العمرة التي أداها الشيخ تميم أمير قطر الجديد والتي كانت أول زيارة له خارج قطر؛ حملت في طياتها مدلولا ذا معنى مهم، وهو إنهاء مرحلة صراع الجانبين على زعامة الحركات التغييرية التي تعيشها المنطقة العربية.
يتمحور الصراع بين هاتين الدولتين حول الطريقة التي يعتقد بها كل طرف، فالجانب القطري يتميز بطريقة إدارة تتصف بالمجانبة والتي تمثلت بدعم علني مطلق للإخوان المسلمين كحركة سياسية لها تاريخ في المنطقة حيث أنها لاعب أساسي لا يمكن تغاضيه لمن يريد الحراك. أما طريقة إدارة السعودية فتقع على جانب مغاير تماما حيث لا تفضل الدعم السياسي قبالة دعم التطرف الفكري المتمثل بدعم الحركات الأصولية التي تنبع من رحم الفكر الوهابي. وهذا هو الفارق الذي خلق النزاع على السيادة في أيام إمارة حمد لقطر، ويبدو أن تميم قرر تغيير مسار اللعبة وأيقن أن الموضوع يجب أن يعود للسعودية.
أول خطوة اتخذتها السعودية هو تسليم ملف رعاية المعارضة السورية لبندر بن سلطان عبد العزيز الطائفي المأزوم تاريخيا. بندر خرج مثقلا بفشل ذريع من بيروت وأحمد الأسير كان شهادة فشل بندر، بالرغم من الدعم المتواصل الذي جعله حالة داخل الوسط السني اللبناني، بل يعتقد أنه الممثل الشرعي لسنة لبنان. ودعمه أيضا هو الذي جعل سعد الحريري يتكلم بمصطلحات دينية ويعتقد جزافا أنه ند لحركة ذات مسار طويل في العمل الميداني وهي حزب الله.
فشل الأسير في المقاومة لأكثر من ساعات، وفر بملابس النساء، وتغاضى عنه الحريري وكأنه لا يعرفه ما اضطره أن يصرح علنا بأن الحريري هو من ضربه قبل غيره، فكانت نهاية القصة هي الشهادة الميدانية لفشل بندر بن سلطان في لبنان.
بهذه الخلفية توجه بندر للمعارضة السورية لإشعال فتيل أزمة طائفية علنية فشل الكثيرون قبله بإشعالها. فقام بجولة مكوكية في الأيام الأخيرة للدول ذات التأثير الدولي ابتدأت من الولايات المتحدة الأمريكية وانتهت بروسيا التي عرض عليها صفقة سلاح مقابل التخلي عن دعم الأسد. وهو الذي كان قد وعد أمريكا بخلق توازن قوى بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الشيوخ الأمريكي الذي أعلن القادة العسكريون فيه أن الأسد أقرب لحسم المعركة، وان هذا سيكون أسوأ كابوس لأمريكا وإسرائيل.
تحرك بندر بخطة مهاجمة الساحل السوري لضرب العمق الاجتماعي للرئيس بشار الأسد ولخلق حالة من الرعب والتردد في نفوس قادة جيشه. وبذلك يرجو أن يلجأ العلويون وأنصار الأسد إلى حرب طائفية.
أحداث كثيرة شهدتها المنطقة أشارت إلى إعادة رص صفوف التنظيمات الإرهابية التي يراهن عليها بندر، منها فرار قيادات القاعدة من سجون العراق، وكذلك أنباء إعادة تجمع عناصر القاعدة في اليمن وفي تونس وليبيا لضرب أهداف للمصالح الغربية عموما والأمريكية خصوصا في المنطقة.
الأحداث الأخيرة هي التي دعت الولايات المتحدة إلى أن تغلق سفاراتها في بعض الدول الشرق أوسطية والآسيوية.
العراق سيكون له عامل تأثير كبير ودور رئيس في خطة البندر المتعاضدة مع القاعدة، فالتدهور الأمني الأخير في العراق أعطى جرعة أمل قوية للقاعدة لاسيما بعد التعزيز الذي حصل نتيجة فرار القيادات من السجون العراقية. هؤلاء القاعديون سيكون عملهم خلق احتقان طائفي في العراق، وأولئك سيكون لهم نفس الهدف في سوريا.
لذلك فان الأحداث تشير إلى تطور مخيف في ما تبقى من آب الذي يبدو أنه سيكون شهرا مظلما وفق كل المعطيات.
قراءات ميدانية تشير إلى فهم بعض الأطراف العراقية لهذه التطورات، منها قرار السيد مقتدى الصدر بالاعتزال أو الاعتكاف، وكذلك الضربة الاستباقية التي تشنها القوات الأمنية العراقية في حزام بغداد. ويبقى التساؤل الكبير هل أن مثل هكذا ضربة استباقية كافية أو قادرة على شل حركة الإرهاب الذي لم يعد يحتاج لنقل صناعته إلى داخل المدن من أحزمتها، بل صار ينتجها في كل مكان وصار هو اللاعب الرئيس في الساحة والحكومة من يتصرف بعقلية رد الفعل؟
* كاتب عراقي
ziyadkubba@gmail.com