أمضى يونس الشيخ (27 سنة) الحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الإدارية والمالية من جامعة جيهان بإقليم كردستان، أكثر من عامين عقب تخرجه، وهو يرسل طلبات التوظيف إلى الشركات المحلية والأجنبية العاملة في الإقليم، عبر البريد الإلكتروني ويراجع مقراتها، دون أن يتلقى جواباً ايجابياً، ليظل عاطلاً عن العمل عاجزاً عن تحقيق أحلامه.
يقول الشاب الكردي الذي يعيش في أربيل، وهو يطالع شهادة تخرجه المعلقة على الجدار: “طوال سنتين لم أتوقف عن المحاولة وبشتى الطرق للحصول على وظيفة تناسبني، في البداية عبر الاتصال بالإيميل والتلفون ومن ثم بزيارة مقار الشركات وتقديم طلبي لهم مباشرة وأنا بكامل أناقتي والابتسامة لا تفارق وجهي، لكن من دون جدوى، لا شيء غير الرفض والاعتذار”.
يتابع وهو يضرب كفيه ببعضهما:”أغلب الشركات تشغل الأجانب، السوريين والأتراك والإيرانيين، لأنهم يعملون لساعات أطول أو بأجور منخفضة تلائم أوضاعهم، كونهم يحولونها إلى بلدانهم التي تكاليف المعيشة فيها أقل، لكن بالنسبة لي ولأمثالي ممن يعيشون في أربيل فهي لن تغطي نفقات معيشتي قطعاً”.
مئات آلاف الشباب في إقليم كردستان، نسبة كبيرة منهم حاصلون على الشهادة الجامعية، يعانون من إيجاد فرص عمل، في ظل انتشار العمالة الأجنبية ووجود مئات الشركات المحلية والأجنبية التي تستعين بنحو واسع بالعمال الأجانب بدل المحليين.
ئاشتي علي، الذي تخرج منذ سبع سنوات من كلية الهندسة المدنية، يقول بصوت مبحوح:”تصور كل عمليات البناء والإنشاءات التي تراها هنا، لكنك تفشل في إيجاد عمل، الشركات الأهلية تفضل مهندسين إيرانيين أو سوريين يعملون بأجور متدنية، وهناك خريجون جدد عراقيون يعملون دون مقابل ليكتسبوا الخبرة”.
اليأس من إيجاد عمل لبناء عائلة، يدفع آلاف الشباب إلى المخاطرة بالهجرة من خلال طرق التهريب المختلفة الى أوروبا على أمل بدء حياة جديدة هناك، بعد فشلهم في منافسة اليد العاملة الأجنبية في كردستان رغم صدور قرار حكومي لمعالجة المشكلة، غير أن غالبية الشركات لم تلتزم به في ظل غيابة الرقابة وإهمال الجهات المعنية.
تقدر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم كردستان عدد العمال الأجانب بأكثر من 100 ألف عامل، النسبة الأكبر منهم من السورين، إضافة الى الأتراك والإيرانيين والمصريين والآسيويين، وهم يتوزعون في مختلف مجالات العمل، ويتركزون في شركات القطاع الخاص المتخصصة بالبناء فضلا عن القطاعات الخدمية كالمطاعم والفنادق، إلى جانب المعامل والورش المهنية.
وتعد مشكلة البطالة أكبر مشاكل شريحة الشباب في كردستان، وتتراوح النسبة في الإقليم الذي يسكنه أكثر من خمسة ملايين نسمة، بين 16% إلى 20% بحسب إحصاءات لجهات مختلفة. وكانت آخر إحصائية رسمية أصدرتها هيئة إحصاء كردستان سنة 2021 قد قدرت نسبة البطالة حينها بـ 16.5%، وترجح مصادر اقتصادية أن تكون النسبة قد ارتفعت في ظل الأزمة الاقتصادية التي شهدها الإقليم خلال السنوات القليلة المنصرمة.
قرار غير مفعل
في أيلول/سبتمبر سنة 2022، أصدر مجلس الوزراء في إقليم كردستان، القرار رقم 172 لتنظيم العمالة الأجنبية في الإقليم، والذي نص على وجوب اعتماد الشركات والمستثمرين على الأيادي العاملة المحلية بنسبة 75% مقابل 25% فقط للعمالة الأجنبية، شرط أن تكون من العمالة الماهرة.
ووجه مجلس الوزراء، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتطبيق القرار لمعالجة مشكلة البطالة، لكن وبعد نحو سنتين من إصداره لم يطبق القرار على أرض الواقع، بحسب متخصصين في الاقتصاد وناشطين مدنيين، أكدوا تهرب الشركات وأصحاب العمل من تطبيقه.
السوري جعفر أحمد (22 سنة) وهو اسم مستعار أختاره لنفسه بدل اسمه الحقيقي خشية خسارته لوظيفته، يعمل في مجال خدمة توصيل الطلبات، لصالح شركة “توترز” المختصة بتوصيل طلبات الطعام والشراب في أربيل، يقول إن “نحو 80% من عمّال توصيل الطلبات في الشركات المختلفة بكردستان هم من الجنسية السورية، بينما لا يتجاوز عدد العاملين المحليين من الكرد والعرب الـ20%”.
ويعلل ذلك بعدم رغبة العمّال المحليين بهذا العمل، نظراً للأجر الزهيد الذي يدفعه أصحاب هذه الشركات لقاءه، إذ لا يتجاوز مجموع ما يحصل عليه هو شخصياً في اليوم عن 25 ألف دينار (تعادل 19 دولاراً) مقابل أكثر من 10 ساعات عمل يؤديها، وهذا يعني مبلغ 750 ألف دينار (570 دولاراً) لثلاثين يوم عمل متواصلة.
ويشير إلى أن الشركة التي يعمل فيها لم تسجله بدائرة الضمان الاجتماعي، لكي لا تدفع 12% من راتبه لها، وأن ذلك يحدث مع غالبية العمال سواء العراقيين أو الأجانب. “لكن بشكل أكبر، يحدث هذا معنا نحن العمال السوريين” يقول مؤكداً.
تسجيل العمال رسميا في دائرة الضمان الاجتماعي سيظهر مخالفة الشركات للقرار 172 القاضي بعدم جواز تشغيل عمال أجانب بنسبة أكبر من 25%، لذلك يتهرب أصحاب العمل من تسجيل عمالهم كما يحصل مع جعفر حيث لا تلتزم شركته بتنفيذ القرار.
عدم التسجيل يحمل مشاكل للعمال، ويشكل إحدى محطات معاناتهم، يقول جعفر: “أنا أعمل هنا منذ ثلاث سنوات، لكنني أجد صعوبة في الحصول على إقامة العمل بسبب عدم تسجيلي، لذا إقامتي سياحية، ومن الناحية القانونية فأنا مخالف لشروط الإقامة”.
ويشترط للحصول على إقامة العمل للأجانب في إقليم كردستان أن يتكفل صاحب العمل بالعامل ويقدم طلباً إلى الجهة المختصة يشرح فيه أسباب الحاجة إليه وأنه يمتلك مهارة لا يمتلكها العامل المحلي، ثم بعد ذلك عليه أن يُعلم أو يُدرب عشرة عمال محليين على مهنته إضافة إلى تسجيله في الضمان الاجتماعي.
تؤكد تلك المعلومات، تارا الدليمي، التي رفضت بدورها الإشارة إلى اسمها الحقيقي حفاظاً على وظيفتها، فهي تعمل مشرفة على العمال في شركة كبيرة مختصة بإنشاء المجمعات السكنية في أربيل. تقول إن غالبية العمّال في شركتها هم من السوريين والأتراك والإيرانيين، ولا تتجاوز نسبة العمّال المحليين 2% في كل المشاريع التي أشرفت عليها منذ العام 2015.
وتوضح أن اختيار العمال يتعلق بالشركة المنفذة للمشروع “فإذا كانت الشركة تركية على سبيل المثال تأتي بمشرفين ومهندسين وعمّال أتراك، وإذا كانت عراقية فتأتي غالباً بمهندسين ومشرفين عراقيين”. وتستدرك:”يعرف الجميع وفي معظم المشاريع أن أغلب العمّال أجانب، وقسم كبير منهم أتراك وسوريون ولبنانيون، حسب نوعية العمل، بسبب قبولهم بأجر زهيد، نظراً لفرق العملة بين بلدانهم والإقليم”.
على عكس العمّال العراقيين الذين يرفضون الأجور المنخفضة فهي لا تكفي لتأمين التزاماتهم المعيشية كإيجار المنزل والمتطلبات اليومية من طعام وشراب وملبس.
وتتراوح الأجور التي يحصل عليها العمّال الأجانب في الشركات والمطاعم والفنادق، بين 450 و800 ألف دينار عراقي (بين 300 و550 دولاراً) وترتفع الأجور بناء على الكفاءة والمهارة.
تزايد العمالة الاجنبية في الإقليم لا يتعلق بوجود فرص للعمل في قطاعات معينة وبأجور مخفضة لا يعمل بها العراقيون، ولا بعدم تطبيق الشركات للقوانين والقارات النافذة فقط، لكن أيضاً بعجز السلطات عن وقف تدفق العمالة غير الشرعية.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة الإقليم كانت قد ذكرت في وقت سابق من العام 2024 أن 4% من العمّال الأجانب فقط دخلوا الإقليم رسمياً وعبر شركات مرخصة أما البقية فدخلوا بطرق غير شرعية، أو دخلوا بسمات دخول سياحية ثم بدأوا العمل، وغالبية هؤلاء من السوريين.
وتؤكد إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” معتمدة ومنشورة على موقع هيئة إحصاء كردستان، وجود أكثر من 278,171 أجنبياً مسجلاً كلاجئين لدى المنظمة في إقليم كردستان منذ سنة 2013 غالبيتهم من السوريين الذين تبلغ أعدادهم 259,448 لاجئاً، إلى جانب أعداد كبيرة أخرى غير مسجلين كلاجئين. النسبة الأكبر من معيلي العوائل من هؤلاء منخرطون في سوق العمل.
وبحسب آخر إحصائية للنازحين (العراقيين) في الإقليم بين المخيمات وخارجها، بحسب هيئة إحصاء كردستان، بلغ عدد النازحين 678,138 فرداً.
كيف بدأت الأزمة
في العام 2013 كان سوق العمل في كردستان يشهد انتعاشاً غير مسبوق منذ عقود، ويستوعب غالبية العمال المحليين كما كان محل جذب للعمال الأجانب، ولم تكن نسبة البطالة تتجاوز الـ8% وفق أرقام رسمية، إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا بسبب الحرب الداخلية إلى جانب الأزمات التي تعرضت لها كل من تركيا وإيران ولبنان والتي أثرت على اقتصادها وأدت الى تدهور العُملات النقدية فيها، دفعت شباب تلك الدول إلى تركها، واختار قسم منهم البحث عن فرص عمل في إقليم كردستان، الأمر الذي فتح باب المنافسة بين العمال المحليين والأجانب داخل الإقليم.
واشتدت حدة المنافسة بعد العام 2014 حين نزح إلى الإقليم عشرات آلاف العراقيين الهاربين من سيطرة تنظيم داعش على مناطقهم في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وفقاً لرئيس اتحاد العمال في أربيل يوسف كريم، الذي يؤكد انخراط الكثير من هؤلاء في سوق العمل و”مع مرور الوقت رجحت كفة العامل الأجنبي في ميزان التنافس”.
كريم يفسر ذلك بالقول: “الأجانب يكتفون بأجور قليلة مقابل ساعات عمل أطول، نظراً لفرق العملة بين كردستان وبلدانهم التي تضخمت عملاتها، فبدل أن يدفع صاحب العمل إلى المحلي مليون دينار عراقي (ما يعادل 700 دولار تقريباً) مثلاً، فإنه يدفع نصف المبلغ للسوري أو الإيراني، الذي يعيش بنصف راتبه ويحوّل النصف أو الربع المتبقي إلى أهله في سوريا وإيران وغيرهما، وهي مبالغ تعد جيدة هناك بسبب فرق العملة”.
ويؤكد كريم بأن عمالاً محليين كثر فقدوا وظائفهم بسبب العمّال الأجانب لأنهم لا يستطيعون العيش بنفس الأجور التي يقبلها الأجنبي. “مصاريف إيجار المنازل والأكل والخدمات والملبس والمدارس وغيرها مرتفعة والأجور لا تكفي لتغطيتها.. المشكلة واضحة” يقول وهو يهز برأسه.
ويشير إلى أن القانون رقم 37 لعام 2015 عرف العامل الأجنبي على أنه كل شخص طبيعي لا يحمل الجنسية العراقية “يعمل أو يرغب بالعمل في العراق بصفة عامل”، وأن القانون في مادته 31 يحظر التحاق العامل الأجنبي بأي عمل قبل الحصول على إجازة عمل. لكن هذا لا يحصل دائماً.
ولا يُميز القانون بين جنسيات العاملين، فالمادة 41 نصت على المساواة في المعاملة بين جميع العاملين في ذات المهنة ونفس ظروف العمل، وتنص المادة 62 على عدم جواز أن يقل أجر العامل عن الحد الأدنى للأجر المقرر قانوناً.
وينبه رئيس اتحاد العمال في أربيل، إلى مشكلة دخول العمال دون عقود أو موافقات عمل مسبقة: “أغلب العمال الأجانب في الإقليم قدموا بتأشيرات سفر سياحية ثم بدأوا العمل بعد ذلك، أما القادمون من شرق آسيا كالفلبين وبنغلادش وغيرها فأغلبهم جاؤوا عبر شركات استقدام العمال الأجانب”.
ويعيش معظم العمّال السوريين والإيرانيين والأتراك والآسيويون والمصريين على شكل مجموعات، ويسددون بشكل مشترك بدلات إيجار المنازل والفنادق، ما يقلل من مصاريفهم، حتى أن الكثير من الفنادق والشقق السكنية في الإقليم بدأت توفر خدمات إيجار سرير مفرد بنحو 100 دولار في الشهر بدلاً من غرفة كاملة.
مدير شركة “سترونغر” للعطور ومستلزمات الأطفال محمد وسيم الصالح، يقول إن العامل الأجنبي قدم إلى البلاد بهدف العمل، لذلك يرضى بأجور منخفضة ويخصص كل وقته للعمل ويتحمل كافة الضغوطات، بعكس العامل المحلي الذي “قد ينشغل بالعائلة والأصدقاء والالتزامات اليومية كما أنه يطلب ضعف راتب الأجنبي”.
ويرى بأن العامل الأجنبي منتج بنحو أكبر ويخدم البلد أكثر، حتى أن أصحاب مشاريع تمكنوا من إطلاق العديد من المنتجات الجديدة والتي سجلت كصناعة محلية، عبر العمال الأجانب “على سبيل المثال بعض أنجح المواد المنتجة في أربيل هي صناعة سورية، كما أن الوجبات التي تقدمها المطاعم السورية هي الأكثر طلباً بين السكان”.
ويضيف:”لدي أكثر من 20 عاملاً سورياً يعملون في شركتي وينامون في المعمل ويلتزمون بـ12 ساعة عمل كاملة، وإذا قررت الاستغناء عنهم وجلب عمال محليين فسأخسر نحو 20 ألف دولار شهرياً، قبل فترة لتطبيق القرار 172 وظفت 13 عاملاً لكنهم لم يستمروا أكثر من 48 ساعة، في عملنا نسبة نجاح العامل المحلي لا تتجاوز الـ 20% مقارنة بـ80% للأجنبي”.
ويؤكد الصالح، أن العديد من زملائه من أصحاب المعامل والشركات، أغلقوا أعمالهم أو يفكرون بإغلاقها والسفر إلى بلدان أخرى تحت تأثير القرار 172، ويعرب عن قناعته بأن القرار “سيزعزع اقتصاد كردستان”، لذا يقترح أن تقوم الحكومة بدلاً من ذلك “تحديد نوعية العمّال الأجانب الداخلين إلى البلد وحصرهم بالمهرة فقط من المفيدين لسوق العمل”.
ماذا يقول القانون؟
العراق من بين الدول المنضمة إلى اتفاقية حقوق العمالة الأجنبية، وإلى بروتوكول منظمة العمل الدولية، وهما مفعلتان في البلاد بما فيه إقليم كردستان وبالتالي يجب الالتزام بما يضمانه من قواعد للتعامل مع العمالة الأجنبية، لكن الإقليم لا يملك قانوناً مختصاً بتنظيم تلك العمالة على الرغم من وجود أعداد كبيرة من العمال الأجانب فيه.
كان من المقترح العمل في كردستان بقانون العمل العراقي رقم 37 لعام 2015 بعد إقراره في البرلمان الكردستاني، لكن إنهاء شرعية تمديد عمل برلمان كردستان بقرار من المحكمة الاتحادية في أيار 2023، منع الإقليم من قراءة القانون والمصادقة عليه واعتماده.
في ظل ذلك الفراغ التشريعي، يتم الآن في الإقليم العمل بقانون العمل العراقي القديم رقم 71 لعام 1987. وبحسب الخبير القانوني جهاد حويز، فان هناك خللاً لا يعالجه القانون في آلية استلام شكاوى العمال، ويقول: “لاتوجد آلية واضحة للخطوط الساخنة للشكاوى، كما أن العمال ليست لديهم فكرة عن حقوقهم أو آلية رفع الشكوى عند تعرضها لانتهاك”.
ويؤكد أن الترحيل القسري للعمالة الأجنبية من منظور حقوق الإنسان “غير جائز سواء أكان عاملاً أم غير عامل، لكن من حق حكومة الإقليم اتخاذ إجراءات لتنظيم شؤون العمالة”.
وجهة نظر حكومية
على الرغم من مرور سنة ونصف السنة على صدور القرار 172 القاضي بتحديد نسبة لا تتجاوز 25% للعمال الأجانب في الشركات العاملة بكردستان، إلا أنه لم يطبق على أرض الواقع.
يقر ذلك المتحدث باسم وزارة العمل في الإقليم آريان أحمد، الذي يعد العامين المنصرمين بمثابة مهلة اُعطيت للشركات من أجل ترتيب نسب العمّال، وفرصة لتطبيق القرار قبل بدء الإجراءات الرسمية الرادعة، على حد قوله.
آريان، يؤكد بأن التطبيق الفعلي للقرار بدأ مطلع العام 2024، وأن الفرق التفتيشية المكونة من لجان مشتركة من وزارة العمل والداخلية والمحافظة والقائمقامية باشرت حملاتها بالفعل لمتابعة تنفيذ قرار الحكومة، وهي ستصل إلى جميع الشركات العاملة في محافظات الإقليم خلال النصف الثاني من العام 2024.
ويلفت إلى أن الوزارة وجهت الشركات الجديدة بتطبيق القانون وتوعدت المخالفة بعدم تجديد رخص العمل الخاصة بها ولاسيما أنها تجدد سنوياً، كما سيتم “تغريم كل شركة تضم عاملاً أجنبياً غير مسجل بمبلغ 5 ملايين دينار، وعقوبة السجن من شهر إلى 3 أشهر لمدرائها فضلاً عن الإغلاق”.
وبحسب آريان، فإن الشركات لم تُمنع من استقدام العمال الأجانب لكن يجب أن يجري ذلك وفقاً للشروط المنصوص عليها في القرارات التي أصدرتها حكومة الإقليم عام 2022 لتنظيم العمل.
وتسمح القرارات الصادرة للشركات بتوظيف العمال الأجانب، لكن بشرط أن تكون “مسؤولة عنهم وأن يكونوا مسجلين في دائرة الضمان الاجتماعي، وأي عامل لا يملك عقد عمل مسجل في الضمان لن يمنحه الإقليم إقامة”.
وعن المخالفات المتعلقة بالعمال الأجانب بين أعوام 2022 و2024 ممن عملوا دون إقامات عمل أو تسجيل في دائرة الضمان الاجتماعي على الرغم من صدور القرار 172، يقول رئيس اتحاد العمّال يوسف كريم، إنهم كانوا “يدخلون إلى الإقليم بتأشيرات سياحية، ثم يباشرون العمل، وتؤمن منظمات أممية أوضاعهم”.
ويشير إلى أن الكثير من العمال الأجانب المتواجدين في إقليم كردستان مسجلون في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” وينتظرون الهجرة إلى الخارج، ويعملون أثناء ذلك. ويرى بأن هذا يضر البلد “فمن غير المقبول أن لا يجد العمال المحليين عملاً مقابل استقدام آلاف الأجانب بصورة غير قانونية والسماح لهم بالعمل لحين تمكنهم من الهجرة”.
في محاولة لوقف تلك العمالة التي كان أفرادها يتدفقون بالمئات أسبوعياً إلى كردستان، أصدرت دائرة الإقامات بأربيل في 27 آذار/مارس 2024 قراراً بإيقاف منح التأشيرات للسوريين، تبعها قرار آخر بعد أسبوع واحد فقط، بإيقاف تجديد الإقامات للأجانب، وبدأ العمّال الأجانب يبحثون عن شركات تسجلهم في الضمان لتجديد إقاماتهم بعد أن دخلوا في مدة التجاوز التي تقضي بتغريمهم مبلغ 20 ألف دينار (أكثر من 15 دولار) عن كل يوم.
لكن هذه القرارات لم تعمر طويلاً بسبب إشكالات عديدة أفرزتها. اذ يقول المحامي أحمد مرعي، وهو صاحب مكتب لتجديد إقامات الأجانب في أربيل أن الحكومة أصدرت قراراً في شهر أيار/مايو 2024 يقضي بتمديد إقامة العمّال الأجانب غير المسجلين في الضمان الاجتماعي لمدة 6 أشهر.
وعاد الوضع إلى ما كان عليه، مع قيام المحامي مرعي وسواه من المحامين، بمتابعة معاملات تجديد الإقامات للسوريين وغيرهم في الوقت الحالي دون معوقات.
عمال غير مسجلين في الضمان
تشير آخر إحصائية صدرت نهاية العام 2023 إلى وجود 48,372 شركة مسجلة في دائرة الضمان الاجتماعي بالإقليم، يعمل فيها 28 ألف عامل أجنبي.
مدير دائرة الضمان مريوان بكوك، يؤكد أن المشكلة تكمن في نسبة العمّال الأجانب إلى المحليين، فهي غير مطابقة للقرار 172 “الكثير من الشركات لم تطبق القرار مقابل شركات أخرى فعلت ذلك، كمعامل الحديد والسمنت والفنادق ذات الـ 7 نجوم التي طلبت مهلة لتطبيقه لأنها تملك عمّالاً أجانب مهرة لا تستطيع التخلي عنهم ولن تجد بديلاً، اذ يقول أصحابها إن مشاريعهم تحتاج إلى إدارات خاصة إلى جانب إتقان العمال للغات أجنبية، ويشكون من أن العامل المحلي لا يمتلك هذه الصفات ولا يتحمل الضغوط”.
إلى جانب القرار 172 هناك تعميم رقم 86-86 من مجلس وزراء الإقليم صدر وفقاً لمسؤولين حكوميين من أجل منع تحايل الشركات، ويقضي بأن تعمل عدة دوائر حكومية على تدقيق جميع معاملات الشركات وتطالبها ببراءة ذمة من دائرة الضمان قبل إنجاز أي معاملة.
وفق ذلك الشركات غير المسجلة في الضمان لن تكون قادرة على الحصول على براءة الذمة، ما يعني ملاحقتها وإجبارها على التسجيل في الضمان الاجتماعي الذي يفرض بدوره تطبيق القرار 172 بتحديد نسبة العمّال الأجانب بما لا يتجاوز 25% مقابل 75% للعمال المحليين.
مخالفات الشركات
أيمن عبد الله (اسم مستعار- 25 سنة) سوري الجنسية، يعمل في مطعم بمنطقة بختياري التي تضم مطاعم وكافيهات وأسواقاً حديثة، يقول وهو يشير بيده الى باب جانبي: “المعلم يطلب من العمال الأجانب مغادرة المطعم من الباب الخلفي عند وصول لجنة تفتيشية من وزارة العمل، لأنهم غير مسجلين لديه ولا يملكون عقوداً رسمية، ولا سجلاً في الضمان الاجتماعي”.
هذا يحدث في الكثير من المشاريع الإنتاجية والخدمية والشركات في الإقليم، حيث يتم التهرب من تطبيق القانون طالما أنه لا يخدم أرباب العمل.
بهار (اسم مستعار-41 سنة) إيرانية الجنسية، تعمل منذ 18 شهراً في مجال التصوير الفوتوغرافي بشركة خاصة في إقليم كردستان، تقول وهي تلتفت حولها: “أنا أفكر ليل نهار في مسالة تجديد إقامتي، فعلى الرغم من أن الشركة التي أعمل فيها كبيرة، إلا أنها غير مسجلة بدائرة الضمان وهي ليست مستعدة لمعالجة مشكلتي”.
تصمت للحظات قبل أن تواصل: “لذلك اقترحت على إدارة الشركة، أن أجد بنفسي شركة أخرى مسجلة في الضمان، تقبل بتسجيلي ضمن كوادرها لأستطيع الحصول على الإقامة وأستمر في عملي، هذا ما يقوم به البعض لمعالجة مشكلتهم”.
الباحث الاجتماعي آسو قادر، يقول بأن هنالك الكثير من “العمال الأجانب في المطاعم، لا يمتلكون عقوداً رسمية، وبالنتيجة فهم غير مسجلين بدائرة الضمان الاجتماعي، ما يعني أنهم غير محميين قانونياً، ولاسيما النساء العاملات اللواتي يتعرضن لاستغلال مادي وجنسي في بعض الأحيان، دون قدرة على المطالبة بالحماية” على حد تعبيره.
ويشدد آسو، على ضرورة قيام حكومة الإقليم بضبط العلاقة بين صاحب العمل والعامل، لاسيما فيما يتعلق بالأجور: “هنالك عمّال أجانب يعملون لساعات طويلة وبأجر منخفض وهو ما يجب مراقبته ومعالجته”.
ويتراوح معدل ساعات العمل بدوام كامل في الإقليم بين 7-9 ساعات، بينما تصل عدد ساعات العمل لبعض العمال الأجانب إلى أكثر من 12 ساعة يومياً. ويحاول أغلب العمال الأجانب إيجاد فرص عمل في الفنادق والمطاعم التي تؤمن لهم المبيت والطعام المجاني ما يعني مصاريف أقل ومردوداً مادياً أكبر، لكن بساعات عمل أطول، وهو أمر يناسب أيضاً أصحاب الفنادق والمطاعم، بحسب ما قاله العديد منهم لمعد التحقيق.
نائب رئيس رابطة المطاعم والفنادق في كردستان شكر عزيز شيخ، يقول بأن مدراء الأعمال يلجؤون إلى الأجانب لأنهم “يضمنون وجود عمّال لـ 24 ساعة في اليوم وهو ما لا يقبله العامل المحلي، كما أن العمّال الأجانب المجبرين على العمل يتكيفون مع الظروف ويتحملون الضغوط”، مبيناً أن أكثر العاملين في المطاعم والفنادق هم من السوريين.
ويضيف: “اتفقنا مع وزارتي العمل والبلديات والسياحة بناء على القرار 172 الصادر من مجلس وزراء الإقليم، على أن يكون في كل منشأة سياحية نسبة 25% للعمال الأجانب، وبدأت مديريات السياحة مع رابطة الفنادق بتوجيه كافة المنشآت بضرورة توظيف الشباب المحليين، والاستغناء عن الأجانب”.
ويستدرك أن بعض أصحاب العمل يتهربون من تطبيقه، لذا فأن رابطة المطاعم والفنادق تقوم بالتشديد على تجديد رخصة العمل: “نطلب من أصحاب العمل ملء استمارة تقدم إلى مديرية السياحة تتضمن أسماء العمال المحليين ورواتبهم وصوراً من بطاقاتهم الشخصية وتفاصيل أخرى عنهم، ونرسل هذه الأسماء لدائرة الضمان وتثبت في ملف المطعم أو المنشأة ثم نرسل لجنة للتأكد من هويات العمال المحليين وأعدادهم، وفي حال التطابق يتم تجديد رخصة العمل”.
ويؤكد بأن المنشآت السياحية “بدأت تطبق القانون أما الشركات فما زالت تخالف رغم أن الإقليم منح تسهيلات وخفف كلفة الضمان الشهري التي حددها بـ 17%، وهي مقسمة إلى 12% يدفعها صاحب العمل عن موظفه الى دائرة الضمان، و5% يدفعها العامل، وهو ما يعد جيداً مقارنة برسوم الضمان في دول أخرى”.
لكن الكثير من أصحاب العمل لم يرحبوا بالقرار، وعدوه مضراً بمصلحتهم الشخصية، وذكر العديد منهم لمعد التحقيق، أن العامل العراقي لا يقبل بأجر 400 ألف دينار (نحو 300 دولار) الذي يقبل به السوري والإيراني وغيرهما من الأجانب.
وقدم بعض أصحاب صالونات تصفيف الشعر النسائية شكاوى إلى اتحاد العمال، يذكرون فيها عدم قدرتهم على توفير عاملات محليات، وعدوا القرار بمثابة تعطيل لعملهم لذلك لم يلتزموا به، وفقاً لاتحاد عمال أربيل.
وعن التأمين الصحي وغيرها من حقوق العمال المطلوبة من الشركات، تقول مشرفة على مجموعة من العمال في شركة محلية، إن الشركات تبلغ العامل بإجراءات السلامة “لكن إذا لم يلتزم بها أو يتبعها لا تتخذ فعلياً ضده أي إجراءات، إلا في حدود معينة”.
بطالة وهجرة
يشتكي الآلاف من خريجي الجامعات في كردستان ومن الشباب في مقتبل العمر، من ندرة فرص العمل في ظل المنافسة الكبيرة مع العمال الأجانب، هذا ما يجعلهم يرون أن القرار 172 الذي صدر في سنة 2022 جاء متأخراً ولم يأتي بحلول حقيقية.
يقول سيبان علي، الذي تخرج من كلية الهندسة المدنية في العام 2019، وتقدم للعمل في عشرات الشركات والمنظمات دون نتيجة، قبل أن يضطر للعمل في مول تجاري، إن صدور القرار تأخر ولم يطبق فعلياً إلى الآن، فالشركات تتهرب من تطبيقه في ظل غياب الرقابة عليها، لا سيما في ما يتعلق بتسجيل العمال بدائرة الضمان الاجتماعي مبيناً أن ذلك أثر بشكل كبير على عمل الجيل الجديد من خريجي الجامعات.
يؤكد ذلك المدير العام لجهاز الإحصاء في السليمانية محمود عثمان، الذي يشير الى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في السنوات الأخيرة.
يذكر عثمان أن إحصائيات البطالة في الإقليم للعام 2013 كانت تؤشر نسبة بطالة مقدارها 7.9% فقط، إلا أن النسبة إرتفعت في العام 2021 إلى 16.5%، مبيناً أن حكومة الأقليم كانت قد حققت خلال عقدين “معجزة” بخفضها نسب البطالة من 56% في عام 1992 إلى 8% في العام 2013 في السليمانية، و7.5% في أربيل و8.3% في دهوك.
ويرى بأن ارتفاع معدلات البطالة تتركز في صفوف الشباب، وهي تأتي رغم التطوّر العمراني في مدن الإقليم وزيادة عدد المشاريع التي يفترض أن توفر فرص عمل للعمال المحليين والخريجين من سكان الإقليم. في إشارة إلى أن جزءاً غير قليل من الفرص تذهب إلى عمال أجانب.
عن ذلك يشتكي الشاب دلير قاسم، وهو خريج هندسة كهربائية، يقول “شركات البناء تريد مهندسين ذوي خبرة وبأجور متوسطة، لذلك تستقطب مهندسين من إيران وسوريا حيث يقبلون العمل برواتب متدنية، ولا يرضون بتشغيلنا لعدم وجود خبرات عمل، عليك أن تتوسل بهم ليقبلوا بعملك معهم من دون مقابل فقط حتى تكتسب المهارات”.
البطالة بسبب العمالة الأجنبية وغياب القوانين المنظمة الفاعلة أو عدم تطبيقها من الجهات المعنية تدفع آلاف الشباب سنوياً إلى محاولة الهجرة من إقليم كردستان إلى دول أجنبية ولاسيما الأوربية منها.
رئيس شبكة المنظمات المدنية في إقليم كردستان سيروان گردي، كشف في مؤتمر صحفي عقده بأربيل في كانون الثاني / يناير عام 2024، عن هجرة أكثر من 38 ألف شاب إلى أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية، مبيناً أن العدد انخفض نسبياً في النصف الثاني من العام 2023 بسبب تضييق السلطات التركية على المهاجرين إضافة إلى توترات الحرب الأوكرانية الروسية وتزايد المخاطر على طرق الهجرة غير الشرعية.
خسارة مزدوجة للاقتصاد
معظم العمال الأجانب في إقليم كردستان، لا يصرفون الأموال التي يجنونها في الإقليم، بل يحولونها إلى بلدانهم مستفيدين من انخفاض قيمة العملات المحلية في تلك البلدان، ذلك يعني أن الاقتصاد في إقليم كردستان يتعرض لخسارة العملة الصعبة بنحو مستمر.
هذا ما يؤكده نائب رئيس رابطة الفنادق والمطاعم في أربيل شكر عزيز شيخ “العمّال الأجانب يحولون 90% من مداخيلهم إلى عائلاتهم في سوريا وإيران ولبنان وتركيا وغيرها، ما يعني خروج النقد بما يحمله من آثار سلبية على اقتصاد الإقليم”.
بناء على ذلك، هو يرى بأن تأثير العامل المحلي كمحصلة أكبر على الاقتصاد في الإقليم حتى وإن كان العامل الأجنبي أكثر كفاءة في بعض الأحيان “لأن عمل العمال المحليين سيؤدي إلى تداول رؤوس الأموال داخل البلد”.
ويعتمد الأجانب في تحويل أموالهم على الشركات الرسمية والمسافرين، إذ يقول السوري إبراهيم محمد (اسم مستعار- 36 سنة) إن لديه شبكة من الشباب المتعاونين معه بين سوريا وأربيل، فيقوم باستلام الأموال من داخل الإقليم ويسلمها في سوريا مقابل عمولة بسيطة تصل إلى 5 دولارات لتحويل 100 دولار وكلما كبر الرقم قلت العمولة، ويعد الرسم الذي يتقاضاه أقل من الذي تتقاضاه شركات التحويل الرسمية.
ويعتمد أغلب العمال الأجانب على هذه الطريقة، لأن التحويل عبر الشركات الرسمية سيؤدي إلى خسارة جزء أكبر من أموالهم، وذلك للاختلاف بين السعر الرسمي والموازي في بلدانهم، إذ تفرض حكوماتهم التسليم بالسعر الرسمي، فقيمة صرف 100 دولار في سورية بالسعر الرسمي تساوي مليون و300 ألف ليرة تقريباً بينما السعر الموازي يصل إلى مليون و500 ألف ليرة، ما يعني خسارة 200 ألف ليرة (نحو 14 دولاراً).
مخاوف
بمجرد سيرك في شوارع أربيل عاصمة الإقليم أو دخولك محالها التجارية أو مطاعمها أو بعض شركاتها او حتى حدائقها العامة ستجد أشخاصاً من جنسيات أجنبية. هم ينتشرون في معظم مفاصل عمل القطاع الخاص.
وستجد بأن اللغة العربية وبشكل خاص اللهجة السورية تكاد تنافس الكردية في العديد من المواقع، وإذا فتحت جوالك على تطبيقات الطعام والمواد الغذائية، ستنهال عليك عروض المطاعم ومعظمها لا ينتمي لثقافة المطبخ الكردي، كما أن بعض المناطق باتت تصطبغ بثقافات أخرى غير الكردية.
يحذر الباحث الاجتماعي عبد القادر آسو، من الحساسيات التي ستتولد مستقبلاً بين السكان الأصليين والعمال الأجانب الذين تتزايد أعدادهم في تلك المناطق. ويشير إلى تحولات في طبيعة بعض المناطق مثل بختياري وعين كاوه في أربيل، مبيناً أن على الجهات المسؤولة الانتباه وأن تتحرك بنحو استباقي لمنع حصول مشاكل مستقبلاً.
ويعتقد بأن انتشار الأجانب وبنسب متصاعدة بين السكان المحليين، ستؤثر حتماً على اللغة والمجتمع والاقتصاد “ربما سنعاني في المستقبل كما تعاني أوروبا اليوم من الأعداد الكبيرة للمهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا”. لذلك يشدد على حاجة كردستان لإقرار قوانين تنظم هذا الملف وتراعي حقوق العمّال، لمنع حصول تشنجات وحالات عداء للعمال الأجانب كما حدث في تركيا ولبنان.
حلول
الباحث الاقتصادي في كردستان خالد حيدر، يطرح حلولاً لتجاوز أزمة الاعتماد على العمالة الأجنبية ويقول إن تلك العمالة موجودة في جميع بلدان العالم لكن المشكلة في كردستان بتجاوز نسبتهم عن الحد المقبول.
ويثني على قرار تحديد نسبة 25% فقط للعمال الأجانب “تطبيقه سيُشغل نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل، لذا يجب الضغط على الشركات والمستثمرين”.
ويشير حيدر بدوره إلى أن الراتب الذي يدفع للعامل الأجنبي “لا يمكن أن يغطي حاجات العامل المحلي نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة”، ويطرح حلين للمشكلة، الأول بعيد المدى بتخفيض أسعار السلع من قبل الحكومة “بنحو يتناسب مع راتب العامل المحلي بشكل يمكنه من سد احتياجاته الشهرية”. لكن كردستان تعاني من مشاكل اقتصادية وتأخر في دفع الرواتب لذا فإن تطبيق هذا الحل ليس سهلاً ولن يتحقق قريباً، بحسب حيدر.
والحل الثاني الذي يقترحه يتمثل في “قيام الحكومة بدراسة مستفيضة لاحتياجات السوق ثم تقديم استمارة للشركات لتحديد احتياجها من العمال الأجانب وأعدادهم وبالتالي الخروج من حالة إغراق البلاد بالعمالة الأجنبية، وتوفير فرص عمل أكبر للعمال المحليين”.
“القرار 172 مطبق بالفعل لكن بعكس النسبة، فـ75% للأجانب و25% للعمّال المحليين” هذا ما يقوله الشاب دلشاد أمين (24 سنة). كان من بين ثلاث شبان قابلهم معد التحقيق في كافتيريا بشارع الإسكان في أربيل.
يقول بأن الحصول على فرصة عمل صعب للغاية “في ظل وجود عدد كبير من العمّال السوريين والآسيويين:”ولو حصلت على عمل فحتماً سيكون الأجر زهيداً لا يكفي لتأمين متطلبات السكن والمأكل والشراب، فكيف بفكرة بناء أسرة”.
أيده رفيقاه بريار(29 سنة)، وكان قد فقد منذ نحو سنة عمله مندوباً للمبيعات في شركة للعطور وسامي (28 سنة) عاطل عن العمل.
يجمع الثلاثة على أن العمال السوريين مفضلون في الإقليم على السكان المحليين، ويرون بأن ذلك لايحدث في بلدان أخرى يعتقدون بأنها تفضل أبنائها وتدعمهم بالدرجة الأساس. مع تفهمهم أن السوريين والأتراك والإيرانيين يعملون من أجل عائلاتهم بسبب ظروفهم الصعبة، لذلك يدعون حكومة الإقليم إلى إيجاد حل جذري لإنصاف الجميع.
- أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية ضمن مشروع “الصحافة الاستقصائية للكشف والمتابعة”.