صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

قراءة نقدية لمواد الدستور العراقي (4 – 5)

وفي المادة (63) يقول (تحدد حقوق وامتيازات رئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس بقانون) أعتقد أن من الأفضل أن تكون المادة أشمل وأكثر وأن تتضمن الإشارة إلى سن قانون إداري تحدد بموجبه جميع رواتب رجال الحكومة والبرلمان.

 

وفي المادة (64) أولا يقول: يحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس الوزراء) وهذه المادة تعني -عمليا- انه لا يمكن حل المجلس, وإلا فكيف يوافق ثلثا أعضائه على حل أنفسهم؟ وكيف ستتوافق إرادات أغلبية أعضاء المجلس (الأغلبية المطلقة) مع ارادة رئيس مجلس الوزراء بالاضافة الى ارادة رئيس الجمهورية ليتم حل المجلس؟ والافضل أن يكون ذلك (حل المجلس) بقرار من رئيس الجمهورية، وفي واحدة أو أكثر من الحالات التالية:

1)عند تعذر تشكيل حكومة تحظى بالأغلبية البسيطة بعد مدة اقصاها تسعون يوما من تاريخ طلب رئيس الجمهورية بتشكيلها وكما يلي:

أ‌)يكلف رئيس الجمهورية رئيس الكتلة الحاصلة على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات بتشكيل الحكومة، فإذا أخفق المكلف بالحصول على أغلبية بسيطة في مدة أقصاها شهر، يتم تسمية شخص آخر من نفس الكتلة ويتعين عليه تشكيلها في مدة أقصاها شهر أيضا على أن تحظى بالأغلبية البسيطة.

 

ب‌)إذا تعذر حصول الحكومتين في (1) أعلاه على الأغلبية البسيطة، يطلب رئيس الجمهورية من رئيس تحالف يشكل أغلبية في مجلس النواب بتشكيل حكومة في مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.

 

ج‌)ينطبق ما جاء في (أ) و(ب) أعلاه في حالة سحب الثقة من الحكومة وتكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل بديل عنها.

 

2) إذا أصدر المجلس قرارا ينتقص من وحدة أو سيادة العراق او ألحق ضررا في مصالحه.

 

3) إذا اصدر المجلس تشريعات تتضمن حصول أعضائه على منافع مادية كزيادة المخصصات المالية لأعضائه أو منحهم مكافآت مالية منقولة او غير منقولة وبما يدخل ضمن (تعارض المصالح).

 

4) إذا اخفق المجلس بإقرار الميزانية بالأغلبية البسيطة في مدة أقصاها شهر من تاريخ تقديم رئيس الوزراء لها للمجلس.

 

5) اذا كان مجموع غيابات نصف أعضائه تتجاوز مدة تزيد على10% من مدة الفصل التشريعي.

 

6) بطلب مبرر من رئيس الوزراء مبني على أدلة تفيد تعطيل مجلس النواب لبرنامج الحكومة في التنمية أو غيرها من الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية أو ممارسته لسلطات تنفيذية تقع ضمن تلك الصلاحيات، مثل تدخله في منح امتيازات لأشخاص أو عقود مقاولات.

 

مجلس الاتحاد:

تنص المادة (65) من الدستور على ما يلي (يتم إنشاء مجلس تشريعي يدعى بـ(مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) وفي هذه المادة عدة اشكالات يقع في مقدمتها اشكال دستوري فقهي، هو كيف لمجلس النواب \”مجلس تشريعي\” أن يسن قانونا بإنشاء \”مجلس تشريعي\” آخر؟

 

والإشكال الآخر هو ان مجلس الاتحاد حسب نص المادة اعلاه \”يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم\” وهو تعريف أعضاء مجلس النواب ايضا، وبالتالي لا يختلف مجلس الاتحاد عن مجلس النواب لا من حيث العضوية ولا من حيث الوظيفة \”التشريعية\”، وبالتالي يكون انشاء هذا المجلس، بهذه الطريقة، عملية غير ذات جدوى ان لم تكن معيقة لعمل مجلس النواب لتعارض عملهما \”التشريعي\”، والفكرة الأصح ان يكون مجلس الاتحاد ومجلس النواب مجلسا واحدا هو \”المجلس التشريعي – أو أية تسمية أخرى\” ولا يكون مجلس الاتحاد مؤسسة مستقلة قائمة بذاتها، وهذا لا يتعارض مع المادة (48) من الدستور التي تنص على (تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد).

 

ولابد لي ان أشير هنا الى التعديلات التي اقترحتها لجنة التعديلات الدستورية التي تناولت هذا الموضوع \”مجلس الاتحاد\”، والذي اقترحت اللجنة ان يكون كأنه \”مجلس نواب ثان\” – أرجو الاطلاع على المواد الخاصة بتشكيل المجلس المقترحة من قبل اللجنة والتي لا تختلف عن المواد الخاصة بمجلس النواب – وبتلك الطريقة فان المجلس لا يسهم بحل المشاكل قدر تعقيدها بإضافة سلطة أخرى لها حق تعطيل القوانين، وبدلا عن ذلك أقترح ان يتكون مجلس الاتحاد من عدد من الاعضاء من الحاصلين على اعلى الاصوات في انتخابات مجالس المحافظات وفق نسبة سكانية محددة، ليكونوا (اعضاء مجلس الاتحاد) ضمن \”المجلس التشريعي\” المتكون من اندماج مجلس النواب مع مجلس الاتحاد، بشرط أن تكون انتخابات مجالس المحافظات التي سيترشحون منها في منتصف مدة مجلس النواب، وبذلك نكون قد مثلنا المحافظات بمجلس الاتحاد الذي هو جزء من \”المجلس التشريعي\” وليس مؤسسة مستقلة عنه، وكذلك نكون قد سوينا مسألة الفراغ السياسي الذي ينشأ عند كل انتخابات تشريعية، وستكون الانتخابات التشريعية لبقية أعضاء مجلس النواب \”حوالي نصف العدد\” بالقائمة المفتوحة واعتبار العراق منطقة انتخابية واحدة، وهذا لا يتناقض مع منطوق المادة (65) من الدستور.

 

من شأن ذلك أن يضمن سيرا سلسا لمجمل العملية الديمقراطية في العراق، فيمكن بهذه الطريقة إعادة توكيد أو حجب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء في الانتخابات النصفية عند تغير المعادلات السياسية \”رقميا\” داخل المجلس نتيجتها، شريطة ان يرافق ذلك عدد من التعديلات الدستورية الاخرى التي تجعل من موضوع الانتخابات مادة الديمقراطية ومحركها الدائم الذي على اساسه يتم توزيع السلطات كافة.

 

رئاسة الجمهورية

ومن المواد الأخرى التي تحتاج الى إعادة نظر هي المادة (72) التي تحدد مدة الرئاسة لرئيس الجمهورية، ومعالجة خلو منصب الرئيس.

 

فرغم ان هناك فرقا واضحا بين مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تستدعي أن لا يكون قرارا تعيين كليهما خاضعين لنفس المعايير والحسابات وبنفس الآليات لكليهما او ان يؤثر اختيار احدهما في اختيار الآخر وفق رغبات معينة لا تخضع لقانون قدر خضوعها الى تسويات سياسية كما حصل بعد الانتخابات العراقية الأخيرة.

 

فالمادة (70) أولا: تنص على (ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه)، وتنص المادة (76) أولا على (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية) أي ان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تحددهما نفس المقاييس ونفس العوامل والأشخاص وهذا لا يجوز منطقيا لاختلاف مهامهما وواجباتهما الدستورية أولا ولأن هذه العملية خاضعة للمساومات السياسية أكثر من خضوعها إلى قوانين تحددها بما لا تحتمل معها المجاملات والمساومات السياسية.

 

كما ان المادة (72) أولا; تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات (تنتهي بانتهاء مدة مجلس النواب) حسب الفقرة ثانيا من نفس المادة أعلاه. مما جعل عملية اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تخضع لمفهوم تقاسم المناصب اكثر من خضوعها الى الاستحقاقات الانتخابية كما هو مفترض، كما ان انتهاء مدتي الرئاسة ورئاسة الوزراء بنفس الوقت يحدث فراغ سياسي غير مبرر. بالاضافة الى ذلك ليس ثمة ما يستوجب انتهاء مدة الرئاسة مع انتهاء مدة البرلمان، خاصة وأن منصب الرئيس فخريا أكثر ما هو عمليا، فماذا كان يحدث مثلا وما سيحدث إذا كانت المدة الرئاسية (ست سنوات) مثلا؟ لا شيء عدا أن تشكيل الحكومة كان سيكون أسرع حتما وأكثر استجابة للاستحقاقات الانتخابية وأكثر حرية للكيانات السياسية في اختيار من تراه مناسبا لمنصب رئيس الوزراء ووزرائه، واكثر حرية في اختيار ائتلافاتها وبالتالي اكثر قوة وقدرة على تمثيل نفسها كما يجب ان يراه الناخب الذي يتوق لمعرفة مدى جدية ممثليه الذين انتخبهم في تطبيق وعودهم الانتخابية.

 

لقد كان لهذا الأمر الأثر الرئيس في تأخير تشكيل الحكومة العراقية مدة تزيد على الثلاثة أشهر بعد انتخابات عام 2005 وأكثر من تسعة أشهر بعد انتخابات 2010، ما خلق تذمرا شديدا لدى العراقيين من كل الأطراف السياسية وقياداتها كان يمكن تجنبه لو كانت الآليات المتبعة اكثر تحديدا واكثر قانونية ولا تدع مجالا للمساومات التي تنتزع حسنات الانتخابات الديمقراطية أكثر مما تفيدها كما يوحي البعض.

 

ويقول في (ج) من الفقرة (ثانيا) من المادة (72) (في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الاسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لإكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية).

 

ويقول في الفقرة (ثالثا) من المادة (75) (يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سبب كان وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من  تاريخ الخلو). ويقول في الفقرة (رابعا) من نفس المادة (في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له على أن يتم انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من تاريخ الخلو وفقا لأحكام هذا الدستور). وهذا خلل دستوري كبير إذ يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، فليس صحيحا أن يحل رئيس السلطة التشريعية محل الرئيس (وهو سلطة تنفيذية)، كما ستنتج عن ذلك حالة جديدة هي خلو منصب رئيس السلطة التشريعية حين يكون بديلا عن الرئيس. ويمكن جعل كل هذه الفقرات فقرة واحدة يكون نصها (في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب يحل نائب الرئيس محله، وفي حالة عدم وجود نائب يرشح مجلس النواب مرشحا من الأعضاء الأكبر سنا فيه يحل محل الرئيس بموافقة ثلثي عدد المصوتين لمدة مؤقتة لحين انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز30 يوما من تاريخ الخلو لإكمال المدة المتبقية من ولاية رئيس الجمهورية). فهذه فقرة شاملة كاملة تتضمن كل التفاصيل التي تتطلبها معالجة حالة خلو منصب رئيس الجمهورية.

 

مجلس الوزراء

ويقول في المادة (78) من الدستور (رئيس مجلس الوزراء هو… وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب). إن موافقة مجلس النواب غير ضرورية هنا ما دام الأمر يتعلق باستبدال وزير وتعيين بديل له، فمهمة مجلس النواب الإشراف على عمل السلطة التنفيذية وليس على شخوصها وأدواتها، كما أن ترك موضوع الإقالة والتعيين ضمن صلاحيات رئيس الوزراء يتيح إمكانية أكبر في تشخيص الخلل عند حدوثه ولا يسمح بتداخل السلطات، ويجعل من محاسبة رئيس الوزراء على تقصير حكومته أمرا منطقيا، فليس منطقيا محاسبة رئيس الوزراء على أداء وزراء لم ينالوا رضاه خلال عملهم وإنه لم يستطع إقالتهم لأن ذلك منوط بموافقة مجلس النواب الذي سيخضعه لاحقا للمساءلة عن تقصير هؤلاء!

 

* نصيف الخصاف: كاتب وباحث عراقي

إقرأ أيضا