صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

قراءة في كتاب \”تولستوي والكرسي البنفسجي: سنة رائعة من القراءة\”

\”هل سبق لك أن شعرت بالحزن لأنك انتهيت من قراءة كتاب؟ هل شعرت ذات مرة, بعد  أن طويت الصفحة الأخيرة بفترة طويلة, أن الكاتب لا يزال يهمس في أذنك؟\” 

                                                              أليزابيث ماغوير ــ الباب المفتوح

دائماً ما تجذبني الكتب التي تتحدث عن الكتب, وعن تجارب القراءة, لكني مع كتاب \”تولستوي والكرسي البنفسجي\” (Tolstoy and the Purple Chair) وجدت أكثر من ذلك بكثير, فالكتاب كان رحلة في عوالم الكتب وتأثيرها في حياتنا أو تأثرها بحياتنا ووصفها للحياة من منظور آخر. وهو رحلة أيضاً في تجربة الكاتبة مع الحزن والتعايش معه بعد وفاة أختها. 

قراءة في كتاب "تولستوي والكرسي البنفسجي: سنة رائعة من القراءة"

تتحدث الكاتبة نينا سانكوفيتش عن مشروعها الذي أرادت من خلاله الهروب من حزنها  وإيجاد إجابات على أسئلتها, \”بعد ثلاث سنوات, لا أريد لحزني على أختي أن ينتهي. ولا أتمنى ذلك. أنا اتمنى أن أجد أجابات على أسئلتي. أثق في أن الكتب سوف تجيبني على سؤالي: لماذا أستحق الحياة, وكيف يجب أن أعيش؟ سنة من القراءة سوف تكون بمثابة هروب لي الى الحياة\”. تقول نينا. 

في عطلة نهاية الأسبوع قامت نينا وزوجها جاك برحلة الى شواطئ أتلانتك لونك آيزلاند. كانت الرحلة هدية لزوجها بمناسبة عيد ميلاده الخمسين. وبينما ذهب زوجها للابحار, قادت نينا دراجتها الهوائية الى الشمال باتجاه مونتاوك ومعها كتاب \”دراكولا\” لـ\”برام ستوكر\”, شوكولاتة وقنينة ماء. جلست تحت ظل شجرة على مقعد خشبي يطل على المحيط الأطلسي. وفي المساء من نفس اليوم انتهت من قراءة الرواية, \”لقد نجحت في قراءة كتاب من 400 صفحة في يوم واحد\”. وهكذا قررت نينا البدء بسنة من القراءة, كل يوم كتاب, \”لماذا كتاب كل يوم؟ لماذا لا يكون كل أسبوع؟\” سألها زوجها.

قراءة في كتاب "تولستوي والكرسي البنفسجي: سنة رائعة من القراءة"

\”لا, يجب أن أقرأ كتابا كل يوم. أبقى جالسة وأقرأ. الثلاث سنوات الماضية لم أفعل شيئا سوى الركض, لقد ملأت حياتي وحياة من حولي بالنشاطات, الخطط, الحركة, وخاصة الحركة. لكن مهما حاولت تشتيت حياتي, ومهما ركضت بصعوبة, الحزن والألم ظلّا معي, حان الوقت لأترك كل الضغوط. حان الوقت للقراءة\” أجابت نينا. 

في عيد ميلادها الـ 47 قررت نينا البدء في مشروعها. تقرأ الكتاب وفي اليوم التالي تكتب شيئاً عنه في صفحتها \”Read All Day\” التي كانت قد أنشأتها لتبادل الكتب. الشروط التي وضعتها الكاتبة للقراءة سهلة,\”يجب أن أقرأ كتابا واحدا لنفس الكاتب كل يوم. لا يمكن أن أقرأ كتبا قرأتها من قبل. يجب أن أكتب شيئا عن كل كتاب أقرأه […] يجب أن يشاركني الجميع السحر الذي أشعر به وأنا أقرأ\”. 

وضعت الكاتبة خطة للقراءة. ورتبت حياتها وحياة أسرتها على ذلك, مثلاً, قامت بوضع جدولاً تتقاسم فيه هي وزوجها وأولادها الأربعة الواجبات المنزلية. استطاعت أن تصل الى قراءة 70 صفحة في الساعة, و6 ساعات من القراءة والكتابة. \”تدربت على كتابة مراجعة للكتاب الذي أقرأه, يستغرق الأمر أحياناً نصف ساعة, وأحياناً أخرى 5 ساعات\”. 

سنة كاملة قررت فيها نينا التفرغ للقراءة على كرسيها البنفسجي. لا تفعل فيها شيئا سوى القراءة. من منا لا يريد ذلك؟ \”سنة لن أفعل فيها شيئا: لن أقلق, لن أعمل من أجل المال, وعدت نفسي أن لا أركض هذه السنة, لا خطط, ولا عمل لكسب المال\”. وبدأت السنة بقراءة \”أناقة القنفذ\” لــ\”موريل بربري\”. كان يجب أن توفق بين متعة القراءة والالتزام بشروط القراءة التي وضعتها لنفسها, \”قراءة الكتب كانت تمثل طريقة لتحفيزي. أعرف بالطبع أني سأبقى مستمتعة بالقراءة, لكن يجب أن ألتزم بالجدول الذي وضعته لنفسي\”.

الكتاب هو سيرة ذاتية, مذكرات أو يوميات, ربطت الكاتبة ذكرياتها التي استعادتها خلال السنة مع موضوع كل كتاب قرأته, ولكن الكتاب لم يكن سيرة ذاتية فقط, كان قراءة أيضاً لكتب مهمة وكتّاب نعرفهم ولا نعرفهم, نقد للكتاب وأسلوب الكاتب, ووصف جميل لتجربة قارئة عاشقة للكتب, وصف مشاعرها وأحاسيسها بكل بساطة أحياناً, وعمق في أحيان أخرى بأسلوب جميل ورقيق وجذاب ومرح في نفس الوقت. كيف نقرأ؟ كيف نشعر ونحن نقرأ؟ لماذ يجذبنا هذا الكتاب دون غيره؟ لماذا نحب هذا الكاتب دون غيره؟ أسئلة كنت أجد إجاباتها مع كل كتاب وذكرى تحدثت عنها الكاتبة.

لطالما اعتقدت أن كتابة السيرة الذاتية أو المذكرات ــ الجيدة منها ــ لكبار الكتّاب أو حتى لأشخاص عاديين هي مواساة لهم أكثر منها مشاركة لتجاربهم مع الآخرين. اعتقادي هذا يصح بشكل كبير على هذا الكتاب. كان عمر أختها, آنا ماري 47 عاماً عندما توفيت بسبب إصابتها بمرض السرطان, وخلال أشهر علاجها في المستشفى كانت نينا تذهب لزيارة آنا ماري كل يوم. وفي أحد الأيام, وأثناء عودتها من المستشفى الى منزلها, اتصل بها زوجها جاك ليخبرها بخبر وفاة آنا ماري, \”صرخت, صرخت وصرخت, توقفت بالسيارة على جانب الطريق, وبقيت أصرخ\”. تبدلت حياة نينا وعائلتها بعد هذا اليوم. 

قراءة في كتاب "تولستوي والكرسي البنفسجي: سنة رائعة من القراءة"

الكتب التي كانت تختارها نينا في سنة القراءة تلك لا تشبه الكتب التي قرأتها بعد وفاة أختها, \”كانت عقوبة أكثر منها تعزية\” تصف نينا الكتب. لكن خلال سنة القراءة كانت الكتب \”انعكاسا للحياة – حياتي\”. كانت تبحث عن الكتب التي تجيب عن سؤالها, كانت تقرأ الكتب لأكثر من \”مجرد الهروب والسعادة. أنا أقرأ الكتب من أجل أن أتعايش مع الحزن وأجد لي مكان في هذا العالم\”.

الحزن واحد مهما اختلفت الثقافات والظروف, كل كتاب نقرأه يؤكد لنا هذه الحقيقة. تصف الكاتبة بدقة الساعات التي تلت وفاة أختها, في المستشفى, \”أمي كانت تقف الى جانبها وتبكي بهدوء… أختي ناتاشا تجلس الى جانب أبي في الممر وتبكي. تمسك بيده, بينما هو  يتأرجح الى الأمام والخلف وتتدفق الدموع على خديه […]، وهو يتمتم مرة بعد أخرى: ثلاثة في ليلة واحدة\”.

الكاتبة نشأت في ميدوستن ودرست القانون هناك, وهي تنتمي الى عائلة مهاجرة, والدها شهد الحرب العالمية الثانية في بولندا, ووالدتها شهدت الحرب أيضاً في بلجيكا. والحرب هي الحرب أيضاً, أربعة من اخوة أبيها العشرة ماتوا أثناء الحرب العالمية الثانية: الأول بيتر مات في 1939 أثناء الخدمة العسكرية في الجيش البولندي في قتاله ضد الألمان. أما الثلاثة الآخرون: بوريس 32 عاماً, أنتونيا 23 عاماً وسيرجي 15 عاماً, قتلهم الجنود الروس في منزلهم بينما كانت جدة نينا مريضة ونائمة في غرفة مجاورة, سمعت أصوات الجنود وهم يصرخون على أولادها, وسمعت توسل أولادها وصراخهم, وسمعت أيضاً إطلاق النار عليهم من قبل الجنود الروس, ولم تستطع إنقاذهم:

\”أحاول أن أفهم كيف استطاعت جدتي أن تعيش في اليوم التالي لموت أطفالها الثلاثة, واليوم الذي بعده, واليوم الذي بعده. كيف لم تصبح مجنونة؟ […] أحاول أن أفهم كيف من يعيش الموت, يمكنه أن يستمر في الحياة بعد ذلك. كيف يمكن لشخص مر بذلك أن يمشي منتصباً؟ كيف نستطيع أن نتمسك بهذه الأرض وهذه الحياة ونستمر؟. ينبغي أن يهتزّ ويرتجف العالم مع كل موت, لكن لو حدث هذا, سوف لن تستقر الأرض أبداً\”.

كان والدها, الطبيب الجراح لا يذكر الكثير عن موت إخوته \”الشفاء الوحيد لأحزاننا هو ذاكرتنا, المهدئ الوحيد لألم فقدان شخص هو الاعتراف بأن الموت جزء من الحياة\”. وهذا ما دفع والدها الى كتابة مذكراته أخيراً، ولكن أثار الحرب لا تنتهي بسهولة. تحول والدها بعد الحرب الى نازح, ولا يملك حتى جواز سفر. 

تساؤلات طرحتها الكاتبة حول الحياة والموت, وما بعد الموت. \”كنت أتمنى دائماً وجود حياة بعد الموت\” تقول الكاتبة وهي تروي حوادث كثيرة حصلت لها ولأسرتها بعد موت أختها. ذات مرة وبينما كانت تجلس على مقعد كانت تجلس وأختها عليه, تحت الشجرة, شجرة آنا ماري كما تسميها الكاتبة, وكانت معها صديقتها, ولأنها تذكرت آنا ماري, ظلت تبكي حتى شعرت بأن غصن الشجرة ضربها على رأسها فقالت لصديقتها: \”هذه آنا ماري ضربتني على رأسي, حتى أتوقف عن البكاء\”، أومأت صديقتها برأسها واتسعت عيناها \”عندها توقفت فوراً عن البكاء\”. تقول الكاتبة. \”سواء كانت آنا ماري روحا أم لا, آنا ماري لا زالت تأخذ مكاناً في حياتي\”.

ربطت الكاتبة على مدى فصول الكتاب حياتها مع الكتب, طفولتها مع أختها آنا ماري ومع الكتب بالتأكيد. عن حبها الأول وهي في الثانية عشرة من عمرها وتجاربها مع الحب, عن عائلتها, أولادها الأربعة وزوجها, وبنت زوجها من زواج سابق, ميرديث. عن الحياة, الموت, وما بعد الموت, الحزن, والهجرة, وجهة نظرها في الكتب التي تحبها, والقراءة وحتى الكتّاب. \”الكتب بحد ذاتها تجربة, كلمات الكتّاب تؤكد عزاء الحب, قناعات العائلة, عذاب الحرب وحكمة الذكريات. السعادة والدموع, الفرح والألم: جربتها كلها على كرسيّ البنفسجي\”. لكل شيء كتابه, إذا أردت أن تعرف لماذا تحدث الحروب, إقرأ كتاباً عن الحرب \”لكي تكتشفي لماذا نحارب. لكي تدركي لماذا نندفع الى العنف\”. نصحت نينا صديقتها. وأحياناً نحن نقرأ للمواساة فقط, لا نبحث في الكتاب عن إجابة, بل عن مواساة, عن شيء يشبهنا, \”ربما قرأت الكتب ليس لأني أريد نصائح لأكون أماً صالحة, لكني كنت أبحث عن موافقة على ما فعلته كأم\”. وممكن للكتاب أن يحرّك الإدراك, أن يوجه العقل الى مكان, الى جهة تحررنا من الخوف والألم \”من المهم أن نحتفظ بذكريات حياتها (تقصد آنا ماري). لقد أدركت ذلك بعد ثلاث سنوات من وفاتها عندما قرأت \”تاجر الماضي\” لــ\”خوسيه إدواردو أغوالوسا\”.

خلال سنة من القراءة كانت تقرأ الكاتبة كتبا تستعيرها من المكتبة العامة, كتبا يقترحها عليها أقرباؤها وأصدقاؤها, كتاب اقترحه عليها ابنها جورج من 476 صفحة لـ\”ريتشارد آدم  Watership Down\” كنوع من التحدي. ابن عمها في بروكسل أرسل لها كتابا لــهاري مولش \” The Assault\”. وحتى آنا ماري اقترحت عليها في حلم كتاب \”حكايات كانتربري\” لـ\”جيفري تشوسر\”. 

توافق الكاتبة هنري ميلر في أن الربح من تبادل الكتب هو \”ثلاثة أضعاف\”, لذا تقوم عن طريق موقعها بتبادل الكتب, الحديث عن الكتب, وتشترك أيضاً بناد للقراءة في ويستبورت.

مشاركتها لألم الاخرين ساعدها على التخفيف من معاناتها. \”أكتب عن ما قرأت, وأتحدث مع من يحبون الحديث عن الكتب. مشاركة الآخرين بأفكاري وآرائي عن ما قرأته, جعلني أكتشف جانبا جديدا من الكتب التي تمنحني الرضا: هو الحديث عنها\”. 

من خلال قراءة الكتب نكتشف أن مشاعر الناس, تجاربهم في الحياة لا تختلف كثيراً, \”اكتشفت أن السعادة والمعاناة هي تجارب كونية, وبأن هذه التجارب تشكّل صلة بيني وبين باقي العالم\”. هناك سحر ما في الكتب يجعلنا نصدق هذا, نشعر بأننا نعرف هذه الشخصيات وأنها قريبة منا مهما اختلفت الثقافات. 

وعن الكتب التي تحبها الكاتبة, \”إذا لم أحب كتابا بعد قراءة 10 أوراق منه, أضعه جانباً وأختار كتابا آخر من الرف, رواية في الأنتظار\”. وتقول أيضاً: \” نعم, أحب الأدب المؤثر لكتّاب من مثل باول أوستر, موريل بربري وغريس كليف, ولكن الروايات البسيطة من مثل \”نادي إيزابيل دالهاوسي للفلسفة\” لــ ألكسندر ماكويل سميث, يمكنها أن تمنحني الرضا\”. 

في الشهر الأخير من السنة بدأت الكاتبة تقرأ الكتب \”الخفيفة\”, كتب الجريمة, الشباب, القصص القصيرة, روايات الخيال العلمي والسير الذاتية. آخر يوم من السنة قرأت نينا كتاب \” Spooner\” لـ\”بيت ديكستر\”. 

وفي عام معين، حاولت فيه الكاتبة الخروج من حزنها بالقراءة والاكتشاف والحديث عن الكتب. \”الكتب كانت آلتي الزمنية, ووسيلتي للشفاء\”. تتذكر الكاتبة في نهاية الكتاب رواية تولستوي \”The Forged Coupon\” التي يتحدث فيها تولستوي عن الحياة ونتائجها وتأثير سلوك شخص على حياة الآخرين. \”قصة تولستوي فسرت كل ما حدث معي, فسرت معنى حياتي\”. 

سنة من العلاج, أو القراءة كانت تريد الكاتبة فيها \”تخديرا نفسيا من ألم الخسارة\”, ووجدت الجواب الذي كانت تبحث عنه: \”جوابنا الوحيد على الحزن هو الحياة\”. 

تستذكر الكاتبة كتابها الأول \”أمي أجمل امرأة في العالم\” لــ\”بيكي ريهير\”, \”استعرت الكتاب من مكتبة المدرسة […] وجدته كتاباً رائعاً, ولا يمكنني إعادته الى المكتبة. ولا أتذكر هل دفعت غرامة ضياع الكتاب. لا أعلم لحد الآن\”. حدث الأمر معي أيضاً عندما قرأت كتابها, تأخرت على موعد إعادة الكتاب الى المكتبة, لم أعده, لكني دفعت غرامة التأخير الى أن وصلت نسختي من الكتاب.

تختتم الكاتبة نينا سانكوفيتش كتابها بقائمة من الـ365 كتابا التي قرأتها خلال 365 يوم في \”مصحة الكتب\” كما أسمت الكاتبة هذه السنة.

\”كنت في الأربعين وقرأت على كرسيّ البنفسجي, كان أبي في الثمانين وأختي كانت في المحيط, حيث نثرنا رماد جسدها تحت السماء الزرقاء, عندها فقط بدأت أرى أهمية النظر الى الوراء. الذكريات, كان هناك سبباً وراء كتابة أبي لمذكراته أخيراً, وهو نفس السبب الذي جعلني أتخذ لي سنة للقراءة. الكلمات شواهد الحياة: الكلمات تسجل ما حدث, وتجعله حقيقة\”.

وأخيراً تذكر نينا سانكوفيتش نصائح للقراءة:

•ليكن معك كتاب دائماً

•إقرأ بينما تنتظر

•إقرأ بينما تأكل

•إقرأ بينما تتمرن

•إقرأ عندما تنهض من الفراش

•إقرأ بدلاً من متابعة الفيسبوك

•إقرأ بدلاً من مشاهدة التلفزيون

•إقرأ بدلاً من أن تكنس

•إقرأ بينما تكنس

•إقرأ مع مجموعة من القرّاء

•إقرأ مع طفلك

•إقرأ لقطتك

•إقرأ لكلبك

•إقرأ وفقاً لخطة

•ليكن معك كتاب دائماً

رابط صفحة الكاتبة : www.readallday.org

إقرأ أيضا