صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

10 قرارات حكومية خاصة بتنظيم استخدام المياه والحد من تلوثها

يواجه العراق تحديات عديدة فرضتها عوامل تغير المناخ، كارتفاع درجة الحرارة، وقلة الأمطار، وشحة المياه، وملوحة الأراضي، وزيادة نسبة العواصف الرملية والترابية، والكوارث الناجمة عنها، فضلا عن غياب الاتفاقات الخارجية مع دول المنبع تركيا وإيران.

وفي هذا الإطار، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم الاثنين، 10 قرارات تخص إدارة ملف المياه.

ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي، بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.

ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى، فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين، يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.

وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، في بيان تلقته “العالم الجديد”، إن “رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ترأس، اليوم الاثنين، الاجتماع الدوري للّجنة العليا للمياه، حيث جرى خلاله بحث الموضوعات المطروحة على جدول أعماله، واتخذ التوجيهات والقرارات الخاصة بها”.

وأشار رئيس مجلس الوزراء إلى “ضرورة اتخاذ خطوات واسعة في مجال توفير المياه، وتنظيم استخداماتها والحدّ من التلوث، وتوظيف التكنولوجيا في كل مجالات استخدام المياه”.

وأقر الاجتماع، بحسب البيان، “جملة من الإجراءات لمواجهة آثار التغير المناخي المؤثرة في مستويات وفرة المياه، فضلا عن اتخاذ عدد من المقررات في مختلف الصعد والمجالات المتعلقة بإدارة ملف المياه، وهي الآتي: الاهتمام بالمشروعات الاستراتيجية الكبرى من حيث التخطيط والتمويل، ومشروعات الاستصلاح (ري العمارة، وأواسط دجلة)، ومشروعات التحول إلى الرّي المغلق ونقل المياه بالأنابيب؛ للتكيف مع النقص في الإيرادات المائية”.

وأضاف البيان “إلزام الجهات كافة باتخاذ إجراءات معالجة التلوث للحدّ من تأثيرات الملوثات، وكذلك السيطرة على مذبات مياه الصرف الصحي ومصادر التلوث الأخرى، وكل مصادر المياه غير المعالجة، كذلك التزام وزارة الزراعة بالخطة الزراعية وإنجاز مشروع البطاقة الزراعية للفلاحين”.

وأشار إلى “تطبيق إجراءات المراشنة للمضخات، على نهري دجلة والفرات والأنهر الرئيسة خلال الموسم الصيفي، والتركيز على تنفيذ محطات تحلية المياه للمحافظات الجنوبية (البصرة، ذي قار، ميسان، المثنى)، فضلا عن “القيام بحملة لصيانة وكري الجداول، خاصة عند مآخذ الإسالات، وتطهيرها من نباتات الشمبلان وزهرة النيل”.

وأكد على “استغلال المياه الجوفية وتنفيذ أعمال التأهيل في المناطق التي يصعب وصول المياه السطحية لها، وإلزام إدارة سد دوكان بالتصاريف المطلقة من السد بحسب الخطة المركزية للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية”.

وشدد على ضرورة “تأليف غرفة عمليات في كل محافظة برئاسة السادة المحافظين، وعضوية مديري دوائر الموارد المائية، والزراعة، والكهرباء، والبيئة، والمديريات العامة للماء، والقوات الأمنية، ووضع خطة لتنفيذ مشاريع لمعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي للزراعة”.

ولوح العراق، في 24 ديسمبر كانون الأول 2024، بتدويل قضية أزمة المياه مع تركيا عبر المحاكم الدولية.

وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي، بختيار أمين، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، إن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه”.

ودعا إلى إعمال الضغط الدولي على دول المنبع، قائلا “تطرقت في وقت سابق لملف المياه مع محكمة العدل الدولية في لاهاي، خاصة وأن العراق أحد مؤسسي المحكمة، حيث كانت آنذاك قضية مشابهة مفتوحة أمامها وهي الملف المائي بين هنغاريا وسلوفاكيا، حيث تم التحكيم من قبل المحكمة لصالح الدولة المتضررة، وقد قمت باستثمار الفرصة حينها وطرحت قضية العراق فأبدت المحكمة استعدادها بعد أن شرحت الوضع بالتفصيل، كما تلمست الاستعداد الكامل من قبل رئيس المحكمة لحلها وإنصاف العراق، لكن عندما خاطبت المسؤولين في بغداد لم أر أي تفاعل أو تعامل جدي مع قضية التدويل“.

ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنويا نتيجة التصحُّر.

ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.

وتثير احتمالية مرور شتاء جاف على العراق، قلق ومخاوف الكثير من المراقبين. ويعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة طالما عانى منها العراق في سنوات سابقة، لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.

وكان زعيم تحالف مستقبل العراق، باقر جبر الزبيدي، قد حذر في 18 كانون الأول ديسمبر 2024، من مؤشرات موسم الشتاء الحالي وانعكاساتها على السنوات الخمس القادمة، مبينا  أن هذه الأزمة ستفرض على المزارعين في العراق اللجوء إلى الري بالتنقيط، وتبطين الأنهر للمحافظة على نسبة المياه المهدورة أثناء السقي أو الري، فيما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن زيادة الحصص المائية للعراق من قبل دول المنابع، والاستعانة بكل الطرق الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية من أجل زيادة حصتنا من المياه.

وكانت عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية، ابتسام الهلالي أكدت، في 16 كانون الأول ديسمبر 2024، أن تركيا لم تلتزم بجميع الاتفاقات وكذلك المعاهدات التي وقعت بشأن إعطاء حصة العراق العادلة من المياه، داعية الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة مع الجانب التركي لاستحصال حقوق العراق المائية.

ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.

ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد، مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.

وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.

ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى استراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.

وفي آذار مارس 2024، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحفية، إن “سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية”، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم.

ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة، ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضا إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهرا داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.

وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.

ومع حلول كل فصل صيف تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية، تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار، وتقليص الخطط الزراعية، بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية، لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها وتحولها إلى ضحلة يصعب تنقيتها.

إقرأ أيضا