صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

«قدسية كربلاء».. هل خرقت المحافظة الدستور والقانون؟ 

كربلاء – طارق الطرفي        

أصبحت “قدسية كربلاء”، موضع جدل، بعد أن اتجهت إدارة المحافظة إلى تطبيقها دون أي تشريع نيابي أو سند قانوني، بحسب خبراء قانونيين وناشطين، بينوا أيضا أن “القدسية” هي للمواقع الدينية فقط، ولا يمكن مصادرة حرية سكان المحافظة بالكامل، لكن إدارة المحافظة كان لها رأي مختلف، حيث وصفت الأمر أشبه بمدن مكة المكرمة والفاتيكان، وأشارت إلى وجود ممارسات “غير مقبولة” يجب منعها.   

ومنذ مطلع العام الحالي ولغاية الآن، أقدمت المحافظة على تطبيق “قدسية كربلاء”، رغم أنه مشروع قانون قدم لمجلس النواب قبل سنوات ولم يشرع حتى الآن، حيث ظهر المحافظ نصيف الخطابي قبل يومين من احتفالات رأس السنة الميلادية، خلال جولة في الأسواق منع فيها مظاهر الاحتفال ووجه برفع أشجار الميلاد.

وقبل أيام، جرى إغلاق مطعم بعد افتتاحه بيوم واحد فقط، نظرا لأنه استقدم فنانيين ومشاهير وسائل تواصل خلال حفل الافتتاح، مع موسيقى وسجادة حمراء، وعلقت على أبوابه يافطة تفيد بأنه أغلق لمخالفته تعليمات “قدسية كربلاء”.   

ويقول الخبير القانوني، حميد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الدستور العراقي كفل في بنوده الحريات العامة ولم يحددها بمعيار زماني أو مكاني، وأن تعليمات قدسية كربلاء تتعارض مع باب الحريات التي جاءت في الدستور”.

ويوضح الهلالي، أن “القدسية ثابتة للمراقد الدينية، ومن الخطأ القانوني تعميمها على كل مدينة كربلاء، لكون ذلك يتعارض مع حرية المواطن”، مبينا أن “مصطلح القدسية عائم وغير محدد، ولم يحدد بقانون بل مجرد إقتراح قدمه مجلس محافظة كربلاء السابق، وهو ليس من حقه تشريع القوانين، لاسيما وأن البرلمان لم يشرعه، كما يجب الأخذ بنظر الاعتبار أن أي قانون يتم تشريعه ينبغي أن لا يتعارض مع الدستور”.

ويصف تطبيق تعليمات قدسية كربلاء بأنه “أصبح يجري بشكل انتقائي، ووفقا لمزاجات الأفراد وليس لمحددات دستورية قانونية، وأن ما حدث من منع الاحتفال برأس السنة الميلادية، قد انطلق من رأي شخصي، وفيه أهداف سياسية ورسائل لجهات معينة”، مبينا أن “الغلق الذي جرى مؤخرا لأحد المطاعم في كربلاء، هو الآخر غير قانوني، وجاء لكون ما حصل خلال إفتتاحه يعارض المتبنيات الشخصية للمسؤولين وليس القانونية، فلا توجد مادة قانونية للإجراء الذي إتخذته إدارة المحافظة”.

وكان مجلس محافظة كربلاء، قدم في العام 2012، مقترح قانون “قدسية كربلاء” وصوت على تطبيقه، دون العودة لمجلس النواب، ودخل في العام 2017 حيز التنفيذ، وأثار في حينها موجة استياء كبيرة، حيث كان أول تطبيق له، هو منع محال الملابس من عرض الملابس النسائية بشكل علني وخاصة الداخلية أو ملابس السهر أو النوم.

ويجرم هذا القانون الإجهار بسماع الأغاني واستخدام “اللغة البذيئة” وعرض الثياب النسائية الداخلية والتي وصفها القانون بـ”الفاضحة” في واجهات المحال التجارية، كما يُجرّم لعب القمار وبيع أو تداول أو تناول الكحول، وإقامة أي احتفال غنائي سواءً في الاماكن العامة أو السكنية الخاصة، كما يحظر “التبرج”، ويمنع دخول النساء غير المرتديات للحجاب إلى المحافظة.

وتعد كربلاء أبرز واجهة للسياحة الدينية، حيث يزورها ملايين المسلمين الشيعة سنويا، ويحيون مراسيم مقتل الإمام الحسين فيها، حيث يوجد فيها ضريحه بالإضافة إلى أخيه العباس.

لكن، قائممقام مركز مدينة كربلاء، حسين المنكوشي، برر ما جرى خلال الأيام الماضية، بأن “قرار إغلاق أحد المطاعم مؤخراً في مركز مدينة كربلاء، جاء بسبب الصخب الموسيقي خلال حفل إفتتاحه، وتواجد فيه شخصيات عليها شبهات فساد، وهذا مخالف لقدسية المدينة”.

ويتابع المنكوشي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “منع الاحتفال برأس السنة الميلادية بكربلاء لم يكن فيه أي تعسف من قبل إدارة المحافظة، فإن الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني في غزة ومقتل آلاف الأطفال والنساء وكبار السن يوميا، كان مدعاة لعدم إقامة هذا الاحتفال”، مبينا أن “كربلاء مدينة مقدسة وقدسيتها بوجود مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام، وهي كسائر المدن المقدسة في العراق أو خارجه بمختلف دول العالم ومنها مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس وغيرها”.   

ويلفت إلى “إننا لا نستغرب من الإعتراض تجاه تعليمات قدسية كربلاء من قبل الذين يتطلعون إلى جانب الحرية المفرطة دون إحترام الأعراف والتقاليد والأدبيات الخاصة بالمدينة، وينبغي على الآخرين إحترام قدسيتها وتاريخها”، مضيفا أن “هناك ممارسات غير مقبولة ولا صلة لها بالمحافظة لذا يجب التصدي لها ومنعها، وهذا ليس في كربلاء فقط، فإن الدخول للفاتيكان له ضوابط ومحددات يحترمها الزائر هناك، ومثلها معيار قدسية كربلاء”.

ويطالب المنكوشي، مجلس النواب بـ”شريع قانون قدسية المدن التي تضم المراقد الدينية، وإلزام المؤسسات المختصة بتطبيق القانون، والحد من الممسارات المسيئة لهذه المدن على غرار محاربة المحتوى الهابط على مواقع التواصل الإجتماعي”.

يذكر أن الخطيب الحسيني أحمد الصافي، طالب في تموز يوليو الماضي، خلال خطبة له في مرقد الامام الحسين بكربلاء، بتطبيق قانون قدسية كربلاء، مؤكدا “فصوت الموسيقى ارتفع جدا وبات يسمع على مسافة 200م من مرقد الإمام.. والحجاب لا يجب أن يقتصر على ما بين الحضرتين، إعتمادا على قانون قدسية المدينة، بل يجب أن يطبق القانون في الجامعات والمدارس والمؤسسات وكافة مناطق كربلاء، هناك سفور للنساء بات واضحا في بعض المناطق الكربلائية”.

يشار إلى أن المحافظ نصيف الخطابي، فازت كتلته بأغلبية مقاعد مجلس محافظة كربلاء في الانتخابات التي جرت مؤخرا، ويحاول الآن الحصول على ولاية جديدة في المنصب، ودخل بحوارات ومفاوضات مع الكتل الفائزة الأخرى، وخاصة بعد أن أعلن الإطار التنسيقي أنه يتجه لتغيير كافة المحافظين، حتى الذين فازوا بهذه الانتخابات.   

يذكر أنه في العام 2019، أثير لغط كبير خلال افتتاح ملعب كربلاء الدولي، حيث شهد الحفل عزف فنانة على آلة الكمان، وهي ترتدي قميص بلا أكمام، واعتبر في حينها انتهاك لـ”قدسية المدينة”. 

من جهته، يبين الناشط المدني في كربلاء، حيدر محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الجميع يعرف أن المراقد الدينية في كربلاء هي مقدسة ولا يمكن المساس بها وهذا ثابت لا خلاف فيه، لكن ما تعمد إليه الجهات الحكومية وبعض الأفراد في كربلاء من منع الاحتفالات أو غلق الأماكن العامة، وهذا لا سند قانوني له، وهو محط أشكال وإعتراض”.

وينتقد محمد “الازواجية التي باتت تتعامل بها إدارة كربلاء مع القدسية، إذ أن بعض أشخاصها أجروا مؤخراً احتفالات أمام الملأ، لا سيما بعيد انتخابات مجلس المحافظة وخرجوا أنصارهم في الشوارع والأماكن العامة، وذات الأشخاص يمنعون اليوم الحريات ولا يسمحون بأي احتفال لعامة الناس”.

ويؤكد أن “هؤلاء المسؤولين يحاولون تلميع وتنميق أسماءهم أمام الرأي العام، ويصدرون أنفسهم على أنهم حماة القدسية، وفي ذات الوقت يتغاضون عن سرقة المال العام وقتل الأنفس، فضلاً عن كثير من الملفات التي تسيء لكربلاء ومكانتها”، متهماً “حكومة كربلاء بانتهاك الدستور والقانون وعلى المواطنين المتضررين مقاضاتها أمام المحاكم المختصة”. 

يشار إلى أن “العالم الجديد”، كشفت في ملف عن نسب تعاطي المخدرات في المحافظات العراقية، وبناء على إفادات من أطباء ومستشفيات، فقد كشفت أن نسبة تعاطي المخدرات في كربلاء ذات الطابع الديني، بلغن تراوحت بين الشباب بين 3-5 بالمئة خُمسهم نساء، وسط تعكز كبير على مركز واحد لمعالجة الإدمان من المؤمل أن يفتتح داخل “المستشفى التركي” بالمحافظة.

إقرأ أيضا