل الحكومة الاقتراض من جهات أجنبية لغرض تمويل مشاريع في البنية التحتية وهذا هو جوهر القانون تحديدا، وهذا التخويل لا يتوقف عند البحث عن مقرضين وإقناعهم بفرص استثمار ممكنة في العراق، بل يتعداه، وهنا مكمن الخطورة، الى توفير الضمانات التي ترافق هذه القروض عادة كمقدار الفوائد وخدمة الديون الإدارية ومغريات الأرباح التي تحصل عليها جهات التمويل والمدة الزمنية اللازمة لاسترداد التكلفة والضمانات القانونية والأمنية مما يجعل الاقتصاد الوطني عرضة للقضم التدريجي من شركات أجنبية تسعى الى السيطرة على الاقتصاد العراقي بما يحقق استنزاف الثروات العراقية. ومن المفيد هنا التذكير بأن الديون كانت عادة البوابة الواسعة للسيطرة على اقتصادات الدول النامية وأنها رافعة التدخل الحقيقي في الاقتصادات الوطنية على الأقل بحجة حماية المال المستثمر.

وحتى لا يقال بأن تطور العلاقات الاقتصادية الدولية قاد الى تداخل العلاقات بين الدول، وصار البحث عن الاستثمارات الخارجية سمة عامة للاقتصادات العالمية، وسيكون العراق محظوظا لو استطاع استقطاب الاستثمارات الخارجية الى أرضه وحقق بذلك مصالحه الوطنية في تطوير أوضاعه وخاصة بنيته التحتية المتهرئة والتي تحتاج الى مبالغ طائلة، ولعله من المفيد التذكير بأن العراق في واقع الحال مسلوب الإرادة لا يحدد أولوياته حسب مصالحه الوطنية ولا يتخذ قراراته وفقا لإرادته الناجزة وحاجاته الحقيقية، وأن اقتصاد  العراق بعد خروجه من عقود من الكوارث التي استنزفت موارده وطاقاته تحول الى اقتصاد ريعي صرف أحادي الجانب، وكي يستعيد الاقتصاد الوطني عافيته وينمي الجوانب الإنتاجية فيه فإنه يحتاج الى سياسة اقتصادية راشدة تحقق تنمية وطنية حقيقية تستعيد معها مختلف القطاعات نشاطها وحيويتها، وما تقوم به الحكومة من إجراءات لا يستجيب للاحتياجات الحقيقية للمجتمع العراقي بقدر ما يحقق إملاءات أجنبية أميركية مباشرة أو عبر صندوق النقد الدولي في الاتجاه نحو الخصخصة، وفتح الأبواب للشركات الأجنبية كي تحقق أسرع عملية نهب للثروات العراقية. ومما لا يخفى فإن سياسة الحكومة الاقتصادية ارتجالية لا تستند إلى أية قواعد أو ضوابط، وليس هناك مؤشر حقيقي أيضا على قدرتها على إدارة موارد البلاد بكفاءة وفعالية، وحتى طرحها لهذا القانون في المرة الأولى منذ حوالي العامين يؤشر الى أن الأمر كان مفاجئا لم تسبقه أية مقدمات، ولم تمهد له أية دراسات وفي العراق طاقات علمية اقتصادية جبارة، مما يوحي وكأن الأمر جاء من خارج سياقات عمل الحكومة وطريقة تفكيرها أصلا.

إن العراق لا يشكو من شحة في موارده المالية ولا تنقصه مصادر التمويل، وتصريحات المسؤولين تتباهى بما وصل إليه العراق في مستوى إنتاجه اليومي من النفط في زمن قياسي وفي فترة تشهد ارتفاعا كبيرا في أسعاره بحيث يعدها الاقتصاديون طفرة نفطية ثانية بعد الطفرة الأولى في الربع الأول من سبعينيات القرن الماضي، ولا يخفي مسؤولو ملف الطاقة في العراق بأن سعيهم الحثيث هو في اتجاه تجاوز المستوى الذي حققته السعودية في إنتاجها النفطي، بما يجعل العراق البلد الأول في هذا المضمار خلال العقد القادم، ومع ذلك حينما يتعلق الأمر بمحاولات تسويق هذا القانون المثير للشكوك تتباكى الحكومة حول نقص موارد العراق بحيث لا تكفي لإنجاز وتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين، ومع أنه من الواضح جدا بأن المسؤولين ينسون ما يدلون به من تصريحات متناقضة يراد بها التأثير في المواطنين، وفي غياب مؤسسات بحث رصينة ترصد هذه الاتجاهات فإن تصريحا خطيرا لرئيس الحكومة نفسه في كانون الثاني من هذا العام يفند مدعى حكومته حول حاجة العراق الى البحث عن تمويل خارجي لمشاريعه المعطلة التي تتوقف عليها حياة المواطنين ومستوى رفاههم، فقد اشتكى من أن معظم المحافظات قد أعادت الى الخزينة المركزية حوالي تسعين في المائة من مخصصاتها \”ويقصد الاستثمارية\” لأنها لم تتمكن من إنفاقها في المجالات المخصصة لها،  وأردفت وزارة المالية هذا الأمر بكتاب رسمي يؤكد السياق نفسه،  وإن كانت هذه الحقيقة المرة تنفي جملة وتفصيلا حاجة العراق الى توفير مصادر خارجية لتمويل مشاريعه عن طريق الاقتراض، فإنها تعني بأن المشكلة في العراق فنية وإدارية أكثر مما هي مالية ومن ثم فالخلل في جانب التخطيط وتوزيع الموارد بين مختلف البدائل المطلوبة من جهة وفي التنفيذ من جهة أخرى، والخلل الكبير في الجانب الإداري مضافا إليه الفساد المتعاظم، الذي صار بديهية من بديهيات الوضع العراقي يعني أيضا أن إمكانية الاستفادة الاقتصادية من القروض التي سيحصل عليها العراق ستكون معدومة أو محدودة،  ولن يكون الأمر سوى إهدار آخر للمال ولكن مع تحميل الأجيال القادمة وزر هذا الفعل من خلال خدمة الديون التي كثيرا ما تجاوزت أصول القروض نفسها والأمثلة كثيرة في هذا الصدد بل ومرعبة حقا.

هنالك مشكلة جوهرية في العراق هي غياب السياسات وغلبة الارتجال على القرارات الحكومية، ومثلما هو الحال في كل جوانب الحياة فإن الوضع الاقتصادي في البلاد يفتقر الى أمرين: وجود هيئات متخصصة تضع خبرتها الاستشارية في خدمة أهداف ومؤشرات عامة تطرحها الحكومة لتحقيق برامج مسبقة للوصول الى أهداف محددة، ولو سألنا ماذا تريد هذه الحكومة والتي سبقتها والتي سبقت الاثنتين تحقيقه في العراق وفي أي مجال من المجالات، غياب الهدف أمر واضح وسببه هو الأمر الثاني وهو انعدام كفاءة وأهلية من يتصدرون الوضع السياسي في العراق والذين ركبوا الى السلطة في ظروف غير اعتيادية معروفة، ولهذا يقع التخبط في القرارات بل وحتى التضارب والتصادم بينها، والأمر اليتيم الذي يجد حيزا مناسبا من التنفيذ هو الإملاءات الخارجية بصرف النظر عن  طريقة إخراجها، وقد كانت الخصخصة ولا تزال في صلب الأهداف الغربية في البلدان المتخلفة، بصرف النظر عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، وفي بلد ريعي يعتمد على إنتاج النفط في المقام الأول، وتخضع عملية الإنتاج هذه الى سيطرة السلطة بدون أية ضوابط رقابية حقيقية، وأجواء اللامبالاة السائدة في الأوساط الرسمية والشعبية والحزبية والأكاديمية والإعلامية على السواء ، فإن وضع قطاعات مهمة وأساسية كخطوة أولى في بازار السيطرة الخارجية يعني حكما أن المواطن محدود الدخل سيكون أكثر المتضررين من هذا التوجه في حال تنفيذه ذلك أن الشركات الأجنبية المقرضة لا ترمي أموالها في الهواء أو تغامر بها، وهي ستقدمها مقابل تكلفة عالية أو من أجل السيطرة على القطاع الذي تضع فيه أموالها وتستثمرها بما يحقق أقصى الأرباح وفي مدد قد تصل الى ربع قرن، وكمستثمر أجنبي تحرص الحكومة على ما يحفزه للإقراض فإنه لن يجد أي مانع يحول بينه وبين فرض الأسعار التي تناسبه في مجال استثماره، وبينما توفر سيطرة السلطة على صناعة النفط وموارده، فإن المواطن محدود الدخل سيكون أكبر المتضررين من هذه السياسات دون أي حماية خاصة إزاء الوصفة الدائمة والمتواصلة للمنظمات الدولية المختصة برفع الدعم الحكومي عن كل السلع والخدمات، وإن صحت التقديرات حول نسبة السكان الذين يعيشون عند حد الكفاف ودونه والتي توصلها الى الثلاثين في المائة من السكان، فهذا يعني أن هذه النسبة التي لا تستطيع تأمين ضروريات الحياة ستواجه قائمة نفقات باهظة لا قبل لها بها وتشمل هذه المرة ضروريات الحياة كالسكن والصحة والتعليم والتي تضعها الحكومة في أولويات توجهها، مع أن هذه القطاعات لا تزال في أعرق البلدان الرأسمالية في عهدة القطاع العام ويعد الإنفاق فيها معيارا للرفاه والتقدم. إن الأضرار المحتملة والمتوقعة بل والأكيدة ستضيف الى هذه النسبة الكبيرة من سكان العراق أعدادا متزايدة يدفعها ارتفاع كلفة المعيشة الى النزول الى خط الفقر وربما الذهاب دونه.

لقد نشرت صياغات عديدة للقانون وهي جميعا ومع الركاكة القانونية وحتى اللغوية التي عودتنا عليها هذه الحكومة في عهديها، فإن هذا القانون لا يقدم أساسا متينا يبرر جوهره أي إغراق العراق بالديون وأعبائها دون مقابل حقيقي سوى وعود وأوهام وضمانات غير حقيقية، دأبت هذه الحكومة على تسويقها باستغلال الاستقطاب الطائفي الحاد الذي يعيشه المجتمع، وتتحمل سياساتها مسؤولية شطر كبير منه، ولأن البيئة الصالحة للاستثمار غير متوفرة بغياب الكفاءة والنزاهة والنظام الإداري وآليات التنفيذ المناسبة وغيرها من العوامل فإن الحد الأدنى لإتاحة هذه الفرصة للحكومة باقتراض مبالغ طائلة ستتقاسمها الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها كما فعلت من قبل وتحت ذرائع ومبررات وعناوين شتى وضياع مبالغ كبيرة من أموال الشعب العراقي في حمأة الفساد الجارفة، وفي الحد الأقصى الممكن للاستفادة منه إن افترضنا بأن كل تلك العوامل المثبطة غائبة وأن الأجواء المناسبة  للاستفادة من الأموال المقترضة ستكون متوفرة وحتى مثالية فإنه سيعني إرهاق الاقتصاد العراقي وخاصة الأجيال القادمة بعبء غير ضروري، مع توفر الموارد اللازمة التي لو وظفت بطريقة عقلانية واستطاعت أن تنجو من مصادرات الفساد والإنفاق الإداري الفاحش وما تستهلكه الطبقة السياسية العراقية سواء في المركز أو في تفرعاتها المحلية، فإنه سيمكن للعراق النهوض بهذه الأعباء أو على الأقل الأساسية منها، والتي لا تجعل مستقبل الأجيال القادمة وطريقة عيشها عرضة للاستغلال الذي تمارسه الشركات الأجنبية التي يراد لها الاستيلاء على الاقتصاد العراقي وقضمه تدريجيا، تحت عناوين وأعذار عديدة تمهد لها الحكومة كجزء من التزاماتها الدولية وخاصة مع الدولة التي وضعت الطبقة السياسية العراقية في موقعها الراهن أعني الولايات المتحدة الأميركية.

لقد كانت مثل هذه الظروف سواء لجهة فتح المجال أمام الشركات الأجنبية، أو لما ستعانيه الطبقات ذات الدخل المحدود والفقيرة والمعدمة، هي الميدان الأساس لليسار العراقي والحركة الوطنية العراقية عموما، في الدفاع عن المصالح الوطنية العامة، ومصالح المتضررين من هذه التشريعات وأهدافها، ولكن ما يؤسف له أن اليسار العراقي ومعه الحركة الوطنية عموما لم ينحسر دورهما وفعلهما في هذا المجال وغيره، وإنما يبديان تقاعسا واضحا عن القيام حتى بالممكن من دورهما ويتخذان مواقف وسطية تحاول أن تساير الوضع السياسي وتعقيداته وتحالفاته وترضي جميع الأطراف، ولكنها تتجاهل مصالح الناس وما تتعرض له من مصادرة وعدوان، وقد لا يكون بالإمكان منع إصدار مثل هذه القوانين أو إحباط غاياتها، ولكن موقفا وطنيا واضحا ومحيطا بكل جوانب الموضوع مطلوب كحد أدنى من حق الناس على حركتها الوطنية ومثقفيها ومفكريها وخاصة الاقتصاديين منهم وفي العراق من حملة الفكر الاقتصادي ما يحق للبلاد أن تفخر بهم وتبز بهم أقرانها من بلدان العالم على الرغم من تهميشهم لصالح طبقة سياسية أثبتت في عشر سنوات أنها تفتقر الى أبسط مقومات القيادة والمقدرة على قيادة البلد بل وحتى التفكير بواقعه وقضاياه ومشاكله، والبحث عن حلول ومعالجات مناسبة لها، ومثلما استطاعت هذه الطبقة التي تم تسليطها على العراق تمرير أخطر القوانين التي صادرت المصالح الوطنية، فقد تتمكن أيضا من تمرير هذا القانون ولكن هذا لا يمنع من قول كلمة مناسبة تلقى على أسماع الناس، وتشكل شهادة للتاريخ أو تسهم ولو بالجهد القليل في خلق الوعي المناسب بمصالحهم وما يدبر لهم في كواليس الطبقة السياسية العراقية ومن يوجهها من بعد أو عن قرب.

* كاتب وناشط سياسي

إقرأ أيضا